التوتر في الساحل يُعيد الجنرال حسان إلى الاستخبارات

1
التوتر في الساحل يُعيد الجنرال حسان إلى الاستخبارات
التوتر في الساحل يُعيد الجنرال حسان إلى الاستخبارات

أفريقيا برس – الجزائر. قررت القيادة العسكرية الجزائرية، إعادة الجنرال عبدالقادر آيت أوعرابي، الى قيادة دائرة الأمن الداخلي، من دكة التقاعد، خلفا للجنرال عبدالقادر حداد، وهي الخطوة المفاجئة التي ترجمت نية دوائر القرار، في استغلال خبرة ورصيد الرجل الميداني والمهني في منطقة الساحل والصحراء، والاستفادة من معرفته بالنسيج الأمني والاجتماعي بالمنطقة، من أجل مواكبة التحولات التي تعيشها المنطقة في السنوات الأخيرة، خاصة وأنها تحولت الى مصدر قلق حقيقي للجزائر، لاسيما في ظل دخول فاعلين أقوياء على خط الأزمة.

تفاديا للسجال الذي أثير غداة الإعلان الرسمي عن تعيين الجنرال المتقاعد عبدالقادر آيت أوعرابي الملقب ب”الجنرال حسان”، على رأس مديرية الأمن الداخلي، خلفا للجنرال عبدالقادر حداد (ناصر الجن)، تداركت وزارة الدفاع الجزائرية الأمر، ببث صور قرار التعيين وتسليم واستلام المهام بين الرجلين بمقر المديرية، وتحت اشراف الوزير المنتدب للدفاع الوطني الجنرال سعيد شنقريحة، وبذلك يكون الرأي العام قد شاهد لأول مرة في التلفزيون الحكومي، صورة الضابط السامي المخضرم، الذي لا تحفظ له صورة في وسائل الاعلام أو في مخيلة الجزائريين المتابعين للشأن العسكري والأمني.

ويرى الخبير الأمني علي الزاوي، بأن “وزارة الدفاع، وجهت ردا صامتا للمتسائلين، عن خلفيات الإعلان الرسمي عن القرار بدون صور في بداية الأمر، والذي تلقفه بعض المتابعين بطرح إمكانية عودة جهاز الاستخبارات إلى تقاليد السرية والتكتم على ضباطه حتى بحجب صورهم عن الشارع الجزائري، بينما ذهب آخرون الى طرح فرضيات أخرى تتعلق بمشاكل نظامية أو انضباطية”.

وأضاف: “لكن الصور التي بثها التلفزيون الحكومي، ذهبت إلى تكريس خيار المؤسسة العسكرية، في إضفاء الشفافية على سيرورة عملها، وعلى بنيتها البشرية، من خلال اظهار ضباطها السامين في مختلف الدوائر، بزيهم العسكري وحتى بالبدلة المدنية، كما كان الشأن مع مدير الأمن الخارجي الجنرال رشدي موساوي، الذي ظهر في فعالية الأمن السيبراني في أفريقيا التي احتضنتها الجزائر منذ عدة أسابيع، وتلاه ظهور مدير الأمن الداخلي الذي لا يحفظ له الجزائريون ولا حتى الاعلام المحلي، صورة شخصية”.

إرساء الشفافية في المؤسسة العسكرية

وحمل قرار عودة الجنرال المتقاعد عبدالقادر آيت أوعرابي، الى أبرز منصب في جهاز الاستخبارات، العديد من الدلالات والرسائل الداخلية والخارجية، فهو ضابط سام مخضرم، ظل يشكل الذراع اليمنى لمدير المخابرات السابق الجنرال محمد مدين (توفيق)، فهو علاوة على صلة القرابة التي يرددها المتابعون، يعد أحد رجالات الثقة الذين عول عليهم الرجل في عمل الجهاز منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي الى غاية حل الطبعة الماضية للجهاز، واحالة مسؤوليه الكبار على التقاعد في 2015.

واشتهر جهاز الاستخبارات الجزائرية، في العقود الأخيرة، بـ “صانع الرؤساء”، في إشارة الى دوره الحاسم في بلورة القرارات السيادية وحتى تحديد هوية الرئيس المدني الذي يحكم البلاد، ووصفه الإعلامي المخضرم سعد بوعقبة، بـ “أصحاب الحق الإلهي”، كناية عن عقيدته في اكتساب شرعية إدارة الشأن العام من خلف الستار.

لكن قدوم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، الى سدة الحكم في 1999، كانت في بداية الأمر بالتوافق مع النخبة العسكرية والاستخباراتية النافذة، غير أن طموح الرجل ونرجسيته في ممارسة صلاحياته وأكثر كرئيس للدولة، جعله يدخل منذ العام 2004، في معركة سحب البساط تدريجيا من تحت النخبة العسكرية، وكان ذكيا في إدارة الصراع بتلافي المواجهة المباشرة، واعتماد أسلوب التحالفات الظرفية، فتحالف مع مدير الاستخبارات الجنرال توفيق، للإطاحة بقائد الأركان محمد العماري في 2004، واستعان بقائد الأركان الذي خلفه الجنرال أحمد قايد صالح، للإطاحة بالجنرال توفيق.

صراع الرئاسة وجهاز الاستخبارات أضر بمصالح الدولة

وكانت الولاية الرئاسية الثالثة (2009)، إيذانا بارتفاع صوت المواجهة بين جناح الرئاسة وجناح الاستخبارات في اطار لعبة التوازنات والنفوذ داخل السلطة، وجاءت حادثة “تيغنتورين” العام 2013، التي أدارها جهاز الاستخبارات، وأوعز الرجل الأول في الجهاز حينها (الجنرال توفيق)، الى مدير مصلحة مكافحة الإرهاب (الجنرال حسان)، بالتدخل العسكري، لانهاء عملية الاختطاف، رغم أن توصيات أمريكية وفرنسية وبريطانية، كانت تلح على الرئيس بوتفليقة، بتفادي سيناريو التدخل العسكري، حفاظا على أرواح الرعايا الأجانب العاملين في المحطة الغازية “تيغنتورين”، بالقرب من الحدود الليبية.

وشكلت الحادثة، منعرجا حاسما في مسار الصراع بين الرئاسة وجهاز الاستخبارات، فالعملية التي نفذها تنظيم “الموقعون بالدم” المقرب من القاعدة، ويقوده مختار بلمختار (بلعور)، كانت محاولة لاختراق المحطة الغازية المهمة في انتاج الغاز الجزائري، واختطاف العاملين بها من جزائريين وأجانب تابعين لشركات متعددة الجنسيات، من أجل ارغام السلطة الجزائرية على الدخول في مفاوضات معهم لاطلاق سراح عدد من قيادات التنظيمات الجهادية المسجونة، على غرار الأمير عبد الرزاق صايفي (البارا).

وكانت كل الخيارات آنذاك مطروحة، بما فيها التفاوض مع التنظيم المسلح، خاصة وأن عواصم غربية وأمريكية كانت تلح على ضرورة تفادي التدخل العسكري، حفاظا على سلامة الرعايا الأجانب، بعدما أطلق الخاطفون الرعايا الجزائريين، غير أن قيادة جهاز الاستخبارات آنذاك فاجأت الجميع، بما فيها رئاسة الجمهورية وقيادة أركان الجيش التي لم تكن على ود معها، وأعطيت التعليمات لمدير مصلحة التدخل ومكافحة الإرهاب بقيادة الجنرال حسان، لتنفيذ الهجوم الذي قضى على الخاطفين والمخطوفين جميعا، منهم 37 رعية أجنبية من جنسيات مختلفة، ولم يسلم إلا أربعة عناصر من التنظيم المسلح، الذين جرى توقيفهم الى غاية الآن، وكان مبرمج احالتهم على المحاكمة هذا الأسبوع، قبل أن يتم تأجيلها الى وقت لاحق.

من السجن ثم التقاعد الى مديرية الأمن الداخلي

العملية أثارت لغطا كبيرا في واشنطن وعدة عواصم غربية، ووجد الرئيس بوتفليقة، فيها ذريعة لاتخاذ خطوات جريئة تجاه جهاز الاستخبارات، بدعم من قائد أركان الجيش آنذاك، الجنرال أحمد قايد صالح، فقرر الإطاحة بالجنرال حسان، ومباشرة محيطه المقرب في تصفية الجهاز، بينما كان هو يرقد في مشفى فال دوغراس الفرنسي، للعلاج من جلطة دماغية ألمت به العام 2013.

وبتهمة مخالفة الأوامر العسكرية، واتلاف وثائق سرية، وتشكيل مجموعات مسلحة، وامتلاك سلاح خارج منظومة المؤسسة، وجد الجنرال حسان، نفسه وجها لوجه مع القضاء العسكري العام 2015، الذي حكم عليه بخمس سنوات سجن نافذة.

ويرى متابعون للشأن الجزائري، بأن الاهتزازات التي عاشها جهاز الاستخبارات في السنوات الماضية، في اطار صراع الرئاسة والجهاز، وغياب الانسجام والتواصل السلس بين الطبعة المنحلة والطبعة المستحدثة بداية من العام 2015، هو الذي كلف الدولة فراغا كبيرا في مناطق العمق الحيوي، على غرار الساحل الأفريقي، ومنطقة الجوار.

ويذكر الخبير الأمني علي الزاوي، لـ “أفريقيا برس”، بأن التفريط الاستراتيجي في المحيط من طرف القيادة السياسية، حيث تركز اهتمامها على تصويب أنظارها على وجهات أخرى، فضلا عن تراجع جهود شبكات الجهاز الاستخباراتي نحو التجاذبات الداخلية، وتركها فراغا في مجالها التقليدي، سمح بتغييب البلاد عن تحولات متسارعة في المنطقة”.

وأضاف: “التجاذبات التي طرأت على جهاز الاستخبارات والقيادة العسكرية والرئاسة خلال العقد الأخير، أثر كثيرا على فقدان خيوط تحرك الوضع الأمني والاجتماعي وحتى السياسي في عموم المنطقة، ولذلك باتت المؤسسات الرسمية في الجهاز الديبلوماسي، مقطوعة عن الواقع والمعلومات الميدانية التي كان يؤمنها الجهاز الاستعلاماتي”.

“تيغنتورين” سرعت سقوط رموز الجهاز

وقال الإعلامي فريد عليلات، في مجلة “لوبوان” الفرنسية، بأن “الجنرال حسان، يعتبر أسطورة حية، ومغامرا، جريئا، ولكنه عقلاني. بدأ مسيرته في سلاح البحرية في الستينيات، وتخرج من مدارس عسكرية مرموقة، وعمل في مديرية أمن الجيش، قبل أن ينضم إلى الحرب ضد الإرهاب في 1992. وأنه في ذروة العشرية الدموية 1990- 2000، كان قريبا من رجاله، وشارك في الميدان، حتى أنه أصيب بجروح في حاجز مزيف نصبه إرهابيون في منطقة البليدة، (50 كلم جنوبي العاصمة) وفي عام 1993، كُلّف بمهام خارجية في الساحل، التشاد، والسنغال، مما جعله خبيرا معترفا به في قضايا الأمن في منطقة الساحل والصحراء. وأصيب بجروح خطيرة أثناء مهمة في أنغولا، ونال تهنئة الأمين العام للأمم المتحدة لشجاعته”.

وأضاف: “في 1999، عاد إلى الجزائر والتحق مجددا بمكافحة الإرهاب. بفضل خبرته في الاستخبارات والاختراق، ساهم في إحباط عدة عمليات إرهابية داخل الجزائر وخارجها، نال عنها إعجاب شركاء فرنسيين وأمريكيين. ويقال إنه الضابط الأكثر تتويجا في الجيش الجزائري، لكن الضربة الكبرى في مسيرته، والتي أدت لاحقاً إلى سجنه، كانت حادثة تيغنتورين العام 2013”.

وتابع: “بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا العام 2011، كلفه قائد الجهاز (الجنرال توفيق)، بمهمة سرية لاستعادة أسلحة، بينها صواريخ مضادة للطيران بعد سقوط نظام القذافي في ليبيا، كانت ستصل إلى جماعة إرهابية بقيادة الجزائري مختار بلمختار. فاخترق رجاله الجماعة، وشاركوا في الصفقة، ورفعوا السعر، واشتروا الأسلحة، ثم قضوا على المجموعة واستعادوا المال، في عملية استخباراتية بامتياز”.

هذه السيرة والمواصفات جعلت الجنرال حسان، من الكفاءات البشرية النادرة في الجهاز الاستخباراتي، لاسيما وأن سنوات الخدمة والخبرة المتراكمة في منطقة الساحل والصحراء، وقدرته على اختراق النسيج الأمني والاجتماعي وحتى السياسي في المنطقة، أمَّن لمؤسسات الدولة قبل العام 2013، المعطيات الحقيقية، التي تكفل لها مراقبة وتوجيه التحولات المحلية في الاتجاه الذي تريد، ولذلك فان القيادة السياسية التي أربكتها تطورات منطقة الساحل والأزمة مع فرنسا، أرشدتها للاستعانة مجددا بالجنرال المخضرم من أجل ضبط الأوتار واستعادة المبادرة، بالاستفادة من خبرة ورصيد الرجل.

واذا كان الظاهر والرسمي هو شغل هرم مديرية الأمن الداخلي، فان الحقيقة هي خلق امتداد بين المنصب، وبين استغلال مكاسب الرجل في تحكمه بالملف الأمني لمنطقة الساحل والصحراء، وشبكاته في مختلف التنظيمات الأهلية والمسلحة، بما فيها الجهادية، خاصة في ظل دخول قوى إقليمية ودولية على خط تحريك الرمال بشكل معاكس لمصالح الجزائر.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here