ناصر جابي
أفريقيا برس – الجزائر. تميز الاحتفال باليوم الدولي لحرية الإعلام في الجزائر هذه السنة، بضجة إعلامية – سياسية كبيرة، كان بطلها رئيس الجمهورية الذي يؤكد مرة أخرى علاقته الخاصة مع الإعلام والإعلاميين، التي عرف بها في مساره المهني، منذ تجربة الولاية قبل الوزارة والرئاسة، التي شهدت حملتها الانتخابية هجومات كاسحة ضده كمرشح، من قبل إعلاميين كانوا حاضرين في اللقاء، فقد قدم رئيس الجمهورية هذه السنة دعوة غداء رسمية، لعدد كبير من الإعلاميين – أغضب الكثير من غير المدعوين – حضرته زيادة على الرسميين، وجوه كثيرة من رجال ونساء الإعلام، بمن فيهم أولئك المغضوب عليهم، من الذين أغلقت جرائدهم ومواقعهم الإلكترونية، بل من سجن منهم، كما هو حال الصحافي خالد درارني الذي اتهمه الرئيس بأنه «خبارجي»، وتم إيداعه السجن في سنة 2020 بتهم ثقيلة والحكم عليه لاحقا بثلاث سنوات سجن، لم يقض منها إلا تسعة أشهر، بعد أن تم العفو عنه، إثر حملات تضامن دولية ووطنية كبيرة معه، تكون قد أزعجت السلطات في حينها. الرئيس الذي سيوجه هذه السنة دعوة لخالد درارني لحضور الحفل الرسمي ليس كصحافي فقط، وهي الصفة التي كان قد نفاها عنه الرئيس، في مقابلات صحافية، بل كممثل للمنظمة الدولية التي يمثلها – مراسلون بلا حدود – استغل هذه الدعوة الرسمية ليسلم له رسالة – مناصرة حول الحريات الإعلامية في الجزائر.
رسالة ركزت فيها المنظمة على حالة الصحافي إحسان القاضي المسجون حاليا، بتهم خطيرة – خمس سنوات سجن منها ثلاث سنوات نافذة – في انتظار الحكم النهائي. إحسان الذي يمكن أن نتوقع أنه سيستفيد من أجواء الانفراج هذه في علاقة الرئيس بالإعلام، إذا استمرت الاتجاهات السياسية الثقيلة نفسها، التي يربطها الكثير من أصحاب الرأي، بزيارة الدولة المقبلة للرئيس إلى فرنسا – منتصف يونيو/حزيران المقبل – التي لا يريد أن يباشرها في أجواء يمكن أن تعكرها هذه الاعتقالات للصحافيين، في وقت بدأت فيه قضية إحسان القاضي تأخذ أبعادا دولية، نتيجة حملات التضامن المنظمة لصالحه على التراب الفرنسي تحديدا.
الرئيس الذي يعرف ما يميز هذه الزيارة من خصوصية بالنسبة له، وهو يباشر طلب عهدة رئاسية ثانية في نهاية السنة المقبلة، فهي أول زيارة رسمية له – زيارة دولة ـ تم الإعلان عن تأخيرها لمدة أكثر من شهر، بعد سحب السفير الجزائري من باريس، عكّرت صفاء العلاقات المتذبذبة تقليديا بين البلدين. إثر ما سمي في حينه بقضية أميرة بوراوي التي اتهمت فيها السلطات الجزائرية الطرف الفرنسي بتهريب هذه الناشطة – الطبيبة مزدوجة الجنسية من تونس، نحو فرنسا. بعد دخولها غير القانوني للتراب التونسي.
زيارة سيكون من الصعب على الطرف الفرنسي مراقبة كل النشاطات السياسية المعادية لها، التي يمكن أن تلجأ لها الجالية الجزائرية – والمعارضة بمختلف أطيافها – في حالة استمرار جو التشنج السياسي داخل البلد، في وقت زاد فيه اللاجئون السياسيون الجزائريون في فرنسا. ناهيك عن الحملات الإعلامية التي يمكن أن تشنها الصحافة الفرنسية على الجزائر ورئيسها أثناء هذه الزيارة الرسمية التي يمكن أن يتحجج الطرف الفرنسي الرسمي بحرية الصحافة لتركها تصل إلى تحقيق مبتغاها. تضييق على الإعلام واعتقالات أخذتها بعين الاعتبار منظمة مراسلون بلا حدود، من دون شك وهي تضع تصنيفها الدولي للجزائر التي جاءت في المرتبة 136 هذه السنة، مما لم يفوته الرئيس وهو يتكلم عن هذا التصنيف الذي قال عنه وهو يستقبل الإعلاميين. إن فيه افتراء على الجزائر، وإنه كان يفضل التصنيفات التي تقوم بها منظمة الأمم المتحدة، التي يفترض مسبقا أنها ستكون لصالح الجزائر، وهو يسرد ما يعتبره نقاط قوة تميز التجربة الإعلامية في الجزائر كعدد الجرائد الصادرة يوميا في البلد، الذي يقول عنه الرئيس إنه لا يتوفر إلا في البلدان المتقدمة. في الوقت نفسه الذي استمر فيه في نفي سجن الصحافيين والتضييق عليهم، من دون إقناع كبير لمن يستمع إليه. لنكون أمام الحدث الثاني الذي ميز احتفالات هذه السنة. الذي كان وراءه الرئيس وهو يستقبل في ما أصبح يسمى باللقاءات الدورية مع رجال الإعلام والقليل من نسائه، الذي أخذ هذه السنة شكلا موسعا على غير العادة، من دون أن يغير في شكله الرسمي الذي يذكر الكثير من المشاهدين الجزائريين بجو الدراسة في مرحلتهم الابتدائية! لرجال إعلام في غاية الأدب – حتى لا أقول كلمة أخرى احتراما لبعض الزملاء منهم ـ وهم يرفعون أيديهم للحديث مع رئيس يعرفون أنه يتحكم في مصائرهم المهنية ومصائر مؤسساتهم، التي ترفض أن تبتعد عن مواقع الهشاشة التي يراد لها ألا تبرحها أكثر من نصف قرن من الإعلان عن التعدية الإعلامية في البلد.
جرائد لم تعد تقرأ من قبل المواطن الجزائري في الغالب الأعم، بل لا يوزعها أصحابها أصلا في الكثير من الأحيان، تحولت مع الوقت إلى وسيلة لإهدار المال العام من خلال الدور الذي تقوم به المطابع العمومية «السخية». ناهيك عن الإشهار الذي جاء مسؤولو هذه الجرائد لطلبه والحث على الاستفادة منه، كهدف أول لهذا اللقاءات التي يتبين لمن استمع إليها أن الرئيس يعرفهم بالاسم واللقب وأين يشتغلون، وما هي المؤسسات التي جاؤوا منها! لقاءات لم يتمكن الرئيس من الاستفادة منها في تحسين صورته أمام الرأي العام لحد الآن، نتيجة الشكل الذي تنظم به، والذي تغيب عنه العفوية التي كان يمكن أن يستفيد منها الرئيس لو ترك يتحدث مباشرة للجزائريين. رئيس لم يلتقوا معه مباشرة لحد الساعة منذ انتخابه نهاية 2020، نتيجة عدم خروجه في زيارات ميدانية لمناطق البلاد المختلفة، كما كان يفعل كل رؤساء الجزائر. غياب سيعيق الرئيس من الاستفادة من تلك العلاقة المباشرة التي يمكن أن يربطها مع الشعب، داخل نظام سياسي لم يغادر حالة الاضطراب التي لازمته منذ الحراك الشعبي، كان الرئيس ـ الشخص فيه على الدوام هو المؤسسة السياسية الأولى.
لقاء قدم فيه الرئيس العديد من النصائح لرجال الإعلام ونسائه، على غرار تنظيم أنفسهم في نقابات مهنية وتقليص عدد عناوينهم التي لن تبقى تصدر ليوم واحد لولا الإشهار العمومي الذي يوزع عليها، ولولا سخاء المطابع العمومي، اعتمادا على المال العمومي. رئيس أظهر خلال هذا اللقاء ما كان معروفا عنه، من معرفة بتفاصيل حال الإعلام الجزائري.. في نظام سياسي ريعي يحيي ويميت في الداخل، لم ينجح لحد الساعة في بناء مؤسسات إعلامية بإشعاع دولي تكون لصالح الجزائر في الخارج. وهي تسعى لتحقيق حضور دولي في ظرف صعب.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس