أفريقيا برس – الجزائر. أطلق الوزير المنتدب للدفاع الجزائري، الجنرال سعيد شنقريحة، رسائل طمأنة لحكومات وشعوب منطقة الساحل، حول نوايا بلاده في إرساء مقاربة شاملة لاحلال الأمن والسلم والسيادة والوحدة التراتبية لدول المنطقة، وتقوم على التعاون الشامل اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، بعيدا عن النزوات المصلحية ولعبة النفوذ التي تحرك لاعبين اقليميين ودوليين للهيمنة على المقدرات والثروات المحلية، وهي رسائل واضحة لمحيط الجزائر والعواصم التي تعمل على التشويش وتقويض الدور الجزائري التقليدي والطبيعي في الساحل.
استغل الرجل الأول في الجيش الجزائري، الجنرال سعيد شنقريحة، فرصة تنظيم وزارة الدفاع لملتقى وطني حول التحديات الأمنية والتنموية في منطقة الساحل، للتأكيد على نوايا بلاده في إيلاء المنطقة الأهمية الكبرى، عبر مقاربة شاملة تقوم على التعاون في جميع المجالات الأمنية والتنموية والاجتماعية، وهي رسالة تستهدف رفع اللبس الذي اعترى الموقف الجزائري، بعد الحركات الانقلابية التي هيمنت على المنطقة منذ العام 2020.
ويبدو أن الجزائر، تريد على لسان قائد أركان الجيش، التأكيد على أن محاولات التشويش على صورتها وعقيدتها التاريخية تجاه محيطها الافريقي، لن تحيدها عن مبدأ التعاون والتكامل الإقليمي مع دول المنطقة، وهو ما ألمح له الجنرال سعيد شنقريحة، في كلمته الافتتاحية، التي ضمنها ثبات موقفها الراسخ، رغم حملات التحريض والتأليب التي تشنها النخب الحاكمة والأذرع الموالية لها، بالنيابة عن القوى المتغلغلة.
وجاء الملتقى الذي نظمته وزارة الدفاع، وحضره نخبة من الخبراء والمختصين، في سياق يتميز بالبعد الجيوسياسي المتحرك، وبتوتر متفاقم مع حكومات المنطقة، ليعبر عن النوايا الجزائرية في تطبيع الوضع بالمنطقة، لكن النخب العسكرية الحاكمة، لا تستبعد أن تستغل المناسبة في تأجيج اللهجة المناهضة للدور الجزائري والتنديد بما باتت تصفه بـ “خطاب الوصاية”.
وقال سعيد شنقريحة: “ستظل الجزائر رغم محاولات التشويش على دورها المحوري في المنطقة، رقما فاعلا في الأمن والسلام في الساحل وستواصل، في ظل الرؤية الاستراتيجية الحكيمة والمتبصرة لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بذل كل ما في وسعها، لإرساء أسس الحوار، وبعث مقاربات إقليمية بناءة، من أجل تكريس الأمن والاستقرار في المنطقة”.
وأضاف: إن “الدور النشط الذي اضطلعت به الجزائر في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الساحل، من خلال تكريس مبدأ التضامن مع شعوب تربطها مع الجزائر علاقات تاريخية وحضارية متميزة، وأنه يتم تقديم المساعدات الإنسانية، وتمويل مشاريع التنمية المهيكلة ذات البعد الإقليمي، بغرض تشجيع سكان المنطقة على العيش بكرامة وأمل في أوطانهم، وإحباط مشاريع صناعة عدم الاستقرار في المنطقة”.
ويرى الخبير الأمني علي الزاوي بأن “تلميحات الوزير المنتدب للدفاع الجزائري، الى مساعي الإيقاع والتأليب بين الجزائر وبين شعوب المنطقة، كانت جلية، وربما هو صلب الموضوع للرد على خطط تمونها وتمولها قوى إقليمية متغلغلة في المنطقة، من خلال تعبئة وسائل اعلام محلية وشبكات الكترونية، والذي تناولته تقارير جزائرية اتهمت الأنظمة الامارتية والمغربية بالوقوف وراء استعداء شعوب افريقية للجزائر، بدعوى الهيمنة والوصاية وتنفيذ السياسة الاستعمارية الفرنسية”.
وقال، لـ “أفريقيا برس”، بأن: “الملتقى عبر عن الرغبة الجزائرية في فتح صفحة جديدة مع دول المنطقة، لاسيما في ظل سيرها نحو إرساء تحالف إقليمي تدعمه قوى إقليمية ودولية، على غرار روسيا وتركيا والامارات العربية المتحدة، وبدرجة أقل المملكة المغربية، عبر حزمة من التدابير ومشاريع التعاون العسكري والأمني والاقتصادي والتنموي، وهو ما يتنافى مع الحتميات التي تمليها الطبيعة الجغرافية والاستراتجية لدى الطرفين، فمهما كانت البدائل الممكنة، الا أنها لا تلغي كون كل طرف هو بوابة للآخر في وجهتي الشمال أو الجنوب”.
وأكد الوزير المنتدب للدفاع الجزائري، على التزام بلاده، بمبادئها الثابتة القائمة على حسن الجوار واحترام سيادة الدول ووحدتها، وتفضيلها للمقاربات السلمية المبنية على الحوار في حل الأزمات.
وشدد، على أن “الجزائر حريصة دوما على تقديم يد المساعدة لبلدان الجوار من خلال برامج تعاون عسكري متعددة الأشكال لاسيما في إطار لجنة الأركان العملياتية المشتركة”.
وكانت الحكومة المالية، قد أعلنت انسحابها الفوري، من لجنة الأركان العملياتية لمحاربة الإرهاب في المنطقة، في أعقاب حادثة الطائرة المسيرة الشهر الماضي، كما أعلنت حكومة النيجر قبل ذلك انهاء العمل باتفاقية مراقبة الهجرة السرية، وهما خطوتان اعتبرتهما الجزائر تملصا للطرفين من مسؤولية المحافظة على الأمن في المنطقة، ودعما غير مباشر لفوضى حركة الأشخاص، التي فاقمت ظاهرة الحراقة من مختلف الجنسيات الافريقية.
كما لم تتوان في اتهام الجزائر، برعاية الإرهاب الدولي، في إشارة لايواء المدنيين والنازحين الماليين خاصة الأزواديين الفارين من ملاحقات الجيش المالي، المدعوم بمجموعة “فاغنر” الروسية والمسيرات التركية، خاصة بعد سقوط مدن الشمال المالي التي تعتبر مواطنهم الأصلية.
لكن في المقابل تتمسك الجزائر، بكون السكان الأزواديين جزءا من النسيج السياسي والاجتماعي في المنطقة، خاصة بالنسبة لدولة مالي، وتعتبر الحل المثالي للأزمة يكمن في اعتماد المقاربة السياسية والحوار، بين الفصائل الأزوادية وحكومة باماكو، وفق مخرجات اتفاق المصالحة الوطنية المبرم العام 2015 برعاية أممية.
وعبرت في أكثر من محفل إقليمي ودولي، عن رفضها توصيف تقديم المساعدة الإنسانية للأزواديين في منطقة الشمال، برعاية أو دعم للارهاب، حسب مزاعم مسؤولين ماليين يصرون على ملاحقة هؤلاء بذريعة الحرب على الإرهاب، ويعتبرون الفصائل المعارضة تنظيمات مسلحة تهدد أمن واستقرار ووحدة البلاد، ولا يجدون في ذلك حرجا، حتى ولو امتد الأمر لتهديد لبلد مجاور، خاصة بعد وصول المواجهات بين الطرفين الى المسافة صفر على الحدود المشتركة بين البلدين.
وأكد قائد الجيش الجزائري، على التزام بلاده بمبادئ سياستها الخارجية الثابتة، على غرار الاحترام المتبادل وحسن الجوار ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام سيادتها الوطنية ووحدتها الترابية، وعلى أنها بذلت ولا تزال تبذل جهودا حثيثة، من خلال مساعيها الدبلوماسية، لاستعادة الاستقرار السياسي والأمني في منطقة الساحل، من خلال تفضيل الحلول السلمية للأزمات، ورفض منطق السلاح وتشجيع أسلوب الحوار والمفاوضات.
ولفت الى أن الجزائر، “كانت ولا تزال عنصر أمن واستقرار في المنطقة، من خلال حرصها على تعزيز إمكانات الدفاع لشركائها وجيرانها في الساحل، في إطار برامج التعاون العسكري الثنائية والتكوين لفائدة القوات المسلحة لبلدان المنطقة، وكذا مرافقتها في مجال مكافحة الإرهاب، من خلال لجنة الأركان العملياتية المشتركة، في إطار مبدأ التكفل الذاتي لكل بلد بتحدياته الأمنية، واحترام تام لسيادة الدول”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس