التعديل الحكومي في الجزائر.. كفاءات أم مكافآت

6
التعديل الحكومي في الجزائر.. كفاءات أم مكافآت
التعديل الحكومي في الجزائر.. كفاءات أم مكافآت

أفريقيا برس – الجزائر. ساد الاعتقاد عند تصريح الرئيس عبدالمجيد تبون عن بحثه على كفاءات وطاقات الكبيرة لإدارة الشأن الحكومي خلال المرحلة المقبلة، بأن وجه الحكومة سيكون مغايرا تماما لسابقاتها، إلا أن الملاحظ هو أنها جاءت كحكومة مكافآت وليس كفاءات، وذلك ما جسده ترقية مقربه والي وهران وزيرا للنقل، والاحتفاظ ببعض الوجوه رغم المشاكل التي تعيشها قطاعاتها كالتعليم العالي، ومنح الغطاء السياسي للرجل الأول في المؤسسة العسكرية لتزكية دوره كظل لرئيس الجمهورية خلال السنوات الأخيرة.

لم يرق التعديل الحكومي الذي أجراه الرئيس عبد المجيد تبون، الى مستوى انتظارات الجزائريين وحتى القوى المؤيدة له، بسبب عدم التزام الرجل الأول في الدولة بمبدأ الكفاءة، وتحويل الاستحقاق الى مجرد توزيع كعك التتويج بالولاية الرئاسية الثانية، في الحين الذي أدار ظهره لمؤيديه في الطبقة السياسية والحزبية.

وتم ترقية والي وهران المثير للجدل سعيد سعيود، الى وزير للنقل في الحكومة الجديدة، رغم ما يتردد في الشارع الجزائري عن صلة القرابة (مصاهرة) بين الرجلين، وفي الشارع الوهراني تحديدا، حيث أبان الرجل عن قصور في النهوض بالخدمات العمومية في ثاني أكبر مدينة بالبلاد، على غرار توفير المياه الصالحة للشرب، والتكفل بمختلف الانشغالات اليومية للساكنة المحلية.

ورغم الدلالات التي حملتها ترقية رئيس أركان الجيش الجنرال سعيد شنقريحة، وزيرا منتدبا لدى وزير الدفاع، خاصة فيما يتعلق بعلاقة الرئاسة والمؤسسة العسكرية، فان الترقية مثلت علامة فارقة في التعديل الحكومي، فهي على طابعها المفاجئ، اعتبرت هدية من رئاسة الجمهورية للرجل، نظير التناغم والانسجام، لدرجة أن صار ظله الذي يرافقه أينما حل وارتحل.

واعتبر رئيس حركة الديمقراطية والاجتماعية المجمدة فتحي غراس، التعديل الحكومي نسخة مطابقة للتعديلات السابقة، حيث يبرز فيها طابع الارتجال والارتباك وتوزيع المكاسب، رغم أن الرئيس تبون نفسه، هو من انتقد طاقمه الحكومي في آخر اجتماع لمجلس الوزراء، مطالبا إياهم بـ “الاستيقاظ من النوم”.

وأضاف في تصريح لـ “أفريقيا برس”، بأن “رئيس الجمهورية وعد بحكومة كفاءات من أجل النهوض بتحديات المرحلة القادمة، إلا أن اللافت هو تعديل جزئي أنهى مهام بعض الوزراء واستدعى البعض الآخر لمهام أخرى، وأبقى على الأسماء الوازنة رغم الاختلالات التي تعيشها قطاعاتهم، كما هو الشأن بالنسبة لقطاع التعليم العالي والبحث العلمي، أين يشن طلبة الطب اضرابا مفتوحا للشهر الثاني على التوالي إلا أن الوزير بقي في منصبه”.

ولفت المتحد، الى أنه في العادة يكون التعديل الحكومي من أجل اصلاح الاختلالات وتصويب الأعطاب وضخ دماء جديدة في الجهاز التنفيذي، إلا أنه في التعديل الحالي لا شيء يوحي بأن الرئيس بصدد فتح مرحلة جديدة تواكب ولايته الرئاسية الثانية، ولا هو مقبل على تغيير سياسي بإمكانه حلحلة الأزمة السياسية في البلاد، وتعطي الانطباع للرأي العام أن السلطة قد استوعبت دروس الولاية الأولى وهي تنزع نحو الانفتاح على الجزائريين.

ولم يول الشارع الجزائري أهمية للتعديل الحكومي المذكور، فانغماسه في متاعب الحياة اليومية وغياب أفق انفراج الأزمة المعقدة، اعتبره لا حدث، ولا أمل يرجى منه في ظل غياب سياسة واضحة لاحداث الوثبة المنتظرة، ومواكبة الانشغالات الحقيقية له، بدل اجترار الشعارات الجوفاء والبيانات المغلوطة.

وفيما استحسن الخبير الاقتصادي عبدالرحمن مبتول، تعيين وزيرين للتجارة، واحد للتجارة الداخلية وترقية الصادرات، والثاني للتجارة الخارجية وضبط الأسواق، وهو ما يبرز حرص الرئيس تبون، على تنظيم القطاع وترتيب أوراقه، بما أنه يشكل الرئة الأولى لتوفير الحاجيات المحلية وتنويع الصادرات الوطنية، فضلا عن دوره في إرساء السلم الاجتماعي، فالغلاء والندرة كثيرا ما كانت بمثابة الفتيل في اشعال بؤر التوتر.

وشدد المتحدث في تصريحه، لـ”أفريقيا برس”، على أن “تخصيص حقيبتين لقطاع واحد هو سابقة في تاريخ الحكومات الجزائرية، لكنه يمثل انعطافة حاسمة في تأمين القطاع من ممارسات الاحتكار والمضاربة والابتزاز والتلاعب بالسوق الوطنية، حيث كانت تشكل مطية لنزيف العملة الصعبة تحت مسمى التجارة الخارجية”.

لكن الخبير الاقتصادي الياس جبايلي، حمل رؤية معاكسة لهذا القرار غير المسبوق، واعتبره انعكاسا لحالة الارتباك داخل السلطة، ومسعاها للعودة الى نمط السبعينيات الاشتراكي، لما كانت الحكومة تحتكر التجارة الخارجية والأسواق الداخلية، وتغيب المنافسة وقانون العرض والطلب.

وقال لـ “أفريقيا برس”، بأن “تقسيم قطاع التجارة الى وزارتين، هو تبديد للمال العام واضفاء للمزيد من البيروقراطية في تسيير الشأن العام، فضلا على أنه خيار تجاوزه الزمن، لأن الاقتصادات المسيرة صارت نادرة في العالم، وأن حلول السوق يكمن في رفع يد الحكومة عن الاحتكار، وترك المبادرة للمنافسة ولقانون العرض والطلب”.

واللافت في حكومة محمد نذير العرباوي، الثانية هو غياب البعد السياسي، وابعاد الوجوه السياسية والحزبية، حيث واصل الرئيس تبون، خياره في انتقاء وزرائه من الفئة التكنوقراطية ومن المجتمع المدني، الأمر الذي غيب أحزاب الموالاة مرة أخرى، رغم دعمها له في الاستحقاق الرئاسي الأخير.

كما عمد الرجل منذ ولايته الرئاسية الأولى، الى التعامل مع الحكومة كفريق من الموظفين الخاضعين لما يعرف بحكومة الظل، وهم جمهور المقربين والمستشارين في قصر المرادية، الذين يعتبرون هم الوزراء الحقيقيون الذين يقررون، ووزراء الواجهة ينفذون، فضلا عن نمط العزل والتعيين الفردي دون انتظار أي تعديل ولو كان جزئيا، حيث تكررت تهمة “الخطأ الجسيم” في تبرير عزل عدد من الوزراء السابقين.

ومع ذلك حمل تعيين الرجل القوي داخل المؤسسة العسكرية، الجنرال سعيد شنقريحة، في منصب وزير منتدب لدى وزير الدفاع الوطني، حيازته على دور جديد داخل الأجهزة الرسمية المدنية، فيكون حاضرا في مجالس الحكومة والوزراء ويستمع ويقدم ويناقش مختلف التقارير، الأمر الذي يعتبر غطاء سياسيا سيُضاف إلى مهامه الأصلية كقائد ميداني لقوات الجيش.

وظل الجنرال سعيد شنقريحة، منذ تعيينه في منصبه خلفا للقائد السابق، الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، يوصف بـ “ظل الرئيس”، قياسا بحضوره الدائم والمستمر معه في مختلف الفعاليات والأنشطة، بما فيها الاستحقاقات السياسية والديبلوماسية، على غرار حضوره أشغال القمة العربية التي احتضنتها الجزائر العام 2022.

وكان الظهور الدائم لشنقريحة، مع رئيس الجمهورية، أعطى الانطباع أنه الرجل الثاني في الدولة، بينما التراتبية الدستورية تزيحه من سلم الشخصيات الأولى في البلاد، محل تأويل وانتقاد من طرف دوائر سياسية معارضة، ظلت تعتبر ذلك تعديا على الصلاحيات الدستورية.

وتقدم المؤسسة العسكرية في الجزائر على أنها الحاكم الفعلي في البلاد، وأن المؤسسات المدنية هي مجرد واجهة مدنية، فضلا على دور النخب العسكرية والضباط الكبار في صناعة رؤساء البلاد.

وظهر الجنرال سعيد شنقريحة، خلال السنوات الأخيرة، في ثوب رجل دولة ثان غير معلن، خاصة مع مشاركته للرئيس تبون بعض المسائل البروتوكولية والتصريحات السياسية، على غرار رسائل التهاني والتبريكات وتوجيه خطاب مجلة الجيش (لسان حال المؤسسة العسكرية) خارج رسالتها العملية الى دعم مسار السلطة السياسية في البلاد.

ولم يستبعد متابعون لمخارج التعديل الحكومي، أن يكون قائد أركان الجيش قد ضغط بطريقته من أجل تثبيت أركان المؤسسة في مختلف مفاصل الدولة بما فيها الحكومة، بغية الحفاظ على المكاسب التي حققتها المؤسسة في السنوات الأخيرة، حيث صارت متواجدة في مختلف المؤسسات بما فيها المدنية، كالوزارات والسفارات والمحافظات والمديريات.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here