الحريات الرقمية في الجزائر.. ممنوعات جديدة كل يوم

12
الحريات الرقمية في الجزائر.. ممنوعات جديدة كل يوم
الحريات الرقمية في الجزائر.. ممنوعات جديدة كل يوم

راغب ملي

أفريقيا برس – الجزائر. اقتحمت السلطات الجزائرية مقر شركة إنترفاس ميديا التي تمتلك إذاعة راديو إم وموقع مغرب إميرجون، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وذلك بعد اعتقالها الصحافي إحسان القاضي الذي يديرهما. خُتمت الشركة بالشمع الأحمر. وأعلن المنبران الإعلاميان أنهما أصبحا محجوبين “في مناطق معينة في الجزائر”. والأحد الماضي، قضت محكمة سيدي امحمد وسط العاصمة الجزائرية، بالسجن خمس سنوات، منها ثلاث نافذة، في حق إحسان القاضي (63 عاماً)، بتهمة تلقي أموال من الخارج، وذلك بعد محاكمة قاطعتها هيئة الدفاع.

ما واجهه إحسان القاضي والمنبران الإعلاميان اللذان يديرهما ليس إلا فصلاً في فصول أزمة الحريات الصحافية في الجزائر. عقب الحراك الشعبي في فبراير/ شباط 2019، أحكمت السلطة قبضتها على الإعلام الذي أصبح يبث خطاباً سياسياً واحداً عن دعم الانتخابات الرئاسية وجيش البلاد. ومنعت الإذاعات والقنوات التلفزيونية الحكومية والمستقلة من استضافة ناشطين في الحراك، كما واجهت ضغوطاً لدفعها إلى مقاطعة تغطية التظاهرات. امتدّت قبضة السلطات إلى الفضاء الرقمي، حيث انتهجت مساراً قمعياً للتضييق على الناشطين والصحافيين والمعارضين، وكذلك المواطنين.

انتهاكات الخصوصية الرقمية

يؤكّد المعارضون الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي أن السلطات الجزائرية تنتهك خصوصياتهم الرقمية عبر تفتيش هواتفهم المحمولة خلال التحقيق معهم، كما حصل مع الصحافي بوعلام غمراسة في أكتوبر/ تشرين الأول 2019. استدعي غمراسة حينها إلى مركز الدرك الوطني في العاصمة الجزائرية، للتحقيق معه بشأن “عرضه لأنظار الجمهور منشورات من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية”. احتجز الجهاز الذي يستخدمه 21 يوماً، وهاتفه المحمول أربعة أيام، بينما خضع بريده الإلكتروني لتفتيش دقيق، ومنع من الدخول إلى حسابه في موقع فيسبوك. وقد صدر قرار قضائي بسجنه ستة أشهر نافذة في مارس/ آذار 2022، بناءً على التهم التي وجهت إليه عام 2019. وفي السياق نفسه، اعتقلت السلطات الجزائرية، في فبراير/ شباط الماضي، الناشط حميمي بويدر، لتضامنه مع معتقلي الرأي، وحجزت هاتفه المحمول.

سياسة كم الأفواه

شددت السلطات في الجزائر مراقبة منصّات التواصل الاجتماعي، لملاحقة الأصوات المُعارضة سياساتها، وترهيب المعارضين، وتكريس مبدأ الرقابة الذاتية. ولاحقت الناشرين والمدونين على مختلف المنصّات الرقمية، وتحديداً “فيسبوك” الأكثر استقطاباً للمستخدمين في البلاد. في يناير/ كانون الثاني 2022، صدر حكم بسجن الصحافي مرزوق تواتي مدة عام وتغريمه، بتهمة “نشر أخبار كاذبة والإضرار بالمؤسسات العامة”، على خلفية منشور له على “فيسبوك”، كشف فيه عن ظروف معتقلي الرأي. كما يلاحق المحامي مهدي زيدان بتهم مرتبطة بمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي. وخلال فبراير، صدر قرار بسجن الصحافي عبد الوهاب موالك، على خلفية منشورات له على مواقع التواصل أيضاً.

وقال الصحافي مرزوق تواتي، مدير موقع الحقرة الإخباري الذي اعتقل أكثر من مرة بسبب تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي ونشاطه الصحافي: “لا يمر يوم في الجزائر من دون أن نسمع عن استدعاء فلان للتحقيق معه أو لمحاكمته، بسبب تعبيره عن رأيه على شبكة الإنترنت. تعمل الأجهزة على توجيه التهم التي تشمل إهانة هيئة نظامية أو شخص الرئيس، أو تهديد الوحدة الوطنية، أو الإضرار بالمصلحة العامة، أو عرض منشورات مغرضة أو كاذبة. ويمكن أن تصل حتى إلى تهم شديدة الخطورة، مثل الإشادة بالأعمال الإرهابية والدعاية لها، وذلك وفقاً للمادة 87 مكرر المثيرة للجدل”. وأضاف تواتي أنه “بغرض سجن المدونين والمنتقدين على مواقع التواصل الاجتماعي، تدّعي السلطات أن هؤلاء لا ينتقدون أداء المسؤولين، بل يشتمونهم. انتقاد أي مسؤول يحوّل إلى سب وشتم له، وقول الحقيقة حول الوضع العام في البلاد يتحول إلى تهديد للوحدة الوطنية ومساس بالمصلحة العامة (…) البعض يقول إن السلطة يمكنها أن تلفق لك تهمة خارج دائرة عملك لأنك صحافي مزعج لها، ثم تدعي أنك لست موقوفاً بسبب عملك الصحافي ولا علاقة للمتابعة بحرية التعبير والصحافة، بل بقضية يعاقب عليها قانون العقوبات، ولا دخل لقانون الصحافة فيها”.

وفي السياق نفسه، قال ناشط حقوقي، إن “هناك مئات السجناء نتيجة تعبيرهم عن مواقفهم السياسية، بالإضافة إلى أكثر من أربعة آلاف ناشط متابع أمام المحاكم. وهذه السياسة ما زالت متبعة رغم توقف الحراك الشعبي بالقوة البوليسية قبل أكثر من سنتين”. وذكّر أن “أغلب التهم الموجّهة لهؤلاء وللكثيرين تتعلّق بمنشورات أو فيديوهات تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، يُعبّرون فيها عن مواقف معارضة أو ينتقدون الحكومة أو المسؤولين أو يبدون تذمراً من الوضع العام في البلاد”.

حجب المواقع الإلكترونية

خلال عام 2020، حجبت السلطات الجزائرية الموقع الإخباري الناطق بالفرنسية “لوماتان دالجيري”، كما حظرت وسائل إعلام عدة تبث عبر الإنترنت عن متصفحيها من الجزائر، بينها مواقع “توالى”، و”الطريق نيوز”، و”أنترليني”، و”قصبة تريبون”، و”شهاب برس”، و”ألترا صوت”، و”كل شيء عن الجزائر”. لم يسلم “راديو إم” و”مغرب إميرجون” من الحجب حينها أيضاً. واللافت أن هذه القرارات جاءت بعد إصدار البرلمان الأوروبي، في ذلك العام، لائحة تدين تعامل السلطات الجزائرية مع الصحافة وقضايا حرية التعبير، والتضييق على الصحف ووسائل الإعلام. وطالبت مؤسسات الاتحاد الأوروبي التنفيذية بإلزام السلطات الجزائرية بمضمون اتفاق الشراكة الموقع عام 2002 الذي يتضمن إشارة إلى ضرورة التزام الجزائر بقواعد حرية التعبير.

تشريع القمع

نبهت منظمة العفو الدولية، خلال سبتمبر/ أيلول من العام 2021، إلى أن “السلطات الجزائرية تلجأ بشكل متزايد إلى تهم فضفاضة الصياغة تتعلق بالإرهاب لمقاضاة الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين السياسيين، ولتجريم المنظمات السياسية عبر تصنيفها إرهابية، وذلك في حملة قمع جديدة ضد المعارضة، إذ وظفّت السلطة مفهوم التصنيف الإرهابي وفق المادة 87 مُكرّر التي أضيفت أخيراً إلى قانون العقوبات”. تتضمّن هذه المادّة التي تثير جدلاً في الساحة الحقوقية والسياسية في الجزائر عقوبات مُختلفة ضد المتهمين بالأعمال التخريبية والإرهابية. وعدّلت السلطات الجزائرية، في يونيو/ حزيران 2021، تعريف الإرهاب بشكل يسمح بمحاكمة الناشطين السلميين والأصوات المنتقدة. طاولت هذه السياسات بعض المدونين على المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، وأصبحت المادة 87 مكرّر وسيلة لاصطياد الناشطين بسبب إمكانية اعتبار ما يفعلونه إرهاباً أو إشادة بالإرهاب، من خلال توجيه تهم من قبيل الدعوة إلى التجمهر غير المُسلّح ومشاركة منشورات تهدد الوحدة الوطنية والإساءة لرموز ومؤسسات الدولة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here