جزائريون يسقون “شجيراتهم” والمخربون انقرضوا من المشهد

جزائريون يسقون “شجيراتهم” والمخربون انقرضوا من المشهد
جزائريون يسقون “شجيراتهم” والمخربون انقرضوا من المشهد

أفريقيا برس – الجزائر. بعد مرور أسبوع من عمر مليون شجرة، هي حاليا في مرحلة فطام، في قلب الأرض، تنتظر الرعاية والسقي، لأجل أن يشتد عودها، قبل إزهارها، عادت “الشروق” السبت إلى العديد من ولايات الوطن عبر مراسليها لمتابعة ما بعد الغرس، حتى وإن كان أسبوع، لن يمنحنا أكثر من تقييم أولي، لواحدة من أهم عمليات التشجير في تاريخ الجزائر من حيث الكمية، والأهم والأجدى على الإطلاق من حيث النوعية والنتائج.

قرب الأقواس الرومانية في مدينة قسنطينة مقابل فندق “ماريوت”، وجدنا أربعة مراهقين من طلبة الثانوية يحملون دلاء بلاستيكية من سعة عشرة ليترات لكل واحد منهم، استقدموها بعربة صغيرة مجرورة، وهم بصدد سقي شجيرات كانت تبدو بطول نصف متر أو أقل.

يقول حسام الحنيف: هذه الشجيرات صارت مثل أصدقائنا، غُرست قبل عيد الشجرة بيومين، نحن من سكان حي جنان الزيتون المقابل للموقع الأثري، شاهدنا مسؤولين من مديرية الفلاحة يغرسون فتقدمنا منهم فمنحونا قرابة عشرين شجرة، غرسناها بطريقة سليمة، وقررنا أن نسقيها على القل مرة في الأسبوع، ونحن الآن للسبت الثاني على التوالي، نقوم بما اتفقنا عليه، وسنكون أوفياء لهذه الشجيرات حتى ولو تم تحويلنا إلى سكنات بعيدة، كما يُشاع”. ويشرح صديقه جواد: “صراحة مبادرة المليون، أفهمني بأن الاشجار التي أتمتع بها في غابة شطابة، إنما هي من غرس الأجداد، ومن حق الذين يأتون بعدنا أن يجدوا ما غرسناه جاهزا”.

الجميل في هؤلاء الشباب أنهم يعرفون نوع كل شجرة وما تطلبه منهم، حتى يكون نموّها سليما، والأجمل أن بعضهم بصدد تصوير فيديو وثائقي، من يوم الغرس إلى مراحل السقي، حتى تصبح الشجرة مورقة، وكما قال يستريح تحت ظلالها ليوم واحد ويتركها لبقية الناس.

إلا التخريب والحرق؟

من المناظر التي شاهدناها في حفاظ المواطنين أو متابعتهم عن بعد لنمو بعض أشجار الزينة في ولاية الطارف مثل “ميليا والجاكرنا والبوبسا”، أنهم مصرين على أن يعيشوا إزهارها، خاصة تلك التي تعطي ألوانا وردية أو بنفسجية، وأي عملية تخريب ستكون وخيمة على مرتكبها.

في قلب المدينة الجديدة علي منجلي قام صاحب مقهى باختيار اسم جديد للمقهى وهو “الجزائر الخضراء”، ويقدم مشروب النعناع والزعتر والحلبة والكثير من المشروبات المصنوعة من النباتات كما اختار بائع نباتات في المنطقة الصناعية اسما لمحله: “خضراء بإذن الله”.

الصور التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي عن سرقة بعض الشجيرات في مدينة سيدي عيسى بولاية المسيلة أثارت غضبا شديدا لدى المتابعين.

مجرد أن تتحول قضية اختفاء شجيرات غُرست حديثا إلى حديث الشارع، وقضية رأي عام هو دليل على أن الشجرة قد وجدت مكانا لها في قلب الناس.

فؤاد معلي ترك ما يشبه سبر الآراء، حول العدد المقترح من الاشجار للغرس، في عيد الربيع، في شهر مارس من سنة 2026،، فذكر المليونين والعشرة ملايين و45 مليون، والناس موازاة مع اهتمامهم بأشجارهم، يريدون تحدي أكبر فالمليون لم تكن كافية، وربما فصل الربيع أحسن للغراسة، ويمكن جعله يوما للفسحة والغرس، فتكون الهبّة أكثر نضجا خاصة أن أمام الناس، نتيجة الهبّة المليونية الاولى الناجحة في نهاية شهر أكتوبر.

في عنابة وبالضبط غير بعيد عن شاطئ عين عشير الساحر، تتنقل شاحنة تابعة للقطاع الحضري الخامس ببلدية عنابة، ثلاث مرات في اليوم،في حظيرة الاستراحة العائلات ربيعا وصيفا، لأجل سقي الأشجار الباسقة، وتلك التي تم غرسها في عيد المليونية الأخير.

يقول المكلف بالبيئة في القطاع: “لقد اخترنا تدعيم هذا المكان الخاص بالعائلات بمزيد من الأشجار، فاخترنا نفس الفصيلة وسنربح مسافة إضافية يتظلل تحت أشجارها السياح الذين يقصدون المكان.

عنابة قوتها في أزرقها وأخضرها، ففي قلب المدينة المواطنون من يتولون الرقابة والصيانة والحفاظ على الاشجار الجديدة والقديمة منها، وتتكفل البلدية بالسقي المنظم لكل الاشجار والساحات الخضراء ليلا من دون تقاعس.

يقول وليد وهو عامل بمديرية الغابات بعنابة، أنه شاهد مجموعة من الشباب يتوجهون إلى بلدية سرايدي الغابية عبر التليفريك وهم يحملون شجيرات من أجل غرسها، وهم يعودون بين يوم وآخر لسقيها بما يستطيعون من جهد.

النار؟.. يصمت السيد وليد ويقول:”ربما قمنا بعشرات أو مئات حملات التحسيس حول خطورة النار وضرورة تفاديها.. لكن حب الشجرة الذي ولّدته حملة المليون وتلاحم الدولة مع الشعب ودخول الجيش والأمن سندا للمبادرة، قد يكون الفيصل بين النار والسلام للغابة الجزائرية ورئتها التي تمنحنا الأكسيجين.

أزهار للبيع والبائع لا يدري

لكل مسار، عثرات، ولكل مبادرة خير، صيادو المياه العكرة. منذ نجاح تجربة غرس المليون شجرة، ظهرت بعض النماذج العجيبة من الانتهازيين الذين يريدون بيع منتجاتهم بالاستثمار في نجاح المبادرة الوطنية.

حيث يضعون صور وفيديوهات صاحب مبادرة مليون شجرة، وهو يطلب بتجميل المساكن والبساتين بالورود، ثم يقدمون منتجهم، وغالبيته من الزهور والنباتات المدعومة بأسعار، يقولون أنها مدروسة ومُخفّضة، ومع صور فؤاد تظهر أيضا جملا معروفة مثل الجزائر الخضراء وخضراء بإذن الله.

وسبق لفؤاد وأن تبرأ في مناسبات سابقة من صفحات، تحاول مغالطة الناس باسم جمعيته، ولكنها هذه المرة تطورت بشكل واسع وانتهازي مع الاحتيال على الناس، ودخل في الخط حتى مشارقة يقدمون سلعتهم من نباتات وزهور وتوابل باسم فؤاد وشعاراته.

مسؤول بمديرية التجارة بقسنطينة قال، إن مديرية التجارة ساعدت دائما تجار النباتات الطبيعية وفي السجل التجاري الخاص ببيع النباتات يتم التركيز على جملة “النباتات الطبيعية”، لكن للأسف بعض الباعة صاروا يبيعون الزهور البلاستيكية وأحيانا يبيعون باقات الورود التي تقدم في الأفراح وأعياد الميلاد، وحتى للمرضى في المستشفيات، خليط ما بين نباتات طبيعية وأخرى بلاستيكية، لكن الجديد أن هذه المحلات صارت تبيع أيضا بذور نباتات متنوعة، ومنها ذات المنشأ الإسكندنافي أو الآسيوي على أمل أن تعطي مبادرة المليون شجرة، نقل حب النبات من الطبيعة والشارع إلى البيوت حيث كانت إلى زمن قريب كل شرفة هي حديقة تسرّ الناظرين.

الذين شاهدناهم في يوم السبت المصادف لعيد الثورة التحريرية، يسقون الشجريات التي غرسوها، ذات يوم مليوني، كانوا من الجنسين ومن كل الأعمار، وهو ما يجعلنا على مشارف مبادرة أكثر عددا وبنوعية أعلى، وفي كل مرة يضاف صفر جديد على اليمين، وأرقام من الإصرار والتحدي نحو الأخضر.

إجمالا ظهرت بعض اللمحات المبشرة في عودة الوعي البيئي في أوساط الجزائريين فبعد سنوات عجاف تمكنت فيها النار والإسمنت من الطبيعة وحتى من قلب القرى والمدن، حتى كاد أخضر الأشجار يغيب من فسيفساء المدن الكثيرة في الجزائر، وتبدو مبادرة المليون شجرة قد حققت أهدافها أو على الأقل غالبية الأهداف.

المصدر: الشروق

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here