رضوان دردار: حادثة الفتيان السبعة ناقوس إنذار للجميع

2
رضوان دردار: حادثة الفتيان السبعة ناقوس إنذار للجميع
رضوان دردار: حادثة الفتيان السبعة ناقوس إنذار للجميع

أفريقيا برس – الجزائر. يُعد الإعلامي والأكاديمي الجزائري رضوان دردار من الرعيل المتمسك بالموضوعية في تحليل وتفكيك الظواهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية والإقليمية، بعيدًا عن المزاج الذاتي والخلفية المؤدلجة. ولذلك، يقدم في مجاله رؤى وتصورات تلمّ بمختلف الزوايا دون مواربة أو خجل.

وإذا لم يستبعد فرضية التوظيف السياسي لعدد من الحوادث المثيرة للجدل في الجزائر خلال الأسابيع الأخيرة، على غرار ما بات يُعرف بـ”فرار الفتية السبعة” إلى إسبانيا، والباص الذي انحرف إلى وادي الحراش بالعاصمة وأودى بحياة عشرين ضحية، فإنه لم يتوانَ في تحميل المسؤولية لجميع القطاعات الشريكة في الموضوع.

وفي حواره مع “أفريقيا برس”، دعا إلى وضع مقاربة شاملة لمعالجة ظاهرة الهجرة غير النظامية، تضمّ كل الفاعلين والقطاعات، لا سيما وأن الظاهرة لم تعد مشكلة جزائرية صرفة. ولذلك، يعتبر أن الردع والتشدد لا يكفي وحده، ويستوجب مشاركة الجميع في تفكيك أسباب ودلالات الظاهرة.

الشارع الجزائري في حالة ذهول من حادثة الفتية السبعة الذين فرّوا إلى إسبانيا، ما هو تعليقكم وما هي الدلالات برأيكم؟

أثارت حادثة فرار سبعة فتية جزائريين إلى الضفة الإسبانية حالة من الذهول والتساؤل في أوساط الرأي العام الوطني، لما تحمله من دلالات اجتماعية وثقافية ونفسية تستدعي تحليلًا عميقًا ومتوازنًا، يتماشى مع معطيات الواقع الوطني والتحديات التي تواجه فئة الشباب في الجزائر.

أولًا، من الضروري التأكيد على أن هذه الحادثة ليست معزولة، بل تعكس ظاهرة اجتماعية أوسع تُعرف بـ”الهجرة غير النظامية”، والتي أصبحت تشكّل هاجسًا مشتركًا لدول الجنوب والشمال على حدّ سواء.

غير أن التعامل مع هذه الظاهرة ينبغي أن يكون علميًا، بعيدًا عن التهويل أو التسييس، مع التركيز على الأسباب العميقة والديناميكيات المعقّدة التي تدفع بعض الشباب إلى اتخاذ قرارات محفوفة بالمخاطر، في لحظات يغيب فيها الوعي الكافي بعواقبها القانونية والإنسانية.

من منظور سوسيولوجي، تعكس هذه الواقعة تحديات متعلقة بالاندماج الاجتماعي، وبناء الطموح الشخصي ضمن البيئة المحلية، حيث تظهر الحاجة إلى تعزيز دور المدرسة، والأسرة، ومؤسسات التنشئة الاجتماعية، في ترسيخ قيم المواطنة، والانتماء، والثقة في الذات والوطن. كما تؤشر الحادثة إلى ضرورة تعميق آليات الإنصات للشباب، وفهم تطلعاتهم المستقبلية، في ظل عالم متغير وسريع التأثير بفعل العولمة الرقمية.

وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن الدولة الجزائرية تولي أهمية بالغة لفئة الشباب، باعتبارهم ركيزة أساسية في مشروع بناء الجزائر الجديدة، كما يتجلى ذلك في السياسات العمومية المتعلقة بالتشغيل، ودعم المقاولات الناشئة، وتطوير المهارات، وتوسيع آفاق المشاركة السياسية والثقافية للشباب. وهو ما يعكس الإرادة السياسية في مرافقة هذه الفئة عبر مقاربة شمولية تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والنفسية.

من جهة أخرى، فإن هذه الحادثة تفرض على مختلف الفاعلين، من باحثين وأكاديميين ومجتمع مدني، واجب التحليل الموضوعي والتفكير الاستباقي في الحلول المستدامة، عبر تعزيز التربية على الأمل، وتحصين النشء ضد الخطابات السلبية، مع فتح قنوات واقعية لتحقيق الذات ضمن الوطن، وليس خارجه.

وخلاصة القول، إن حادثة الفتية السبعة تدق ناقوس التنبيه إلى أهمية الاستثمار في الإنسان، وخاصة في فئة اليافعين، من خلال مقاربات متكاملة تزاوج بين التنمية الشاملة وبناء الثقة في المستقبل، في إطار مشروع وطني جامع، يضع الشباب في قلب معادلة التغيير والنهوض.

حركة الهجرة السرية في تفاقم، لكن الظاهرة لا زالت في حكم المسكوت عنها، برأيكم ما هي المقاربة الناجعة لمعالجة الظاهرة؟

رغم تفاقم ظاهرة الهجرة السرية في الجزائر، إلا أن تعاطي الفضاءين الإعلامي والسياسي معها لا يزال في كثير من الأحيان خجولًا، وكأنها من القضايا المسكوت عنها، إما تجنبًا للحرج أو خوفًا من التأويلات. غير أن استمرار الصمت أو المعالجة السطحية لن يزيد الظاهرة إلا تفشيًا، خاصة مع التحولات الرقمية التي تروّج لأوهام الفردوس الأوروبي وتُضعف مناعة الانتماء الوطني لدى فئة واسعة من الشباب.

من منظور أكاديمي، الهجرة غير النظامية ليست فقط نتيجة لظروف اقتصادية صعبة، بل هي تعبير عن أزمة ثقة مركبة: ثقة بالنفس، وثقة في المستقبل، وثقة في مؤسسات الدولة. وبالتالي، لا يمكن اختزال المقاربة في الجانب الأمني أو الزجري، بل يجب تبنّي مقاربة شمولية متعددة الأبعاد: تنموية، تربوية، نفسية، ورقمية. لا بد من معالجة الأسباب الجذرية التي تدفع الشباب إلى خيار “الحرقة”، بدءًا من تعزيز تكافؤ الفرص، ومرورًا بإعادة الاعتبار للمدرسة ودور الأسرة، وصولًا إلى فتح مسارات حقيقية للاندماج الاقتصادي والاجتماعي.

أما من الجانب الإعلامي، فإن دور الإعلام يجب أن يتحرر من التناول الموسمي أو العاطفي للظاهرة. نحن بحاجة إلى إعلام استقصائي وتوعوي يُنير الرأي العام بالمعطيات الواقعية، ويُسهم في تفكيك الخطابات الزائفة التي تُجمّل الهجرة السرية، وفي الوقت نفسه يُبرز البدائل المتاحة داخل الوطن، من فرص تشغيل وتمويل مشاريع شبابية، وتجارب نجاح محلية ملهمة. كما ينبغي تعزيز الخطاب الإعلامي الذي يُعيد الاعتبار لقيمة المواطنة والانتماء، لا ذاك الذي يُرسّخ صورة الوطن كعبء.

خلاصة القول، إن معالجة ظاهرة الهجرة السرية تتطلب إرادة سياسية، ورؤية مجتمعية، وجرأة إعلامية، وتحليلًا علميًا معمقًا. هي مسؤولية الجميع: الدولة، الأسرة، المدرسة، المجتمع المدني، والنخب الثقافية والإعلامية. وإذا أردنا فعلًا التصدي لهذه الظاهرة بشكل ناجع، علينا أن نُعيد طرح السؤال التالي بجرأة: كيف نبني مشروعًا وطنيًا يُقنع الشباب بالبقاء، لا بالفرار؟

ذريعة المؤامرة والتوظيف السياسي شأنها في ذلك شأن حادثة حافلة وادي الحراش، إلى أي مدى يمكن الاعتداد بهذا التعليل؟ وأين تبدأ مسؤولية الأطراف الأخرى، خاصة الهيئات الرسمية؟

في ظل ما شهده الرأي العام من تفاعل واسع، بل وصادم، مع حادثة حافلة وادي الحراش، عاد مجددًا إلى الواجهة الخطاب الذي يُحذر من المؤامرات والتوظيف السياسي للأحداث، وهي نغمة تكررت في محطات مشابهة، وهو أمر لا يمكن تجاهله في ظل بيئة إقليمية ودولية متقلبة، وسياق داخلي يتطلب الكثير من الحذر الإعلامي والسياسي.

كإعلامي، لا يمكنني إغفال حقيقة أن الجزائر كانت – ولا تزال – مستهدفة بمحاولات التشويش والتأثير على استقرارها، وأن استغلال الحوادث الاجتماعية عبر منصات أجنبية أو جهات مشبوهة هو أمر موثّق ولا يحتمل الجدل. إذ غالبًا ما تُحوَّر هذه الوقائع لتغذية حملات تضليلية تمس بصورة الدولة ومؤسساتها، خاصة في الفضاء الرقمي المفتوح.

غير أن الاعتداد بتفسير “المؤامرة” لا يُغني ولا يُعفي من مسؤولية داخلية موضوعية، يجب على الجميع أن يتحملها، وعلى رأسهم الهيئات الرسمية، سواء من حيث الاستجابة السريعة للأحداث، أو التواصل الفعّال مع الرأي العام، أو تعزيز الشفافية في المعالجة. فالصمت الرسمي أو الردود المتأخرة تترك فراغًا إعلاميًا يُملأ تلقائيًا بالقراءات العاطفية أو المغرضة، ما يمنح خصوم الدولة فرصة للتشكيك وإثارة البلبلة.

الجزائر الجديدة، كما عبّر عنها رئيس الجمهورية، تعتمد على الصراحة والمصارحة في بناء علاقة ثقة بين المواطن ومؤسساته، وهذه الثقة لا تُبنى بالإنكار أو التبرير، بل بالاعتراف بالمواطن كشريك فعلي في الرقابة والمساءلة، وتطوير أداء المرفق العمومي، لا سيما فيما يتعلق بالخدمات الحساسة كالنقل، الصحة، والتعليم.

لذلك، فإن المقاربة الإعلامية المسؤولة يجب أن تكون ثنائية: من جهة، فضح محاولات التوظيف السياسي والمؤامرات الهادفة لزعزعة الاستقرار؛ ومن جهة أخرى، ممارسة نقد بنّاء ومهني لتصحيح الاختلالات وتحديد المسؤوليات، من دون تهويل أو تهوين. وهي المقاربة التي تليق بإعلام وطني واعٍ، يواكب تطلعات المواطن، ويقف في صف المصلحة العليا للدولة.

في النهاية، لا تناقض بين الحذر من المؤامرة والاعتراف بالتقصير الداخلي. بل إن القوة المؤسساتية الحقيقية تظهر عندما تتحول الأزمات إلى فرص للإصلاح، والاحتجاجات إلى منبهات سياسية واجتماعية. وهنا تبدأ المسؤولية الحقيقية للهيئات الرسمية: في الإنصات، والتحرك، والتوضيح… قبل أن يتكلم الآخرون باسمها.

احتضنت الجزائر فعاليات الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية في إفريقيا، وبغض النظر عن ظروف التنظيم والتسويق الإعلامي، هل يمكن الحديث عن نجاح اقتصادي وتجاري تقتنص فيه 20 بالمائة من مجموع صفقات المعرض، ومقومات إنتاج محلي قابل للتصدير؟

أرى أن احتضان الجزائر للطبعة الرابعة من معرض التجارة البينية الإفريقية لم يكن مجرد حدث اقتصادي عابر، بل هو تموقع استراتيجي مدروس يعكس تحوّلًا في النظرة الاقتصادية الجزائرية تجاه القارة، وتأكيدًا على نية حقيقية للانخراط في ديناميكية الاندماج الإفريقي، بما يتجاوز شعارات التضامن التقليدية إلى شراكات تجارية واستثمارية ملموسة.

من منظور إعلامي، ورغم بعض النقائص في التسويق الإعلامي والتغطية الاتصالية للحدث، لا يمكن إنكار أن اقتناص الجزائر لنحو 20 بالمائة من إجمالي صفقات المعرض هو رقم لافت ومؤشر قوي على وجود مقومات حقيقية للإنتاج المحلي القابل للتصدير. هذا النجاح ليس فقط رقمًا تجاريًا، بل رسالة سياسية واقتصادية مفادها أن الجزائر لم تعد تكتفي بدور السوق أو الوسيط، بل تسعى لتكون فاعلًا اقتصاديًا له وزن حقيقي في إفريقيا الجديدة. لكن الأهم من الحدث ذاته، هو ما بعد المعرض.

الإعلام المهني مدعو اليوم لطرح السؤال الأعمق: هل لدينا منظومة مستدامة لدعم المؤسسات المصدّرة؟ هل البيئة اللوجستية، القانونية، والمالية مهيأة لمرافقة هذا التوجه؟ وهل الخطاب الإعلامي المواكب يعكس فعلاً هذه الديناميكية، أم ما زال رهين تغطيات مناسباتية؟

من جانب آخر، لا بد من الاعتراف بأن الصناعة الوطنية بدأت تُراكم تجارب تصديرية واعدة، خاصة في قطاعات مثل الأدوية، الصناعات الغذائية، المواد الكهرومنزلية، وبعض الخدمات الرقمية.

لكن هذه النجاحات تحتاج إلى رؤية اتصالية استراتيجية تروّج للمنتوج الجزائري داخل القارة، وتكسر الصور النمطية حول الاقتصاد الوطني. وفي المحصلة، نعم، يمكن الحديث عن نجاح اقتصادي وتجاري نسبي في هذا المعرض، شرط أن يُستثمر الحدث في بناء منظومة تصدير متكاملة، تتناغم فيها الجهود السياسية والاقتصادية والإعلامية، ليصبح “المعرض” ليس نهاية الإنجاز، بل بداية مسار تصديري دائم نحو عمقنا الإفريقي.

طوى الرئيس تبون عامًا من ولايته الرئاسية الثانية، برأيكم لمن تميل الكفة: لتجسيد التعهدات الـ 54 التي أطلقها في حملته عام 2019، أم لتفاقم الانتظارات المختلفة والمطالب الاجتماعية والاقتصادية؟

بعد عام من بداية ولايته الرئاسية الثانية، يمكن القول إن الرئيس عبد المجيد تبون يمضي بثبات في مسار تجسيد تعهداته الـ 54، رغم التحديات الداخلية والخارجية. سياسيًا، تم استكمال بناء مؤسسات الدولة المنتخبة وتعزيز مبدأ الشفافية والمحاسبة. اقتصاديًا، برزت مؤشرات إيجابية على صعيد تنويع الاقتصاد، جذب الاستثمارات، واستقرار المؤشرات المالية الكبرى.

في المقابل، تبقى الانتظارات الاجتماعية، خاصة ما تعلق بالقدرة الشرائية، التشغيل، والسكن، حاضرة وبقوة، ما يفرض تسريع وتيرة الإنجاز على المستوى المحلي.

الرئيس تبون أظهر التزامًا واضحًا بإرساء دولة عصرية وذات سيادة، عبر مقاربة تقوم على الإصلاح العميق لا المعالجات الظرفية. الإعلام الوطني يواكب هذه التحولات، لكنه مطالب بلعب دور أكبر في توعية المواطن وتفسير التوجهات الكبرى للدولة. وباختصار، الكفة تميل نحو تحقيق التعهدات، لكن مواصلة الإصلاح تتطلب تفعيلًا أقوى للأداء الميداني من طرف جميع الفاعلين.

تمر العلاقات الجزائرية–الفرنسية بأزمة غير مسبوقة منذ صائفة عام 2024، برأيكم ما هي السيناريوهات المحتملة والمخارج الممكنة للأزمة؟

تمر العلاقات الجزائرية–الفرنسية فعلًا بمرحلة توتر غير مسبوقة منذ صيف 2024، نتيجة مواقف وتصريحات وملفات حساسة مست السيادة الوطنية والذاكرة التاريخية. ورغم حدة الأزمة، فإن الجزائر، بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون، تظل متمسكة بعلاقات متوازنة تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

السيناريوهات المحتملة تتراوح بين استمرار البرود الدبلوماسي على المدى القصير، وعودة تدريجية للتواصل المشروط بتغيير في الخطاب والمواقف الفرنسية. أما المخرج الممكن، فيكمن في إعادة بناء الثقة على أسس جديدة، بعيدة عن الإرث الاستعماري والتعامل الفوقي، مع احترام مصالح الجزائر وخياراتها السيادية، خاصة في ملفات الأمن والهجرة والذاكرة.

الكرة اليوم في ملعب باريس لإثبات نواياها، والجزائر أثبتت أنها دولة قوية وواضحة في مواقفها، تنفتح حين يُحترم قرارها، وتُدافع بحزم عن سيادتها حين تُستفز.

تعيش الجزائر في محيط إقليمي ملتهب، خاصة في الجنوب، هل يكفي مشروع التعبئة العامة لتأمين البلاد من الأخطار المحدقة، أم هناك خيارات أخرى؟

تعيش الجزائر بالفعل في محيط إقليمي غير مستقر، خاصة في الجنوب حيث تتزايد التهديدات الأمنية بفعل الإرهاب والجريمة المنظمة والنزاعات المسلحة في دول الجوار. وفي هذا السياق، يُعد مشروع التعبئة العامة خيارًا استراتيجيًا لتعزيز الجبهة الداخلية واليقظة الوطنية، لكنه ليس الخيار الوحيد.

الجزائر تعتمد مقاربة شاملة، تمزج بين الجاهزية العسكرية، والاستقرار السياسي، والتنمية بالمناطق الحدودية، والتعاون الإقليمي، دون الانخراط في أي محاور أو تدخلات خارجية.

قوة الجزائر في وحدة شعبها، وعقيدتها الأمنية المستقلة، وهي ملتزمة بحماية سيادتها بكل الوسائل المشروعة، في إطار سياسة دفاعية وواقعية، تأخذ بعين الاعتبار طبيعة التهديدات وتعقيدات الإقليم.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here