بوعلام صنصال: ذراع أدبية لخدمة الأغراض السياسية والأيديولوجية

9
بوعلام صنصال: ذراع أدبية لخدمة الأغراض السياسية والأيديولوجية
بوعلام صنصال: ذراع أدبية لخدمة الأغراض السياسية والأيديولوجية

أفريقيا برس – الجزائر. أبانت حملة الدفاع التي تخوضها دوائر ونخب غربية نافذة عن الكاتب الفرانكو جزائري بوعلام صنصال، الموقوف في الجزائر، عن انحياز مفضوح لقيم الحرية والديمقراطية عند هؤلاء، ففيما يجري تنفيذ جريمة إنسانية غير مسبوقة في تاريخ الإنسانية بقطاع غزة، يحشد هؤلاء منابرهم دفاعا عن الكاتب الموقوف، الأمر الذي يبرز طبيعة المكاييل المتعددة لما يتعلق الأمر بالقيم المذكورة في الشرق والغرب.

دخلت شخصيات أكاديمية وفكرية حائزة على جوائز مرموقة فرنسيا ودوليا، على خط الاستقطاب الحاد الذي أحدثته قضية الكاتب الفرانكوجزائري بوعلام صنصال، بعدما وقعوا عريضة تطالب السلطات الجزائرية باطلاق سراح الرجل وجميع الموقوفين بسبب أفكارهم في أقرب وقت ودون شروط، حسب ما جاء في مقال نشره الكاتب المثير للجدل هو الآخر كمال داود في مجلة لوبوان الفرنسية.

وطالب كل من آني إرنو، جان ماري لو كليزيو، أورهان باموك، وول سوينكا، وكتاب آخرون من بينهم الكاتب البريطاني صاحب “آيات شيطانية” سلمان رشدي، بالإفراج عن الكاتب الموقوف منذ منتصف الشهر الجاري من طرف السلطات الجزائرية.

وقال الموقعون على البيان، بأنه “لا يسعنا أن نبقى صامتين. فالمسألة متعلقة بالحرية وبالحق في الثقافة وبحياتنا، ككتاب مستهدفين بهذا الترهيب”. وهو ما علق عليه الإعلامي والمدون الجزائري عمار قردود بالقول: “عندما يطالب سياسيون فرنسيون، بينهم القيادية بحزب التجمع الوطني اليميني مارين لوبان، ومثقفون وأدباء من ضمنهم صاحب آيات شيطانية سلمان رشدي، السلطات الجزائرية بالإفراج عن صنصال، فذلك دلالة واضحة على تحالف بين الشياطين ضد الجزائر”.

وتحوّل توقيف الكاتب المذكور الى سجال حاد لدى مختلف النخب في الجزائر وفرنسا، حيث رمت هيئات ومؤسسات عديدة بثقلها في الموضوع، بعدما أجمعت على الدعوة الى عدم التأخير في اطلاق سراح بوعلام صنصال، الأمر الذي جعل القضية تفرز ما فيها من مكونات سياسية وأيديولوجية، تعكس حقيقة القيم والمكاييل التي يتعامل بها الغرب تجاه أذرعه الموالية في مجالات الأدب والاعلام والتأليف بشكل عام.

وأكدت الأكاديمية الفرنسية في حلقة أخرى من مسلسل الحشد الداعم للكاتب بوعلام صنصال، على ضرورة إطلاق سراح الكاتب من دون تأخير، واحترام الحقوق الأساسية للكاتب وتوفير الحماية الجسدية له.

الافراج الآني وغير المشروط

وجاء في بيان الأكاديمية التي تأسست العام 1634، بأنها “ترحب ترحيبا حارا بمبادرة الفائزين بالجائزة الكبرى للرواية، وتشاركهم الأمل في إطلاق سراح بوعلام صنصال من دون تأخير، وأن جميع أعضاء أكاديميتنا متشوقون لرؤية هذا الكاتب، الذي ينتمي إلى فرنسا والجزائر على السواء، يعود في أسرع وقت ممكن إلى الحياة التي كانت حتى الآن حياته، والتي تسكنها رغبة عنيدة في الكتابة وعدم الخضوع”.

وأشار عضو الأكاديمية جان كريستوف روفان، الى أنه “اقترح على أعضاء الأكاديمية الآخرين إجراء تصويت طارئ لانتخاب بوعلام صنصال عضوا في المؤسسة العريقة”. رغم أن ذلك يتعارض مع الإجراءات المعتادة للأكاديمية، التي تنص على إعلان خلو مقعد، وفتح باب الترشح لمدة محددة، ثم مباشرة الانتخاب لاختيار العضو.

ويعيش المشهد الجزائري خلال الأسابيع الأخيرة، على وقع سجال محتدم بين مواقف متماهية لعدد من الكتاب عبروا عنها من خلال كتب لهم ظهرت الى الساحة، غذت التجاذب السياسي والأيديولوجي القائم بين المواقف الرسمية والشعبية المناهضة للوضع في فلسطين وقطاع غزة تحديدا، وللمناورات السياسية والأمنية المتسارعة في محيط البلاد، وبين أصوات تمهد الى دمج الجزائر والمنطقة عموما في مسار التطبيع مع “إسرائيل”.

وكان كتاب “الجزائر اليهودية” للكاتبة الفرانكوجزائرية هيديا بن ساحلي، أول من سجل الجدل المحتدم، كونه لامس وترا حساسا في ظرف استثنائي، ثم تتويج رواية ” حوريات ” للكاتب الفرانكو جزائري الآخر كمال داود، الذي استثمر في قصة واقعية للسيدة سعادة عربان، لتسويق الدين الإسلامي المبجل في المجتمع الجزائري في صورة الهمجية والوحشية، وتلتها قضية توقيف الكاتب بوعلام صنصال، بمطار الجزائر قادما من فرنسا منتصف الشهر الجاري.

ويرى الكاتب الجزائري حسن طاهيري، بأن “القضية أخذت أبعادا أكثر مما تستحق بسبب ضغط اللوبيات والنخب اليمينة المتطرفة في فرنسا والغرب عموما، فالرجل لم يتضح لحد الآن أسباب توقيفه، لكن قيم الحرية والديمقراطية كانت سريعة الخروج الى الواجهة، من أجل ممارسة الابتزاز والضغط، وهو ما لم نراه في قضايا وملفات أخرى لما يتعلق الأمر بالأوضاع الحقوقية والإنسانية في قطاع غزة على سبيل المثال”.

صنصال مقيم وليس مواطن

وأضاف طاهيري في تصريح لـ”أفريقيا برس”، بأن “المسألة لم تعد خط أدبي أو موقف ناقد لكاتب ما، بقدر ما باتت سلم قيم مختل، ترتيبه هناك ليس هو نفسه هنا، وحتى المساس بالمصالح العليا لبلد وشعب بأكمله صار محل مساومة لهذا الكاتب، فطعنه في تاريخ وحاضر بلده، لم يكن ليطفو هكذا على السطح، لو لم يكن ضمن سياق يستهدف المساس ببلد سالت الدماء والأرواح لأجل حريته وسيادته”.

لكن للكاتب والإعلامي عبدالعزيز غرمول، رأي آخر؛ يتمحور حول طريقة التعاطي مع قضية بوعلام صنصال، وكل من يعارض الخط السياسي للسلطة سواء كان في الخارج أو في الداخل، في إشارة التكميم الرسمي المضروب على النخب والناشطين بمختلف توجهاتهم الفكرية والسياسية.

وقال في منشور له على صفحته الرسمية على الفيسبوك، “أنا غاضب جدا من هذا النظام الذي لا يزال يستعمل نفس الأساليب البدائية – البوليسية لتكميم الأفواه، وترويع الأقلام، وسجن المختَلَفِ معهم، وترهيب المعارضة، وجلب السخرية والمناكفة لبلدنا من طرف بلدان ومنظمات العالم”.

ويضيف: “بعد ذلك كله، أصحاب الرأي هؤلاء هم رعاياه الذين احتضنهم ودلّلهم وأنعم عليهم بالمزايا والتبجيل والإشهار، وساهم بشكل مباشر وغير مباشر في الدفع بهم الى منصات عالمية للتفاخر بتمثيلهم له، فكيف يسمح لنفسه اليوم بمضايقتهم، ويَضيق بانتقادهم، ويسجنهم بسبب آرائهم المعروفة، والمكتوبة، والمعلنة”، في تلميح الى الوظيف السامية التي كان يتقلدها بوعلام صنصال في وزارة الصناعة.

وفي قراءة أخرى للموقف، يرى غرمول، بأن أمثال صنصال وداود وعبود والمغني خالد، هم مقيمون في الجزائر وليسوا مواطنين جزائريين، لأنهم ” عبروا عن ولائهم للوطن الذي يشعرون بالانتماء إليه، فما لم يفهمه هذا النظام هو أن الوطن ليس هو المكان الذي ولدنا فيه، وإنما المكان الذي نؤمن بالانتماء إليه، فهؤلاء لم يتعرض لهم النظام حين كانوا يشككون في هوية الشعب، ودينه، ولغته، وتاريخه، ومعتقداته، ويصفونه بأبشع الصور في كتاباتهم وتصريحاتهم، بل كانت كتبهم توزع بشكل عادي، وصحافة النظام تشيد بعبقريتهم، ولم يشعر سدنة النظام وأتباعه بأي خطر حتى وصل الأمر إلى المساس بالجغرافيا والمكاسب وما أسموه بالوحدة الوطنية التي لا هي وحدة في نظرهم ولا وطنية في معتقدهم.

وينقل عنه الوزير والنائب البرلماني السابق الهاشمي جعبوب، في المنشور الذي سرد فيه مسار الرجل لما كان موظفا ساميا في وزارة الصناعة، بأنه جاء في احدى مقالاته الصادرة في احدى الصحف الفرنسية، بأن “الدولة الجزائرية لم تكن موجودة قبل 1830 وأنها كانت عبارة على دويلات وقبائل متناحرة لا رابط لغوي أو ديني بينها، وأن الأراضي الواقعة غرب الجزائر ابتداء من معسكر حتى الحدود الغربية كانت كلها تابعة للملكة المغربية”.

وأضاف: “الدولة الجزائرية ولدت سنة 1962 بعد الانفصال عن فرنسا، وأن الأخيرة هي من أطلقت اسم الجزائر على هذا الاقليم الذي ضمت إليه الأراضي الشرقية للمملكة المغربية، أي من مغنية وبشار مرورا بتلمسان ووهران حتي معسكر، وأن جبهة التحرير الوطني، قد وعدت محمد الخامس ملك المغرب بإرجاع هذه الأراضي لمملكته بعد الاستقلال، ولكن الطرف الجزائري أخل بوعده، وهذا هو سبب حرب الرمال التي اندلعت سنة 1963 بين الجيش الجزائري و الجيش المغربي الذي اضطر لاستعمال القوة في مواجهة اخلال الطرف الجزائري بالتزاماته السابقة”.

وهذا الخطاب متداول على نطاق واسع لدى نخب مغربية وفرق الكترونية تعمل على ترسيخ الطابع التوسعي للمملكة المغربية، وتشويه صورة وسمعة الدولة الجزائرية سياسيا وثقافيا وتاريخيا، وهو الأمر الذي يعد أحد أوجه الحشد المتصاعد بين البلدين، خاصة بعد تطبيع الرباط مع تل أبيب.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here