الجزائر ومدريد؛ قطيعة تنتظر الانتخابات الإسبانية

11
الجزائر ومدريد؛ قطيعة تنتظر الانتخابات الإسبانية
الجزائر ومدريد؛ قطيعة تنتظر الانتخابات الإسبانية

أفريقيا برس – الجزائر. تجمدت الأزمة بين الجزائر وإسبانيا على مدار الأشهر العشرة الماضية، منذ تغير موقف مدريد من قضية الصحراء وإعلانها دعم مقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب. ولم تُعد الجزائر سفيرها إلى مدريد سعيد موسي الذي تمّ استدعاؤه للتشاور منذ مارس/آذار الماضي، بل عيّنت موسي سفيراً في باريس، كما انقطعت الزيارات السياسية بين البلدين، وبقيت الاتصالات عند الحد الأدنى.

ويؤكد ذلك وجود تحول كبير في تعاطي الجزائر مع قضايا حيوية بالنسبة إلى أمنها القومي، وانتظارها إلى غاية حدوث تغيير داخلي في إسبانيا في الانتخابات المقبلة (الانتخابات التشريعية في إسبانيا مقررة في ديسمبر/كانون الأول 2023).

وكان واضحاً منذ إعلان الجزائر إعادة تعيين سفيرها المستدعى من مدريد للتشاور، كسفير في باريس، نهاية يوليو/تموز الماضي، أن الجزائر بصدد نقل الأزمة مع إسبانيا من طور إلى آخر، والانتقال بمنصب سفير الجزائر في مدريد، من وضع الاستدعاء للتشاور، إلى حالة شغور كامل.

ويعني ذلك إغلاق قناة الاتصال الدبلوماسية من الجانب الجزائري على الأقل، إلى غاية تعيين سفير جديد لا يبدو أنه سيتم قبل رحيل حكومة بيدرو سانشيز، أو حصول ما يفيد بتغير أو تراجع في الموقف الإسباني من قضية الصحراء.

قضية الصحراء تفجر أطول أزمة بين الجزائر والمغرب

وعلى الرغم من أن السبب المركزي للأزمة السياسية بين الجزائر وإسبانيا، لا يخص العلاقات المباشرة والقضايا الثنائية بشكل مباشر، ويتعلق بقضية النزاع في منطقة الصحراء، فإن هذه المسألة كانت كافية لأن تشهد العلاقات بين البلدين أطول أزمة على مدار العقود الستة الماضية.

فحتى نهاية العام الحالي، لم تبرز أي مؤشرات إلى إمكانية وجود مخارج لهذه الأزمة التي انعكست بشكل خاص على إسبانيا، إذ أضعفت موقفها الاقتصادي في الجزائر، وخسرت شركات إسبانية عدة السوق الجزائرية بسبب التعقيدات التي أعقبت الأزمة.

أضف إلى ذلك أن الأزمة عزّزت أكثر توجه الجزائر نحو الارتكاز على إيطاليا كشريك مركزي في الضفة الشمالية للمتوسط، على حساب مدريد التي فرضت عليها الجزائر مراجعة قسرية لأسعار الغاز المباع إليها.

وجمود العلاقات منذ تغير الموقف الإسباني وسحب الجزائر سفيرها للتشاور، طيلة هذه الفترة، يؤكد حقيقة وجود متغير سياسي على مستويين: وجود تصلب كبير لدى صانع القرار في الجزائر إزاء القضايا الحيوية والتي تهم الأمن القومي الجزائري من جهة، وتغير مقومات الموقف الجزائري ونقاط ارتكازه التي باتت تستغل بشكل جيد المناورة السياسية وتحديد طبيعة الشراكات، من جهة أخرى.

ويأتي ذلك إضافة إلى إثبات الجزائر في الوقت ذاته أنها بلد جدير بالثقة ويتعامل بمسؤولية كبيرة على مستوى قضايا الطاقة والتموين بالغاز، بحيث لا يتم الخلط بين القضايا السياسية والشراكات الاقتصادية ذات الطابع الإلزامي. وهو ما كان الرئيس عبد المجيد تبون قد أشار إليه بوضوح خلال افتتاحه معرض الإنتاج الوطني قبل أسبوعين، خلال حديثه عن مسألة تموين أوروبا بالغاز، إذ أكد أنه “ليس هناك خلط، ولا دخل للسياسة في ملف الطاقة”.

اللافت أيضاً أن محاولات مدريد استرضاء الجزائر في قضايا أخرى، على غرار إبداء تعاون كبير مع السلطات الجزائرية في ملف ملاحقة الأموال المنهوبة وتحديد ممتلكات وعقارات تعود إلى رجال أعمال جزائريين اقتنوها من عائدات الفساد ونهب المال العام، واسترجاعها لصالح الجزائر، وكذا تسليمها ثلاثة مطلوبين للقضاء بينهم عسكريان، لم تغير شيئاً في طبيعة الأزمة، إذ أصرت الجزائر على الفصل بين هذه المسارات القضائية، وبين المسار السياسي.

الجزائر تنتظر رحيل سانشيز

ويعتقد العضو في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الجزائري، عبد السلام باشاغا، أن “الجزائر تبدي تمسكاً بموقفها بانتظار الانتخابات التشريعية المقبلة في إسبانيا، على أمل أن تسقط حكومة سانشيز، وتعويضها بحكومة ائتلافية جديدة تعيد تقدير الموقف والعلاقات مع الجزائر لما كانت عليه قبل مارس 2022، خصوصاً أن حكومة بيدرو سانشيز تعرضت لانتقادات حادة من قبل المعارضة بسبب الأزمة مع الجزائر”.

ويشير باشاغا في هذا السياق إلى أن فريقاً من السياسيين من أحزاب إسبانية معارضة، كان قد زار الجزائر نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي، لبحث الأزمة بين البلدين، وأكد حينها للجانب الجزائري الالتزام بحق الشعب الصحراوي وعزمه إسقاط حكومة سانشيز في الانتخابات المقبلة.

ما يعزز هذا الطرح عدم تفاعل الجزائر بشكل إيجابي مع رسالة سياسية كان وجهها في أغسطس/آب الماضي، رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، أعرب فيها عن رغبته في زيارة الجزائر، لمناقشة الأزمة السياسية والدبلوماسية الحادة.

ولم تُبد الجزائر أي ترحيب بهذا الإعلان، وتجاهلته تماماً، ما فهمه الطرف الإسباني بأنه رفض جزائري للتعامل معه في الوقت الحالي. ونشرت وكالة الأنباء الرسمية الجزائرية حينها، موقفاً، في شكل تقرير، نفت فيه حصول أي تغيير في موقف الجزائر من الأزمة السياسية والدبلوماسية مع إسبانيا، أو تراجع بشأن تجميد اتفاقية الصداقة والعلاقات التجارية بين البلدين والذي كان تقرر في الثامن من يونيو/حزيران الماضي، ووصفت تجميد الاتفاقية بأنه “قرار سيادي”.

ويتوقع الكاتب والإعلامي الإسباني ريكاردو غونزاليس، أن تستمر الأزمة مع الجزائر عاماً آخر. ويقول أن “2023 ستكون سنة انتخابية، هناك انتخابات بلدية ومحلية وبرلمانية، والحملة الانتخابية ستكون على مدار السنة، وسانشيز يتطلع إلى الفوز لأنه سيتولى في يوليو المقبل رئاسة المجلس الأوروبي لرؤساء الحكومات، وهو يتمنى أن يعزز هذا المنصب موقفه في إسبانيا”، لذلك يتوقع أن تستمر الأزمة مع الجزائر خلال العام المقبل، لغاية ما بعد الانتخابات.

ويشير غونزاليس إلى أن “الكثير من الخبراء الإسبان ليست لديهم تفسيرات ومبررات عن دوافع الموقف الذي اتخذه سانشيز وأغضب الجزائر”. ويوضح أن “هناك ارتباكاً وعدم فهم لذلك، كما أن التوقيت لم يكن مناسباً تماماً في ظل أزمة الطاقة”.

لكن الكاتب الإسباني يعرب عن اعتقاده أيضاً بأن سانشيز “قام بخطوة استباقية بقراره المتوافق مع الرباط لمنع الهجرة غير النظامية من المغرب، لأن هذا الموضوع هو أكثر الملفات الحسّاسة التي قد تسقطه وتستغلها المعارضة ضده في الانتخابات”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here