الحروب التي تلد القطبية

5
الحروب التي تلد القطبية
الحروب التي تلد القطبية

عثمان لحياني

أفريقيا برس – الجزائر. دائماً كانت الحروب هي الممر الذي يتجلى بعده وضع العالم، وتتحدد معه أطراف القطبية التي تمسك بالزمام وتهندس القرار العالمي والتوازنات الدولية. من حظ أوروبا السيئ، أن هذه الحروب الحاسمة تجري في مناطقها بالأساس، لكنها ترمي بشررها على المناطق الأبعد.

الحرب العالمية الثانية فتحت الباب واسعاً أمام عالم من قطبين، استمرت بينهما الحرب الباردة، في مناطق عديدة بلغها شرر الصراع بين قطبي العالم، الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.

وعندما كان التاريخ السياسي يتمدد إلى لحظة انتهاء هذه الثنائية القطبية، كانت الحرب ممراً آخر إلى الأحادية القطبية، فكان الصراع الدامي والمجازر المرعبة في قلب أوروبا، بعد أن كان الأوروبيون يعتقدون أن أوروبا باتت عصية على الحروب، في يوغسلافيا السابقة، مدخلاً أخيراً إلى عالم من قطب واحد، هيمنت فيه الولايات المتحدة.

والحرب في أوكرانيا، وبغض النظر عن اختلاف التفاصيل والظروف التي وضعتها كخيار أخير للصدام بين الغرب وروسيا، هي أيضاً مدخل اضطراري لمرحلة أخرى من القطبيات في العالم، وتمظهر واضح لنهاية الأحادية القطبية، وعودة العالم إلى مرحلة قد تتعدد فيها الأقطاب هذه المرة، على الصعيد الاقتصادي على الأقل، في ظل بروز اقتصاديات صلبة كالصين والهند وغيرها، وترسم خطوط الخرائط الجديدة والتحالفات المستجدة.

بلا شك، إن هذه الحروب جميعها، كان شرها وشررها يصل إلى العالم العربي والإسلامي، وكما هي تداعيات الحرب القائمة في أوكرانيا، لم يسلم بلد عربي واحد من تأثيراتها السياسية والاقتصادية، بلد مثل الجزائر، الخارج للتو من مرحلة ارتباك سياسي وفوضى اقتصادية، وجد نفسه بسبب هذه الحرب ورهانات أطرافها على خرائط الطاقة والأمن في المستقبل، في قلب استقطاب حاد بين طرفي الصراع، موسكو وواشنطن.

صحيح أن الجزائر ليست من الصلابة الاقتصادية والقوة السياسية التي تجعلها طرفاً في منازلة دولية، وهي أقل بكثير في ظروفها الداخلية في الوقت الحالي، من أن تكون كبيرا ووازنا في التوازنات الراهنة، لكن حدة الاستقطاب الذي يستهدفها راهناً من طرفي الصراع، تدفع إلى محاولة تفسير دوافع هذا الاستقطاب الحاد إزاءها.

تأخذ الجزائر أهميتها من استقلالية القرار السياسي والاقتصادي في ظل عاملي الطاقة والأمن، المرتبطين أساساً بالتاريخ وبالجغرافيا. بالنسبة للطاقة فإن مخزونات الجزائر منها جعلتها رقماً مؤثراً في الأمن الطاقوي الأوروبي، وهذا يعني أن استقلالية أوروبا عن الغاز الروسي مرتبطة في جزء منها بإمدادات الجزائر، القريبة من القارة القديمة جغرافياً.

في الشق الثاني يبرز عامل الأمن الإقليمي، فالجزائر واقعة في منطقة مضطربة ومتوترة، تؤثر بصورة مباشرة على الجدار البحري لأوروبا (الهجرة غير النظامية)، وعلى مصالح الغرب الحيوية في أفريقيا (المناجم والمعادن النادرة).

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here