البرلمان الفرنسي يعترف للجزائر باليمنى وينزع باليسرى

7
البرلمان الفرنسي يعترف للجزائر باليمنى وينزع باليسرى
البرلمان الفرنسي يعترف للجزائر باليمنى وينزع باليسرى

حسان حويشة

أفريقيا برس – الجزائر. بعد أيام قليلة من “نصف خطوة نحو الاعتراف” على مستوى الغرفة السفلى للبرلمان الفرنسي بمجازر 17 أكتوبر 1961 ضد المتظاهرين الجزائريين، واختزالها في أفعال فردية، بعيدا عن تحميل الدولة الفرنسية المسؤولية، أطل مجلس الشيوخ (الغرفة العليا) بمقترح قانون يزعم فيه حصول مجازر بحق الفرنسيين والأوروبيين في الجزائر العاصمة ووهران بين شهري مارس وجويلية 1962، داعيا باريس الرسمية للاعتراف بها.

وجاءت هذه الخطوة الجديدة التي تعبّر عن “تململ” فرنسي واضح فيما يتعلق بملف الذاكرة، عبر مقترح مشروع قانون قدّمته السيناتور، فاليري بواييه، عن كتلة الجمهوريين (اليمين)، وجرى تسجيله لدى رئاسة “السينا” في 28 مارس 2024.

وفي عرض أسباب المقترح، ساوت السيناتور الفرنسية بشكل عجيب بين الضحية والجلاد، زاعمة أن “جراح من عايشوا حرب الجزائر لم تلتئم بعد”، رغم مرور 62 سنة على اتفاقيات إيفيان، لكن هذه الجروح ليست للضحايا بل الجلادين وفق ما سردته هذه السياسية الفرنسية، وذكرت في هذا الشأن قدماء المحاربين و”الحركى” والمرحّلين من الجزائر، الذين مورس ضدهم، حسب روايتها، عنف من طرف جبهة التحرير الوطني.

وفي موقف مشابه تماما لتعاطي الغرب حاليا مع العدوان على غزة، وعدم إعارة أدنى الاهتمام لعشرات الآلاف من الضحايا الفلسطينيين من الأطفال والشيوخ والنساء والمدنيين العزل، مقابل التهويل وإبراز ضحايا الكيان الصهيوني رغم قلتهم، نسجت السيناتور بواييه، من خلال محاولة إبراز أن نحو 330 فرنسي كانوا في عداد المفقودين عند توقيع اتفاقيات إيفيان، في حين سجل، حسب زعمها، ما يقارب 600 شخص مفقود ما بين مارس وجويلية 62، متناسية الآلاف من الجزائريين الذي فقدوا وقتلوا من دون أن يتمكّن أهلهم وعائلاتهم من العثور عليهم.

وذهبت السيناتور ذات التوجه اليميني، المعروفة بمواقفها تجاه الجزائر، إلى حد تكذيب رواية جنرال الجيش الفرنسي كاتز، قائد الجيوش الفرنسية بوهران في أوت 1962، التي أكد فيها أن الطلقات الأولى التي صوبت على حشود من الجزائريين المحتفلين بالاستقلال كانت وراءها منظمة الجيش السري الإرهابية المسلحة “OAS”، التي شكّلها مدنيون فرنسيون وجنود سابقون رافضون لاستقلال الجزائر ووقف إطلاق النار.

وورد مقترح القانون في مادة وحيدة، نصت على ما يلي: “إن الجمهورية الفرنسية تعترف بوحشية وحجم المجازر التي ارتكبت بعد 19 مارس 1962 في الجزائر، ولا سيما مذبحتي شارع إيسلي في 26 مارس 1962 (العاصمة) ووهران في 5 جويلية 1962 ضد الساكنة الفرنسية والجنود والمدنيين العاملين معنا وزوجاتهم وأطفالهم”.

ونهاية مارس الماضي، صادقت الجمعية الوطنية الفرنسية على مقترح قرار قدّمته النائب صابرينة صبايحي، ذات الأصول الجزائرية، يدين ويعترف بمجازر 17 أكتوبر 1961 ضد المتظاهرين السلميين الجزائريين بالعاصمة الفرنسية، جاءت مكررة وفارغة من قيم مسؤولية الدولة.

واعتبر الباحث والمؤرخ الفرنسي المتخصص في التاريخ الاستعماري أوليفييه لوكور غرانميزون الخطوة بأنها “مراوغة جديدة” من باريس، جاءت بعد “تعديلات كبرى” فرضها قصر الإيليزيه، مشدّدا على أن الجريمة كانت “مجزرة” وجب على الدولة والجمهورية الاعتراف بها.

وشدّد المؤرخ لوكور غرانميزون أن ما حدث يعتبر “مراوغة أخرى تتماشى مع سياسة إيمانويل ماكرون في هذه المسائل”، مشيرا إلى أن الحلول الوسط ضرورية في بعض الأحيان، ولكن النص الذي تم التصويت عليه يظهر تنازلات غير مقبولة، لأنها تتعارض مع الحقائق التي طالما تم إثباتها وتوثيقها وتحليلها من قبل المؤرخين وسياسيين فرنسيين وأجانب.

وقال في هذا الصدد: “الرجال والنساء الذين استجابوا لنداء جبهة التحرير الوطني وتظاهروا سلميا في باريس وأحياء الطبقة العاملة، احتجاجا على حظر التجول العنصري الذي فرضه عليهم محافظ الشرطة موريس بابون، بموافقة الحكومة، منذ 5 أكتوبر 1961، كانوا ضحايا مجزرة”.

وخاطب المؤرخ ممثلي تيار اليسار قائلا: “قبل احتفالات 8 ماي 1945، اقترحوا تقديم قرار جديد يطالب بالاعتراف بمجازر سطيف وقالمة وخراطة كجرائم ضد الإنسانية واستغلوا النقاشات التي ستتولد عن ذلك، لجعل الاعتراف يشمل كافة الجرائم الاستعمارية التي ارتكبتها فرنسا في أراضي إمبراطوريتها وفي فرنسا نفسها”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here