أفريقيا برس – الجزائر. أثارت الزيارة التي أداها وفدٌ إماراتي إلى النيجر ومالي، والحديث عن اتفاق أمني يتم بموجبه ضخ مسلحين كولومبيين لدعم القوات الحكومية المحلية، محاذيرَ جدية في الجزائر بشأن الأخطار المتصاعدة في المنطقة. لذلك، يجري حالياً مراجعة التركيبة البشرية المختصة، حيث تم استدعاء الجنرال عبد القادر آيت أوعرابي من التقاعد لتولي منصب قيادة الأمن الداخلي، بهدف الاستفادة من خبرته الواسعة في شؤون الأمن في الساحل والصحراء، ومن شبكة علاقاته مع النسيج الاجتماعي المحلي.
وقد أدى وزير الدولة في وزارة الخارجية الإماراتية، شخبوط بن نهيان آل نهيان، زيارة إلى دول الساحل المنضوية تحت لواء “تحالف دول الساحل”، وهي مالي والنيجر وبوركينا فاسو، أعقبتها زيارة لصدام حفتر، نجل قائد الجيش الليبي خليفة حفتر، وهو ما عزز التساؤلات حول دلالات تحرك أقطاب الحلف الجديد في المنطقة، ومسارات اللعبة الجيوسياسية الساعية لإعادة رسم معالم الخارطة الاستراتيجية.
تراقب الجزائر عن كثب التحركات المتسارعة في المنطقة، خاصة في ظل رجحان فرضية خلط الأوراق فيها. فأمام إصرار قوى إقليمية، مثل روسيا وتركيا، ومعهما دولة الإمارات العربية المتحدة وجناح بنغازي في السلطة الليبية، على إرساء محور استراتيجي جديد على حساب الأدوار التقليدية في المنطقة، وورقة الجوار التي يتقاسمها هؤلاء مع الجزائر، تتجه الأخيرة إلى مراجعة أوراقها الفاعلة، بما في ذلك الأدوات العملية التي كانت تمسك بخيوط التجاذبات والتفاعلات الأمنية والسياسية في الساحل والصحراء.
وتأتي الجولات المتتابعة لرموز المحور الجديد في سياق إقليمي مشحون، تطبعه علاقات متوترة على نحو غير مسبوق بين الجزائر والسلطات العسكرية في الساحل، وأزمات صامتة مع دولة الإمارات، والفصيل العسكري المتحكم في الشرق الليبي، وهو ما ترجمته ردود فعل جزائرية من خلال إجراء مناورات عسكرية بالذخيرة الحية في المناطق المقابلة للتراب الليبي، وبيان شديد اللهجة من التلفزيون الحكومي، وصف فيه دولة الإمارات بـ”الدولة المصطنعة”، وحكامها بـ”الأقزام واللقطاء”.
الأذرع الأمنية لحماية النفوذ
تُوِّجت زيارة الوفد الإماراتي إلى المنطقة بإبرام عدة اتفاقيات تعاون، تعكس سيادة الحكومات المحلية، وتعبر عن رغبة أبوظبي في الانفتاح على القارة الإفريقية، بحسب وسائل إعلام مالية. لكن المفاتيح الحقيقية تكمن في تعزيز التعاون الأمني والعسكري بين الطرفين، في إطار محور صلب يجري تجسيده انطلاقًا من الشرق الليبي إلى غاية بوركينا فاسو، والتأكيد على التعاون في مجال محاربة الإرهاب وإرساء الاستقرار في المنطقة. وهو ما تعتبره الجزائر قفزًا على الحقائق العملية والجغرافية، وحتى السياسية، بالنظر إلى أن تحالف الأزواد يُعد مكونًا اجتماعيًا وسياسيًا، وليس تنظيمات إرهابية أو انفصالية.
ورغم العزلة التي تحيط بالأنظمة الحاكمة في المنطقة، بسبب عدم اعتراف الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة بسلطاتها قبل العودة إلى المسار الانتخابي والمؤسساتي، فإن الفاعلين في المنطقة، مثل روسيا وتركيا والإمارات والمغرب، يُضفون على تلك الحكومات شرعية سياسية من خلال التعامل معها وإبرام الاتفاقيات خارج إرادة شعوبها، وهو ما يُغرق المنطقة في حالة من الاستنزاف والاستغلال غير المشروع للثروات والمقدرات الطبيعية.
تتهم الجزائر، في السنوات الأخيرة، دولة الإمارات العربية المتحدة بالتغلغل في مجالها الحيوي التقليدي، وخوض حملة تحريض وتأليب سياسية وإعلامية واقتصادية. وقد أشارت تقارير إعلامية جزائرية وتصريحات رسمية إلى وقوف أبوظبي وراء مخطط يستهدف وحدة البلاد واستقرارها، بدءًا من استضافة زعيم حركة استقلال منطقة القبائل “الماك”، فرحات مهني، وضخ مبالغ ضخمة لدعم وسائل إعلام وشبكات إلكترونية في دول الساحل للهجوم على الجزائر، فضلًا عن الاعتراض على تعيين وزير الخارجية السابق رمطان لعمامرة مبعوثًا أمميًا إلى ليبيا.
وذهبت وسائل إعلام جزائرية إلى وصف أبوظبي بـ”عاصمة التآمر”، بالنظر إلى تعبئة الأنظمة الحاكمة في دول الساحل لمناهضة الجزائر، والعمل على تطويقها من خلال الاستعداد لتمويل ما بات يُعرف بـ”مشروع المنفذ الأطلسي”، الذي أطلقه المغرب بدعوى توفير ممر استراتيجي يبدأ من دولة تشاد وينتهي في أقاليمه الجنوبية الساحلية، مرورًا بكل من النيجر ومالي وموريتانيا.
أنظمة غير شرعية ترهن ثروات شعوب الساحل
وبالموازاة مع اتهامها بالعمل على الإيقاع وتأجيج الأزمة القائمة، عززت الإمارات نوايا تغلغلها في المنطقة بالإعلان عن رغبتها في تمويل أنبوب الغاز الإفريقي الذي يربط نيجيريا بالمغرب، مرورًا بـ13 دولة إفريقية، بغلاف مالي يُقدَّر بـ25 مليار دولار، وهو ما عُدَّ منافسة شديدة لأنبوب الغاز الرابط بين نيجيريا والجزائر مرورًا بالنيجر، قبل أن يتم تعطيله بسبب الأزمة القائمة بين الجزائر ودول الساحل، وتحديدًا النيجر.
ومع تقاطع المصالح الاقتصادية والاستراتيجية لقوى إقليمية في منطقة الساحل، يُجرى التأسيس لمحور استراتيجي يقوم على تعاون شامل يتضمن الاقتصاد والتجارة والأمن والتسليح، تشترك فيه روسيا وتركيا والإمارات، وبدرجة أقل المغرب، وهو ما يمكن أن يُسهم في رسم خارطة جيوسياسية جديدة، يتم بموجبها فصل الشمال عن الساحل، وتشكيل حزام أفقي يصل القارة السمراء بالمحيط الأطلسي، ويُشكّل جدارًا يحاصر ما دون الصحراء إلى غاية أقصى الجنوب، لتتحول الحركة بشكل دائري أو أفقي، بدلًا من طابعها العمودي التقليدي.
وتتردد معلومات عن تنسيق أمني وعسكري في المنطقة بين الحكومات المحلية والحلفاء الجدد. فبعد تشكيل “الفيلق الإفريقي” المنبثق عن مجموعة “فاغنر” الروسية، وصفقات التسليح المبرمة بين الأتراك والمجلس العسكري الحاكم في مالي، لا سيما في مجال الطائرات المسيّرة، وتوجه وحدات من الجيش الليبي في بنغازي نحو المناطق الحدودية المتاخمة للجزائر ثم جنوبًا نحو النيجر، يجري الحديث عن اتفاق خلال زيارة الوزير الإماراتي، يقضي بنقل مجموعات من المرتزقة الكولومبيين إلى المنطقة.
ويرى متابعون لشؤون المنطقة أن الحضور العسكري والأمني لمختلف القوى الإقليمية في منطقة الساحل يعكس حدة التنافس على مواطئ النفوذ والمصالح والصفقات الاستراتيجية، المتعلقة بالموارد المنجمية والمواد النادرة كالذهب واليورانيوم، وأنه بات على كل بلد إدخال ذراعه العسكري من أجل الحفاظ على مصالحه وتأمينها.
مرتزقة كولومبيون على تخوم الساحل
تداولت معلومات متطابقة في الجزائر تغييرًا لافتًا وُصف بـ”المفاجئ”، يتعلق بتعيين الجنرال المتقاعد عبد القادر آيت أوعرابي (حسان) على رأس جهاز الأمن الداخلي، خلفًا للجنرال عبد القادر حداد (ناصر الجن). غير أن الضرورات المحيطة بالبلاد قد تكون دفعت السلطة إلى استعادة من كان يُوصف بـ”صقر الصحراء” من أريكة التقاعد إلى غرف العمليات.
وقال مصدر أمني فضّل عدم الكشف عن هويته إن “التغيير المذكور ينطوي على العديد من الدلالات الأمنية والاستراتيجية المستجدة داخليًا وإقليميًا، وأن إعادة الجنرال عبد القادر آيت أوعرابي إلى الواجهة يُؤشّر إلى نية في تعديل أوتار بعض الخيارات المتصلة بالأزمة مع فرنسا ودول الساحل”.
ولم يستبعد المتحدث أن تكون استعادة الجنرال المخضرم، المعروف بنشاطه وتحكمه في ملف الوضع الأمني على الحدود الجنوبية وحركية الجماعات المسلحة في الساحل والصحراء، خطوة للاستعانة بالحرس القديم لمعالجة العديد من القضايا والملفات المستجدة.
ويرى، في تصريحه لـ”أفريقيا برس”، أن “الجنرال (حسان) يُعرف بتحكمه في الملف الأمني لمنطقة الساحل والصحراء، وقدرته على اختراق مختلف التنظيمات المسلحة، بما فيها الجهادية، أثناء الحرب الأهلية التي عاشتها الجزائر بين عامي 1990 و2000، ولذلك فهو من الكفاءات الأمنية النادرة في الجهاز، التي تملك خيوطًا وعلاقات داخل نسيج الجماعات المسلحة في المنطقة، وتمكن أثناء خدمته من تطويق كميات ضخمة من الأسلحة والذخيرة، ثبت أنها ذات منشأ إقليمي، وتورط فيها عدد من الدول والأنظمة السياسية، وذلك غداة سقوط نظام معمر القذافي في ليبيا”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس