تبون: ديبلوماسية الكنائس والاقتصاد لاقناع أوروبا وواشنطن

5
تبون: ديبلوماسية الكنائس والاقتصاد لاقناع أوروبا وواشنطن
تبون: ديبلوماسية الكنائس والاقتصاد لاقناع أوروبا وواشنطن

أفريقيا برس – الجزائر. انطوت زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، الى ايطاليا والفاتيكان، على رسائل استراتجية وجيوسياسية، فعلاوة على نتائج الزيارة على الصعيدين الاقتصادي والتجاري وتوسيع التعاون بين الجزائر ورما، فقد كان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، معنيان مباشرة بدلالات الزيارة، ومفادها أن التجربة القائمة مع ايطاليا، يمكن تعميمها مع دول المجموعة، بدل الدخول في معترك التجاذبات، كما أن الوزن السياسي والديني لبابا الفاتيكان الجديد، يمكن أن ينقل رسائل ايجابية لدوائر القرار في واشنطن، حول نوايا الجزائر في اقامة علاقات مميزة مع الأمريكيين.

حمل الرئيس عبدالمجيد تبون، هدايا رمزية لبابا الفاتيكان الجديد ليو الرابع عشر، تتمثل في مجسم للقديس سانت أوغسطين، الذي لا زالت كنسيته قائمة في مدينة عنابة بشرق البلاد، وغصن زيتون من الأشجار المتواجدة في الكنسية، وهو ما اعتبر تحفيزا مبطنا من الرئيس الجزائري لبابا الفاتيكان، الذي عبر عن نيته في زيارة الكنيسة والبلدة التي ولد وأقام فيها جده سانت أوغسطين.

واستقبل الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، من طرف بابا الفاتيكان ليو الرابع عشر (روبيرت فرنسيس بريفوست)، وتضمنت الزيارة دلالات سياسية تعكس رغبة الجزائر في كسر عزلتها الاقليمية، وخلافاتها مع دول أوروبية ومع الاتحاد الأوروبي، خاصة وأن الدولة الصغيرة في عمق ايطاليا تحظى باحترام كبير، كما أن الرئيس تبون، يريد توظيف الروابط التي عبر عنها البابا ليو الرابع عشر مع الجزائر، ووزن الرجل لدى دوائر القرار الدولي، خاصة بلده الأصلي الولايات المتحدة الأمريكية.

ولا يتوانى الرئيس الجزائري، في الآونة الأخيرة، في لعب جميع الأوراق المتاحة، من أجل اقناع الادارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب، باستعداد بلاده لارساء علاقات متينة، وكان الاتفاق العسكري المبرم بين البلدين في الأشهر الماضية، واستقباله لمسؤولين في شركتي “شيفرون” و”اكسين موبيل”، ثم تعبيره عن احترام قرار الرئيس الأمريكي حول رفع الرسوم على المبادلات التجارية، بما فيها الجزائر نفسها، وقبلها تصريح السفير الجزائري في أمريكا صبري بوقادوم، بأن “التعاون بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية لا تحده السماء”.

مجسم سانت أوغسطين وغصن الزيتون لتحفيز بابا الفاتيكان

وفيما لم يتسرب أي شيء عن محتوى اللقاء الذي جمع بين الرئيس تبون، والبابا ليو الرابع عشر، فان دعوة لزيارة الجزائر مرجحة جدا، في اطار ارساء الجزائر لعلاقة نوعية، خاصة وأن بابا الفاتيكان، صرح بعد انتخابه شهر ماي الماضي، بأنه “ينتسب الى كنيسة أجداده في الجزائر وأنه يتمنى زيارتها”، وهو ما يريد الرئيس تبون توظيفه في اقامة علاقة نوعية بين بلاده والفاتيكان، وفي التمهيد لشق مسار سالك مع الادارة الأمريكية، بحكم جنسية ومكانة البابا في واشنطن.

ويرى المحلل السياسي سعيد قلمامي، بأن “زيارة الرئيس تبون، الى ايطاليا ثم الفاتيكان، وان جاءت في طابع اقتصادي وتجاري وتعاون شامل، فانه ألمح الى أن المستقبل الواعد لعلاقات البلدين، يمكن أن يكون مع جميع دول الضفة الجنوبية الأوروبية، اذا حملت المعايير والغايات المعلن عنها بين الجزائر وروما”.

وأضاف: “صعود ايطاليا كشريك أول للجزائر، يؤشر الى أن القيادة السياسية الجزائرية، تفضل النموذج الايطالي على باقي النماذج الأوروبية الأخرى، على ما يميز الحكومة الايطالية، من احترام وعدم تدخل في الشأن الداخلي، وتفادي المثبطات السياسية، رغم أن اليمين هو الذي يحكم ايطاليا، والاشارة هنا موجهة لفرنسا وقبلها اسبانيا”.

وتابع: “الانفتاح الجزائري اللافت على الايطاليين، بقدر ما يترجم نواياه وقدرته على ايجاد البدائل الناجعة في العلاقات والشراكات، في ظل ما كان يعرف بحصرية الفرنسيين للشأن الجزائري، بقدر ما يعكس طموح الجزائريين الى بناء شراكة قوية بعيدة عن التجاذبات السياسية، بسبب التجربة الفرنسية، واستغلال ايطاليا لتكون منصة الانتشار الطاقي في وسط وشرق أوروبا”.

وأدى الرئيس تبون، زيارة الى ايطاليا والفاتيكان، في مناخ تطبعه الأزمة المستجدة مع الاتحاد الأوروبي، على خلفية اللجوء الى التحكيم الدولي، وتصنيف اللائحة الرمادية، خاصة في ظل ظهور تضامن بين أعضاء الاتحاد، في المآخذ المعلنة من الأوروبيين على الجزائر، بشأن انتهاك بنود اتفاق الشراكة.

وأولى خلال لقاءاته مع رئيسة وزراء ايطاليا جورجيا ميلوني، ونظيره الايطالي سيرجيو ماتاريلا، أهمية بالغة للتعاون في مجال محاربة الارهاب والهجرة غير النظامية، وهما ورقتان تلوّح بهما الجزائر في علاقاتها مع شركائها الأوروبيين، مما يوحي الى رسالة جزائرية الى مجموعة الاتحاد الأوروبي عبر ايطاليا، حول دورها وقدراتها في اضفاء الأمن والاستقرار في حوض المتوسط.

التجربة الرائدة مع ايطاليا يمكن تعميمها على أطراف أخرى

ومن ضمن 14 اتفاقا ومذكرة تفاهم، يتواجد اتفاق حول العمل معا من أجل التصدي للإرهاب والسيطرة على الهجرة السرية، وهو ما يفتح المجال أمام تجربة جديدة، تنطوي على رسالة جزائرية للأوروبيين مفادها امكانية تعميمها بين ضفتي المتوسط، وتحقيق أمن واستقرار المنطقة، بعيدا عن التجاذبات التي ظهرت على محور الطرفين في الآونة الأخيرة.

وقالت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني، عقب لقائها بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في فيلا دوريا بامفيلي التي تعود للقرن السابع عشر، بأن “الجزائر هي الشريك التجاري الأول لروما في أفريقيا، إذ تبلغ قيمة التبادل التجاري بين البلدين أكثر من 16 مليار دولار، فيما تبلغ استثمارات روما هناك 8.5 مليار دولار”.

ولم يستبعد الباحث في الشؤون الدينية محمد بن زيان، أن يكون الرئيس تبون، قد قدم تطمينات لبابا الفاتيكان حول احترام الأديان في بلاده، وحماية الحكومة للأقليات الدينية، من أجل دحض تقارير حقوقية واعلامية، تتحدث من حين لآخر عن “قمع ديني” في الجزائر من طرف المؤسسات الرسمية.

وأكد، لـ “أفريقيا برس”، بأن “زيارة تبون، للفاتيكان، جاءت من أجل التعبير عن الانفتاح الديني للجزائر، وعلى حوار الأديان، وقيم السلم والتعاون والتعايش، عكس ما يتردد أحيانا عن تضييق وقمع الجزائر للأقليات الدينية، لكن ذلك لا يغفل الأبعاد السياسية للزيارة، قياسا بوزن الدولة في المجموعة الدولية، وامكانية أداء البابا لدور يساهم في التقريب بين بلده الأصلي والجزائر.

ولفت المتحدث، الى أن مسعى تبون، كان واضحا في تجاوز وسطاء المسيحية في بعض العواصم الغربية، التي تمزج بين السياسي والديني في معالجة بعض القضايا المستجدة، ومد قنوات تواصل وتعاون مباشرة مع البابا الجديد للفاتيكان، خاصة وأن الرجل أبدى رغبته في زيارة أرض وكنسية أجداده.

الحرب على الارهاب والهجرة السرية

ووقعت الجزائر وإيطاليا، على 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات استراتيجية عدة، تشمل الأمن والدفاع والثقافة والزراعة، والطاقة، ومكافحة الإرهاب، والاتصالات، والإنتاج السينمائي، والتعاون العلمي، وحقوق ذوي الإعاقة، والتنسيق في عمليات الإنقاذ البحري.

ومن الاتفاقيات الموقعة، مذكرة تفاهم لإنشاء مركز “إنريكو ماتاي” للتكوين والبحث والابتكار في المجال الزراعي بالجزائر، الى جانب برنامج تنفيذي للتعاون العلمي والتقني في مجال حماية التراث، وخطة تشغيلية لتنسيق عمليات البحث والإنقاذ البحري داخل مناطق المسؤولية الإقليمية لكل طرف.

وفي مجال الاستثمار، تم توقيع مذكرة تفاهم بين الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، ووكالة “إنفيتاليا” الإيطالية الحكومية لدعم التنمية، تهدف إلى تعزيز التعاون في جذب الاستثمارات ودعم الشراكات الاقتصادية.

وتدمج خطة “ماتي” الايطالية، بين أمن الطاقة والتنمية المستدامة، وأطلقت العام 2023 لتعزيز التعاون مع الدول الإفريقية، من خلال شراكات تقوم على المساواة والتنمية والمصلحة المتبادلة، متخلّية بذلك عن منطق “المُعطي والمستفيد” المتّبع في علاقاتها التجارية الدولية.

وتركز الخطة على عدة قطاعات رئيسية، منها: التعليم والتكوين المهني والفلاحة، والصحة والطاقة، بهدف إرساء نموذج للتنمية المستدامة، واستحداث فرص شراكة جديدة بين القارتين: إفريقيا وأوروبا.

وذكر تقرير لوكالة الأنباء الايطالية، بأن “خطة ماتي، ليست مجرد قائمة بمشاريع جاهزة، بل هي إطار استراتيجي يحدّد المبادئ ومجالات التعاون، مع ترك المجال مفتوحا لتحديد مبادرات ملموسة بالتشاور مع الدول الشريكة، في إطار من التعاون والتصميم المشترك”.

وأضاف: “تشمل الخطة تخصيص موارد مالية، خاصة من الصندوق الإيطالي للمناخ، ومختلف صناديق التعاون المخصصة للتنمية، لتمويل مبادرات في مجالات أساسية مثل الطاقة المتجددة، والفلاحة المستدامة، والتصدي لتغيّر المناخ. وتمثل هذه الخطة تحولا جوهريا في علاقات إيطاليا مع إفريقيا، إذ تهدف إلى إقامة شراكات عادلة ودائمة، وتجاوز السياسات التقليدية القائمة على المساعدات، من خلال استحداث فرص نمو حقيقية للطرفين”.

وتشتق المبادرة من إنريكو ماتي، وهو شخصية بارزة في السياسة الطاقوية الإيطالية بعد الحرب العالمية الثانية. كان مؤسسا ورئيسا لشركة النفط الوطنية الإيطالية “إيني”، واشتهر بإقامة علاقات قوية واستراتيجية مع عدد من الدول المنتجة للنفط، خاصة في إفريقيا والشرق الأوسط.

وعُرف ماتي بسعيه إلى إنشاء شراكات تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون، بدلا من الهيمنة الاستعمارية أو مجرد استخراج الموارد، وكان من أبرز الداعمين لثورة التحرير الجزائرية، وتقديرا لهذا الموقف، منحته الجزائر، في 29 مارس 2022، وسام “أصدقاء الثورة الجزائرية”، كما أُطلق اسمه على خط أنابيب الغاز “ترانس ميد” الذي يربط البلدين.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here