الحرب النفسية.. درس ثورة الجزائر الذي طبقته المقاومة في غزة

3
الحرب النفسية.. درس ثورة الجزائر الذي طبقته المقاومة في غزة
الحرب النفسية.. درس ثورة الجزائر الذي طبقته المقاومة في غزة

أفريقيا برس – الجزائر. تعتبر الحرب النفسية أخطر أنواع الحروب، حيث تسعى إلى تدمير المعنويات والإرادة القتالية عند أفراد العدو، من أجل توليد استعدادات الفشل وتقبل الهزيمة، ولعل ما حدث مع طوفان الأقصى، رغم الفارق الكبير في القوة العسكرية والمادية والدبلوماسية، لصالح الكيان الصهيوني، إلا أن التضامن الشعبي وحرب وسائط التواصل الاجتماعي، واستغلال التكنولوجية لكشف الكثير من الجوانب المشرقة للمقاومة الفلسطينية، وما يحدث للمدنيين في قطاع غزة، شكل حربا نفسية حقيقية ضد الصهاينة.

وتسببت الفيديوهات الميدانية التي نشرتها المقاومة للإجهاز على الدبابات من مسافة الصفر وقنص الجنود والمعاملة الجيدة للأسرى والبطولة الميدانية للمجاهدين حرب نفسية أدت إلى فرار الجنود الصهاينة من أرض المعركة وهو ما تسبب في أزمة داخل إسرائيل..

وتفوقت الثورة الجزائرية على الاستعمار الفرنسي في الحرب النفسية الاستراتيجية والتعزيزية، فنجحت في أن تفرض مسار الحرية والاستقلال، ونتيجة لقوة هذا الانتصار وصل بريق ثورة نوفمبر، إلى مختلف أنحاء العالم، إلى دول عربية، وإفريقية وأمريكة اللاتينية، وهذا ما كان لطوفان الأقصى الذي استمد مرجعيته من ثورة الجزائر.

وفي هذا السياق، قال الدكتور بن حليمة أستاذ مختص في علم النفس، إن الجرائم البشعة التي ارتكبها الكيان الصهيوني في حق المدنيين بقطاع غزة، والتي كانت على مدار أكثر من 50 يوما منذ بدء العدوان بتاريخ 7 أكتوبر الماضي، تركت معنويات نفسية مرتفعة عند الفلسطينيين، رغم المآسي والٱلام وفقدان الكثير من أبنائهم وأهاليهم.

ويرى بن حليمة، أن حجم الكارثة وعدد الموتى في غزة، قابله، إيمان ويقين قوي عند الفلسطينيين، بأن تحرير فلسطين، فوق كل ما يحدث لهم، حيث أصبحوا ينظرون إلى تحقيق هذا الهدف دون المبالاة للواقع الاجتماعي والحياتي وإلى عدد الشهداء، وهذا بحسب المتحدث، حالة نفسية تحدت الموت بروح مرتاحة ومطمئنة، وبشعور جميل يحمل معنويات مرتفعة إلى أمل جميل.

وقال محدثنا، إن هناك مقاومة لديها إيمان راسخ وقناعة غريبة ومتميزة بأن النصر لمحال ٱت، خاصة أنها مقاومة تركت ٱآثارها في الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية والحكومات المطبعة مع إسرائيل.

وأوضح الدكتور مسعود بن حليمة، أستاذ علم النفس بجامعة الجزائر، أن الحالة النفسية التي وصل إليها الفلسطينيون، جراء تحدي القصف العشوائي وتهديم البيوت والمستشفيات على رؤوسهم، ومعاناتهم من خلال رؤية الجثث والأشلاء البشرية، وتدهور الحياة اليومية بالعطش والجوع والبرد، وذلك طيلة 50 يوما منذ بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزة، جعلتهم شعبا لا يساوم، وأن مقاومتهم لا تساوم، بل هي التي تساوم.

وأكد أن هذه الحالة النفسية المتحدية إلى أبعد الحدود، هي من هزت نفوس أعظم الدول كأمريكا وإسرائيل، وحتى الدول المطبعة، وجعلت رؤسائها يخافون، ويتوجسون من شعوبهم، ويحسبون الحساب لمرحلة الانتخابات الرئاسية القادمة.

المقاومة أحيت في نفوس أطفال الجزائر الوازع الديني

وعن الأثر النفسي الذي تركته المقاومة عند الجزائريين، قال الدكتور بن حليمة، إن هؤلاء استرجعوا أوجاع أجدادهم ومعاناتهم مع الاستعمار الفرنسي، ويشعرون وكأن شريط التاريخ يعود أمام أعينهم، خاصة أن هناك تشابها كبيرا بين الثورة التحريرية في الفاتح نوفمبر 1954، وطوفان الأقصى الذي تفجر في 7 أكتوبر الماضي، من حيث البداية والتخطيط والتضحيات، مضيفا أن الوطنية عند الشباب الجزائري عادت بقوة، إلى درجة أنهم أصبحوا يرون في الوطن تلك القطعة من الأرض التي لا يمكن المساومة عليها.

ويرى أن الشعور العميق بالوطنية صحبه وازع أخلاقي وديني، وإيمان أن الثورات ضد الطغيان والاستعمار شجاعة، وتضحية، وأن من يحافظ على الوطن يحافظ على محيطه، وأن السلوكيات المتهورة لم تعد مجدية.

وخلال مرحلة العدوان على غزة، كانت الكثير من العائلات الجزائرية، بحسب بن حليمة، لا تأكل ولا تشرب وتنام نوما متقطعا، ما جعلهم يدخلون في “صراع داخلي”، بين الإنسان ورؤيته، بين الإنسان وحياته، بين الإنسان ويومياته وانشغالاته، واهتماماته، كمأساة ومؤشرات استرجاع نفسية وواقعية.

وقال إن مدة 50 يوما لقنت الجزائريين وخاصة الأطفال دروسا في الشجاعة والثبات والتمسك بالأهداف والمبادئ وعززت عندهم الوازع الديني، حيث إن درجة بشاعة وهمجية الجرائم الصهيونية، حركت مشاعر شعوب لم تكن تبالي بفلسطين وقضيتها.

وأشار ذات المتحدث، أن هناك نهضة داخلية في نفوس الشعوب العربية والإسلامية، وبداية استرجاع الثقة في نتائج المقاومة الفلسطينية، والشعور بأن فلسطين ستنتصر، وأن ليس هناك مستحيل، ولا يوجد طغيان لا يمكن تحديه.

.. ولبطولات الثورة الجزائرية شحذ نفسي للفلسطينيين

ومن جهته، قال نادر القيسي، ممثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إن طوفان الأقصى كشف لهم أن كل مقاومة وفي جهة من العالم مهما كان تعدادها وقوتها، تتوج بانتصارات خاصة إذا كان هناك تعلق شديد بالأرض والدفاع عن العرض، موضحا أن ما قام به الجزائريون في ثورة نوفمبر ضد الاستعمار الفرنسي، هو ما تقوم به المقاومة الفلسطينية، وهي ما زادت يقينا أنها ستحقق انتصارا تاريخيا، خاصة أن الكيان الصهيوني بدأ ينهار نفسيا.

وأكد أن استمرار النفير وحشد الجهود والطاقات لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومته سواء بالمال أم بالسلاح والمواقف أكيد سيكون نهاية ذلك بانتصار فلسطين واسترجاعها لأرضها.

وأوضح قائلا: “كلنا نعلم أن طوفان الأقصى يسير على خطى ثورة التحرير الجزائري، وأن المقاومة الفلسطينية تمكنت من خلال هذه الانتفاضة، من رفع صوتها للعالم، إن الأنظار كلها اتجهت إلى غزة، ولم تعد مناصرة القضية الفلسطينية تقتصر على العرب والمسلمين، هناك عرب وأوروبيون، وأسيويون، وأمريكيون، إلى جانب الهيئات الحقوقية، كلها تنصر القضية الفلسطينية اليوم”.

ويرى القيسي، أن أهمية المواقف الجزائرية تجاه القضية الفلسطينية، تتجسد في القناعة والحماسة للنصر، مشيرا إلى أن لثورة نوفمبر 1954 دور في الجانب النفسي والوجداني لدى الفلسطينيين، كما أن الجزائريين الذين ثاروا وخرجوا في مسيرات حاشدة لنصرة غزة، دفعا قويا ولو معنويا لاستمرار المقاومة في فلسطين.

وحول ذات الموضوع، قال الدكتور صالح الشقباوي، أستاذ محاضر في جامعة بودواو بالجزائر، إن الرئيس الراحل ياسر عرفات، كان يعتبر الجزائر قبلته وملجأه، فعندما لا يجد أين يذهب الفلسطنيين، ينصحهم بالجزائر، قائلا: “هناك قوم لا يظلمونكم”.

حتى عرفات كان يتعاطى الدعم النفسي من ثورة نوفمبر

وكشف صالح الشقباوي، عن الدور البسيكولوجي الذي كانت تلعبه ثورة التحرير الوطني عند الرئيس الراحل ياسر عرفات، فقال ” كان ياتي عرفات إلى الجزائر، وعندما تكون معنوياته منخفضة، يتعمد التجول في شارع ديدوش مراد بالعاصمة، ويروح يتأمل في تلك البنيات العالية التي تركتها فرنسا، وكيف شيدت بعناية تعكس أن الاستعمار لم يكن يتصور يوما أنه سيتركها وراءه”.

وكان بحسب الشقباوي، يردد عرفات في نفسه: “كيف لاستعمار يملك كل وسائل الحرب والقوة، يهزم ويترك هذه البنايات، وكأنه كان متأكد أن خروج مستحيل!”.

وأوضح الشقباوي، أن للدور النفسي أهمية في رفع معنويات المقاومين للاستعمار والظلم، فمثلما استيقظ الجزائريون في الفاتح نوفمبر 1954 على الثورة التحريرية، وقدم ألاف الشهداء، ثم انتصر، سيكون للمقاومة، بحسبه، انتصارا قريبا.

ويرى أن طوفان الأقصى فرض واقعا جديدا في مسار الصراع العربي الصهيوني، حيث كشفت المقاومة عن هشاشة العدو الصهيوني، وعن مرحلة جديدة ستتخذها القضية الفلسطينية التي كادت أن تنسى، ويطوى ملفه تماما.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here