“برج الخليج” يفتح شهية الاستثمارات العربية في الجزائر

55
"برج الخليج" يفتح شهية الاستثمارات العربية في الجزائر

أفريقيا برس – الجزائر. بمنطقة الأبيار في أعالي العاصمة الجزائر، ينتصب برج “بنك الخليج” الشاهق الذي دُشّن قبل أيام، شاهدا على أحد الإنجازات العربية الناجحة في البلاد، في وقت يُنتظر تدفق مشاريع مماثلة مستقبلا، بعد تجارب سابقة لم تكن دائما موفقة؛ بسبب ما يُعتقد أنها عراقيل خفية دائما ما كانت تطارد الاستثمار العربي في الجزائر.

تحول البرج في ظرف قصير إلى معلم أيقوني بالعاصمة الجزائرية غير المعتادة على مثل هذه البنايات، وهي التي ظل أغلب عمرانها المتقن، مرتبطا بالحقبة الاستعمارية، بينما لم تكن الأحياء والمراكز الجديدة المشيدة بعد الاستقلال تراعي كثيرا الجوانب الجمالية، فقد كانت الحاجة في العهد الاشتراكي لبناء مزيد من السكنات لتلبية الطلب المتولد عن الانفجار السكاني بعد تحرر البلاد من المستعمر.

والبرج الجديد يبلغ ارتفاعه 110 أمتار ويتكون من 25 طابقا، ما يجعله أحد أطول البنايات في العاصمة، وقد صُمم على شكل كتاب مفتوح بواجهات زجاجية كاملة يمكن أن تتحول لشاشة ألعاب ضوئية ليلا في المناسبات، مع ترصيعه بالأحجار الطبيعية التي تستعمل كثيرا في التزيين بالجزائر، كما روعي في هندسته أن يكون موفرا لاستهلاك الطاقة عبر الاعتماد على ضوء الشمس المتدفق للمكاتب.

ويطل البرج على نافورة مياه كبيرة، تتوسط محور دوران، أطلق عليها اسم الأمير الراحل لدولة الكويت، الشيخ صباح جابر الأحمد الصباح، “عرفانا” له بالدور القومي الذي لعبه خلال حرب التحرير الجزائرية، كونه كان رئيس لجنة جمع التبرعات لفائدة المجاهدين الجزائريين خلال فترة الاستعمار.

ولقي تدشين البرج احتفاء رسميا لافتا، فقد حرص الرئيس عبد المجيد تبون على استقبال صاحب المشروع الشيخ عبد الله ناصر صباح الأحمد الصباح، عضو العائلة الأميرية الكويتية وصاحب شركة مشاريع الكويت القابضة، الذي صرّح بأنه تباحث مع الرئيس تبون مجالات الاستثمار والمشاريع الاقتصادية وسبل تطويرها وتنميتها.

لكن هذا البرج الذي امتد بناؤه لسنوات، قد يكون الشجرة التي تخفي ضعف الاستثمارات العربية في الجزائر، وهو واقع ظل خاضعا للكثير من التفسيرات، بين من يرى أن ثمة “دولة عميقة” مرتبطة باللوبي الفرنسي تقوم بعرقلة المشاريع العربية من أجل الحد من انفتاح الجزائر على بعدها العربي، وبين من يربطها بالعراقيل البيروقراطية التي تواجه جل المستثمرين الأجانب بغض النظر عن جنسياتهم.

ومن بين ما ظل عصيا على الفهم، تعثر مشاريع شركة إعمار الإماراتية في منتصف سنوات الألفية الثانية، بعد أن عرضت مخططا لبناء مجموعة أبراج وإنشاء منتجع سياحي في الضاحية الغربية للعاصمة، فيما يعرف حاليا بـ”دنيا بارك”، وقد تم اقتطاع عشرات الهكتارات لهذا المشروع ونزع الملكية من أصحابها لهذا الغرض، لكن أيا من هذه البنايات لم ير النور، وانتهى الأمر إلى نزاع بين الدولة والشركة الإماراتية بعدما كان المأمول قبل ذلك تغيير واجهة العاصمة.

كذلك، أُسيل الكثير من الحبر حول تعطل مشروع شركة مراعي السعودية لإنتاج الحليب ومشتقاته في الجزائر، وثمة من اتهم الوزير الأول المسجون حاليا أحمد أويحيى بأنه كان وراء عرقلة المشروع. ورغم أن وزير التجارة الحالي كمال رزيق تحمس لإمكانية بعث المشروع في ظل أزمة الحليب التي عرفتها البلاد في السنوات الأخيرة، إلا أنه لا توجد مؤشرات عملية على ذلك حتى الآن.

وقبل ذلك، كان رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس قد انتقد حصار مشاريعه في الجزائر، وهو الذي كان مالكا لشركة “جيزي” ثاني متعامل للهاتف النقال في الجزائر التي استعادتها الدولة بعد ذلك، بعد نزاع طويل في المحاكم التجارية الدولية. لكن في الواقع، حظي ساويرس في بداية دخوله الجزائر بالكثير من الامتيازات التي مكنته من السيطرة على سوق الاتصالات الهاتفية الضخم، بينما لم تغفر له السلطات الجزائرية، بيعه لمصنع الإسمنت الضخم الذي أقامته شركته أوراسكوم في الجزائر لصالح الشركة الفرنسية “لافارج” دون الرجوع إليها، وهو ما أدى بالجزائر لتعديل قوانينها سنة 2009 وإدراج ما يسمى “حق الشفعة” الذي يوجب على أي أحنبي في حال قرر بيع استثماراته بالجزائر المرور على الدولة أولا.

ومهما يقال عن تعطل المشاريع العربية في الجزائر، تظل هناك نماذج ناجحة عديدة مثل مصنع بلارة للحديد والصلب بولاية جيجل شرقي البلاد، الذي ينتج حاليا مليونيْ طن ويستهدف الوصول إلى 4 ملايين طن من الصلب سنويا. كما تقيم وزارة الدفاع شراكة مع الإمارات وألمانيا لإنتاج السيارات والشاحنات الموجهة للاستعمالات العسكرية واللوجستية، وتعد الأردن لاعبا مهما في سوق إنتاج الأدوية عبر شركتي الكندي وحكمة، وقطر أيضا من الفاعلين في سوق الاتصالات من خلال شركة أوريدو. وينشط رجال أعمال لبنانيون في مجالات البناء والبنى التحتية، بينما كانت تمسك شركة موانئ دبي بإدارة ميناء الجزائر، قبل أن تستعيد الدولة أسهمها سنة 2019 بعد تجربة لم تنجح كثيرا في تطوير الميناء الأهم في البلاد.

وبعد جولة الرئيس تبون الأخيرة لدولتي قطر والكويت، تستهدف الجزائر استقطاب مزيد من المشاريع الخليجية تحديدا، مع وعود برفع العراقيل البيروقراطية، عبر الإعلان في مجلس الوزراء عن إنشاء لجنة تحضير ومتابعة يومية لاستثمارات عربية ضخمة، منها مشاريع قطرية لمد السكة الحديد إلى أقصى الجنوب الجزائري، وتجديد واجهات المدن البحرية، وتطوير ميناء “جن جن” بجيجل شرقي البلاد، لجعله أحد أكبر موانئ إفريقيا، بالإضافة لبناء مستشفى عصري بشراكة قطرية وألمانية، ناهيك عن مشاريع أخرى في مجال الزراعة وتربية الحيوانات. وبالمجمل، تعد قطر أكبر مستثمر عربي في الجزائر بنحو 115 شركة مختلطة، وتستحوذ على 74% من مجموع الاستثمارات الأجنبية في البلاد، وفق رئيس الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة، الطيب شباب.

وتعمل الجزائر حاليا على إعداد قانون جديد للاستثمار، يخلّص البلاد من الصورة النمطية التي انطبعت عليها كبلد طارد للاستثمار بفعل ترهل جهازه الإداري وتعقيدات الحصول على التراخيص والتمويل وعدم استقرار التشريعات التي تتغير باستمرار وتخلّف نظامها البنكي، وهو ما وضعها في مرتبة متأخرة في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال لسنة 2020 “دوينغ بيزنس” الصادر عن البنك العالمي، حيث احتلت المرتبة 157 من أصل 190 دولة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here