الجزائر.. أرض الإعلان عن قيام دولة فلسطين

4
الجزائر.. أرض الإعلان عن قيام دولة فلسطين
الجزائر.. أرض الإعلان عن قيام دولة فلسطين

جلال بوعاتي

أفريقيا برس – الجزائر. كان احتضان الجزائر لمؤتمر المجلس الوطني الفلسطيني، رغم الضغوط التي مورست عليها داخليا وخارجيا، امتدادا لنهجها الثابت في دعم حركات التحرر، خصوصا فلسطين التي تعتبرها “قضية مركزية”، فضلا عن ترسيخ صورة الجزائر كبلد لا يساوم على المبادئ حتى في أحلك الفترات.

في 15 نوفمبر 1988، شهد قصر الأمم بنادي الصنوبر بالعاصمة الجزائر لحظة فارقة في التاريخ العربي والدولي، حين أعلن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، في ختام أعمال المجلس الوطني الفلسطيني في دورته 19. كان ذلك الإعلان ثمرة نضال طويل وتضحيات جسام ومعلما بارزا أعاد القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام الدولي.

لم يكن اختيار الجزائر صدفة، بل تعبير عن عمق العلاقة بين الشعبين الجزائري والفلسطيني. فالجزائر التي نالت استقلالها بعد ثورة دامت قرابة ثماني سنوات عرفت معنى التحرر وقيمة التضامن وكانت أول دولة عربية تمنح منظمة التحرير الفلسطينية اعترافا كاملا ومقعدا في القمم العربية، لذلك تحولت أرض الشهداء الجزائر إلى مسرح لإعلان الدولة الفلسطينية، في مشهد حمل رمزية كبيرة قرأها العرب والعالم أن أرض الشهداء تحتضن إعلان حق شعب شقيق في الاستقلال.

لقد جاء إعلان الاستقلال الفلسطيني في لحظة سياسية دقيقة، بعد اندلاع الانتفاضة الأولى في ديسمبر 1987، انتفاضة أطفال الحجارة التي أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة وأحرجت الاحتلال أمام الرأي العام العالمي. وبمجرد تلاوة إعلان الاستقلال، سارعت أكثر من مائة دولة إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، من بينها دول عربية وإسلامية وإفريقية وآسيوية، ما عزز حضور فلسطين على الساحة الدولية.

ورغم أن الإعلان لم يترجم إلى قيام دولة فلسطين على الأرض بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي وتعقيدات المشهد الدولي، إلا أنه شكل منعطفا في مسار النضال الفلسطيني. فقد مكن القيادة الفلسطينية من دخول مسار سياسي جديد وفتح الباب أمام مشاركة فلسطين في المنتديات الدولية بصفة دولة ولو بصفة مراقب. كما أن الإعلان رسخ الذاكرة الجماعية العربية بقناعة أن خيار الدولة المستقلة غير قابل للمساومة.

وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على ذلك الحدث، لا تزال صور إعلان الاستقلال في الجزائر محفورة في ذاكرة الفلسطينيين والجزائريين على حد سواء. لقد أراد الراحل ياسر عرفات أن يربط ميلاد فلسطين الحديثة بأرض الجزائر الثائرة، لتبقى العلاقة بين البلدين عنوانا للتضامن والتآزر في وجه الاحتلال والهيمنة.

اليوم، وعلى بعد شهر ونصف الشهر، تعود الذكرى متزامنة مع موجة اعترافات دولية غير مسبوقة، بعد عامين من النضال الجزائري باسم ثلة من الدول العربية والإسلامية (وليس كلها) داخل مجلس الأمن وفي المحافل العربية والإسلامية والإفريقية، وبفضل صمود ومقاومة سكان قطاع غزة الأشاوس، لتتجدد معها قناعة بأن الحلم الفلسطيني، رغم العثرات، لا يزال مشروعا، وأن الجزائر، في عهد الرئيس عبد المجيد تبون، ستظل وفية لموقفها التاريخي، فلسطين قضية مركزية لا تسقط بالتقادم.

قلم محمود درويش وصوت عرفات

ولمن يبحث عن التفاصيل، فإن الوثيقة التي أعلن من خلالها قيام دولة فلسطين صاغها الشاعر الكبير الراحل محمود درويش، الذي جمع في نصها بين قوة الكلمة الشعرية ورصانة الخطاب السياسي. جاء ذلك الإعلان مؤكدا أن فلسطين دولة عربية مستقلة على أرضها التاريخية، عاصمتها القدس الشريف، وأن الشعب الفلسطيني متمسك بحقه في تقرير المصير والحرية. وتلا البيان الرئيس ياسر عرفات أمام الحاضرين، مختزلا عقودا من النضال في لحظة تاريخية واحدة.

كما حضر الإعلان ممثلو مختلف الفصائل الفلسطينية المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية، في مشهد وحدوي نادر حقق إجماع القوى الوطنية، ومن بين أبرز الحاضرين خليل الوزير (أبو جهاد)، أحد قادة الكفاح المسلح، وصلاح خلف (أبو إياد)، وقيادات من حركة “فتح” والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية والعديد من الشخصيات المستقلة، حيث أضفى هذا الحضور المميز على الإعلان شرعية وطنية واسعة، جعلته لحظة إجماع فلسطيني قل مثيلها.

ومما ساهم في إنجاح المؤتمر والإعلان، تزامنه مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987)، وهو ما أكسبه زخما شعبيا ودوليا، حيث سارعت أكثر من 100 دولة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، فاتحة أمام منظمة التحرير باب المشاركة في المنتديات الدولية بصفة دولة، حتى وإن بقي الاحتلال جاثما على الأرض.

يقول أحد السياسيين الجزائريين ممن عايشوا ذلك الحدث التاريخي البارز إن اختيار الجزائر لاحتضان هذا الإعلان لم يكن اعتباطيا، لأن الجزائر التي نالت استقلالها بعد ثورة عظيمة وكفاح مسلح نادر رأت في القضية الفلسطينية امتدادا لنضالها وكانت من أوائل الدول التي منحت منظمة التحرير الاعتراف والدعم الكاملين. وبإعلان قيام فلسطين من أرضها أرادت الجزائر أن تقول للعالم إن فلسطين ليست وحدها وإن استقلالها حق مشروع لا يسقط بالتقادم.

مزيد من الاعترافات

وازداد في السنوات القليلة الماضية عدد الدول التي تعترِف رسميا بدولة فلسطين، في خطوة تعبر عن تحول مهم في الموقف الدولي، خاصة من دول غربية كبرى (بريطانيا، إسبانيا، البرتغال)، مما يضيف زخما جديدا لمسار القضية الفلسطينية بعد إعلانها الأول عام 1988، معتبرين الاعتراف خطوة لتحقيق السلام والعدالة التاريخية وضرورة أخلاقية وسياسية.

ولهذه الاعترافات، وما سبقها على مدى 37 سنة، دلالات نوجزها في أن الاعتراف الدولي بفلسطين هو تغيير مهم في المشهد الدولي، خصوصا أنها كانت لسنوات مترددة أو تربط الاعتراف بشروط دبلوماسية.. إضافة إلى أن هذه الاعترافات جاءت على خلفية تصاعد الأزمات الإنسانية في قطاع غزة وصمود مقاومة سكانها وضغوط داخلية من مجتمعات تطالب بحماية حقوق الإنسان، وكذلك تغير في المزاج السياسي لبعض الحكومات نحو مواقف أكثر تحفظا على حقوق الفلسطينيين، زادت من عزلة الكيان الإسرائيلي وقياداته الذين صاروا مطاردين في العالم.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here