أفريقيا برس – الجزائر. أثار شعار “من أجل إعادة ابتكار الجزائر” الذي رفعه حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارِض، خلال أشغال مؤتمره السادس، جدلا واسعا في البلاد، حول المقصود بهذا المصطلح.
وعلى الطرف الآخر، بدأ الإعلام الحكومي في إضفاء مضمون على مشروع “الجزائر الجديدة” الذي يتبناه الرئيس عبد المجيد تبون من خلال الحديث عن “إنجازاته” داخليا وخارجيا.
نجح التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعروف اختصارا بـ”الأرسيدي”، في لفت الانتباه لأشغال مؤتمره السادس، ليس بسبب وصول النائب السابق عثمان معزوز المتوقع لسدّة الحزب خلفا لمحسن بلعباس، ولكن عبر اعتماده شعارا بدا غريبا لدى البعض “إعادة ابتكار الجزائر”. ولئن كان هذا الشعار في الأصل مكتوبا بالفرنسية وترجمته لا تعبر بدقة عن معناه الأصلي، إلا أنه خلّف من ورائه تأويلات وتفسيرات عدة حول المقصود به، خاصة وأن ما يتبناه حزب ذو توجه علماني يناضل من أجل التمكين للهوية الأمازيغية، وهو ما يجعله تلقائيا في خصومة مع التيارات ذات التوجه العروبي أو الإسلامي في الجزائر، والتي تنظر لمسائل الهوية من زوايا أخرى مختلفة تماما عنه.
وفي تعريفه لهذا الشعار، قال محسن بلعباس رئيس “الأرسيدي” المنتهية ولايته، في خطابه الأخير، إن “إعادة ابتكار الجزائر تعني أولاً وقبل كل شيء تشخيص لعمليات المحاسبة والمراجعة التي يجب إجراؤها بجدية، وتعني رسم أهداف طموحة وخلق الظروف المواتية لتحقيقها، وتعني ضمان العيش في بلد يستطيع أطفالنا تحقيق ذواتهم فيه، وليس بلدا يفرّون منه، وتعني تبني منظومة حكم ناجعة تقوم على الاستكشاف والشفافية والتخطيط واعتماد الخيارات وفقاً للاحتياجات الحقيقية للسكان”.
وأضاف أن “إعادة ابتكار الجزائر تعني نمطا جديدا لإدارة الشؤون العامة على أساس الشفافية، وتعني إجراء إصلاحات هيكلية كاملة وعميقة لاقتصادنا، والسعي وراء الفعالية في الاستثمار ومنح هيئات الضبط استقلالية القرار ومهام واضحة، وتعني وضع الثقة في شباب هذا البلد والأجيال الجديدة، وتشجيعها على أخذ مصيرها بأيديها، وتعني الخروج من عهد التسيير بالمراسيم وإقامة منظومة حكم ديمقراطية، وتعني الوصول إلى تشكيل حكومة من الشعب وبالشعب وللشعب، وهذا يعني بناء أمة قوية ومزدهرة في خدمة الشعب، وهذا يعني في الأخير تأسيس دولة القانون”، واختتم تعريفه بالقول: “هذا في رأيي أفضل تكريم نكرّم به شهداءنا الذين ضحّوا بأرواحهم من أجل استقلالنا”.
ورغم المضمون السياسي الذي اجتهد محسن بلعباس في إصباغه على المصطلح، إلا أن ثمة من توقفوا عند معناه اللغوي الذي يسيء حسبهم لتاريخ الجزائر. وكتب الأستاذ الجامعي قويدير قيطون، في هذا الشأن معلقا على فيسبوك: “ألا يستدعي ما حدث في مؤتمر الأرسيدي تحرك وزارة الداخلية ليس فقط للتحقيق في وجود راية أخرى تزاحم الراية الوطنية في هذا اللقاء؛ ولكن للتحقيق في الشعار الخطير الذي تبناه هذا المؤتمر ودلالاته”. وأضاف: “ألا يتناغم هذا الشعار الذي أعلنه حزب يحوز على ترخيص الدولة مع ما صرح به ماكرون من قبل بأنه لا وجود لما يسمى بالجزائر قبل مجيء فرنسا، وهاهو الحزب يريد أن يبتكر لنا جزائر على مقاسه؟”.
من جانبه، طرح الكاتب الصحافي رياض هويلي عدة تساؤلات حول معنى الشعار وما يرمي إليه. وكتب يقول: “هل اقتنع الأرسيدي من خلال هذا الشعار أن مسألة تغيير نظام الحكم التي ظلت أبرز عناوين أدبيات الحزب السياسية تجاوزها الزمن ولم تعد تفي بالغرض؟ هل تعداه الأمر إلى هيكل الدولة برمته؟”. وطرح الكاتب في خضم تساؤلاته عدة تخمينات: “ما هو بديل الجزائر الحالية الذي يقترحه التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية في مؤتمره السادس؟ بمعنى أدق: كيف ستكون ملامح الجزائر، التي سيعاد ابتكارها من قبل الأرسيدي؟ هل الجزائر، التي يسعى إلى إعادة إبتكارها، تمر عبر تفكيك الجزائر الحالية، وإعادة تشكيل الجزائر المبتكرة، وفق فكر جديد، وسلوكات جديدة، ونظام جديد ومواطن أو مواطنين جدد؟”.
وبالموازاة مع هذا النقاش، اختارت وكالة الأنباء الجزائرية أن تقدم على طريقتها لمحة عن إنجازات “الجزائر الجديدة”، وهو الشعار الذي يرفعه الرئيس عبد المجيد تبون. وقالت الوكالة الرسمية في برقية بعنوان “الجزائر تستعيد مكانتها”، إن رئيس الدولة بمجرد انتخابه، أطلق فورا “ورشات مؤسساتية واقتصادية وسياسية سعيا لتغيير ممارسة الحكم وإعادة النظر في نموذج ديمقراطي متعثر، إلى جانب إعطاء روح جديدة لجهاز دبلوماسي غير فعال”.
وأضافت أن الرئيس تبون تمكن في وقت قصير للغاية من إعادة الجزائر إلى الساحة الدولية لتستعيد البلاد بذلك مكانتها في المحافل الدولية. واعتبرت أن الجزائر تسهر تحت قيادة الرئيس تبون على البقاء في قلب اللعبة الدولية بتواجدها في جميع الملفات الإقليمية والدولية، وهي اليوم بالفعل “تتحرك على جميع الجبهات إذ تستعد لتنظيم قمة هامة للبلدان العربية وهي قمة تعد وتصبو لأن تكون جامعة، لا سيما في هذه الظروف المتسمة باضطرابات كبيرة”. وأضافت أن الرئيس تبون أصبح في ظل بروز نظام عالمي جديد، مرجعا لنظرائه من أجل إعادة بعث حركة عدم الانحياز.
وحرص التلفزيون العمومي، على نشر البرقية كاملة في تقرير مرفق بصور الرئيس تبون مع رؤساء وقادة الدول التي زارها في الخليج ومصر وتركيا وإيطاليا، ومن استقبلهم في الجزائر. وسبق لوكالة الأنباء التي تمثل مرجعا لكل وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، أن مهدت قبل أسابيع لمبادرة “لم الشمل” وكتبت أن الرئيس تبون يده ممدودة للجميع. وتتزامن هذه الحملة المشيدة بالرئيس مع قضائه منتصف مدة ولايته في الحكم، مما جعل بعض القراءات تشير إلى أن ما يجري قد يكون مقدمة لرغبته في البقاء لولاية ثانية مثلما يتيحه له الدستور.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس