رمطان لعمامرة.. دبلوماسي صامت في رحلة “ذهاب وعودة”

4
رمطان لعمامرة.. دبلوماسي صامت في رحلة
رمطان لعمامرة.. دبلوماسي صامت في رحلة "ذهاب وعودة"

أفريقيا برس – الجزائر. مع إعلان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تحييد وزير الخارجية رمطان لعمامرة، في خطوةٍ لم تكن هي الأولى في تجربته، يُنهي الرجل مساراً سياسياً مليئاً بالتقلبات في المناصب، التي كانت سبباً في جعله السياسي “المعاد تعيينه” عند حاجة بلاده إلى “ترميم أزماتها” مع المجتمع الدولي.

يتحدر لعمامرة من بجاية في منطقة القبائل (الأمازيغ)، شرقي الجزائر، ولد عام 1952، وبسبب الترجمة الخاطئة لاسمه من الفرنسية إلى العربية، تغير اسمه من رمضان إلى رمطان، وبقي معه حتى هذه اللحظة. تخرج من الفرع الدبلوماسي لمدرسة الإدارة التي تتولى تكوين الموظفين الحكوميين عام 1976، وفي أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1989، بدأ لعمامرة مساره الدبلوماسي عندما عُين سفيراً للجزائر لدى إثيوبيا وجيبوتي، كما تولى منصب المندوب لدى منظمة الوحدة الأفريقية في يناير/ كانون الثاني من عام 1992، قبل أنّ يُنقل كسفيرٍ للجزائر في النمسا، ويصبح ممثلها لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية بفيينا.

خلال السنوات الخمس الأولى من العمل الدبلوماسي، اكتسب لعمامرة خبرةً دفعت الحكومة الجزائرية إلى تعيينه في عام 1993 رئيساً للبعثة الجزائرية في الأمم المتحدة بنيويورك، وبقي حتى عام 1996، وتولى منصب سفير الجزائر في الولايات المتحدة الأميركية حتى نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1999، وهي الفترة التي كانت الجزائر تعيش فيها أزمة دموية.

لعب لعمامرة دوراً في إقناع واشنطن برفع الحظر على بيع الأسلحة إلى الجزائر لمحاربة الإرهاب، وقدم حينها مداخلة في فبراير/ شباط من عام 1998 في الكونغرس الأميركي حول الوضع في الجزائر، كما عمل كسفير في البرتغال بين سنتي 2004 و2005، قبل أنّ يكون أميناً عاماً لوزارة الخارجية حتى عام 2007، وفي عام 2008 انتُخب رئيساً لمفوضية السلام للاتحاد الأفريقي حتى عام 2013.

في سبتمبر/ أيلول من عام 2013، وقع تعيين لعمامرة وزيراً للخارجية للمرة الأولى، إذ كان الرجل قادماً من أروقة الأمم المتحدة والمحافل الدولية، واكتسب فيها ومنها خبرته، وحاول الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة الاستفادة من تلك الخبرة، ومن علاقاته الواسعة التي شكلها في الخارج، وخاصةً أنّ تلك المرحلة كانت حرجة بالنسبة لبوتفليقة، إذ بدأ في الغياب والتواري عن المشهد نتيجة تعرضه لوعكة صحية ألمت به منذ عام 2013.

مع تعقد الوضع الصحي لبوتفليقة وسيطرة شقيقه السعيد بشكل تدريجي على السلطة، تم الدفع برجل ثان إلى وزارة الخارجية، وهو عبد القادر مساهل، الذي عُين كاتباً للدولة ومكلفاً بالعلاقات المغاربية والأفريقية، وأحدث ذلك منافسة غير معلنة بين مساهل ولعمامرة، إلى أنّ تم تعيين مساهل وزيراً مكلفاً بالعلاقات مع الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والمغرب العربي، وهو ما دفع لعمامرة إلى التنحي في يونيو/ حزيران من عام 2017. وكسب الأخير حينها تعاطفاً من النخب السياسية والدبلوماسية بسبب طريقة استبعاده.

خلال فترة فراغه السياسي، انشغل لعمامرة بالعمل ضمن ما يُعرف بمجموعة الأزمات الدولية، للاستفادة من خبرته في تجارب إحلال السلام وبناء الأمن الإقليمي والدولي، لكن اندلاع الحراك الشعبي في الجزائر في 22 فبراير/ شباط من عام 2019، الذي وضع السلطة في مأزق كبير، فرض على السلطة إعادة استدعاء لعمامرة إلى الرئاسة كمستشار دبلوماسي للرئيس بوتفليقة، ثم إلى الحكومة للمساعدة في تفسير الوضع الجزائري لمختلف الأطراف الدولية، وفي 11 مارس/ آذار، تمت الإطاحة بحكومة أحمد أويحيى تحت ضغط الشارع، وعُين لعمامرة وزيراً للخارجية ونائباً لرئيس الحكومة (نور الدين بدوي)، وخلال تلك الفترة قام لعمامرة بجولات عدة إلى بروكسل وموسكو وواشنطن لشرح وطمأنة القوى الدولية بشأن تطورات الوضع في الجزائر، لكن هذا التعيين لم يدم سوى 20 يوماً فقط، ففي 31 مارس/ آذار تقرر تغيير الحكومة لتنتهي مهام الرجل مجدداً.

تعرض لعمامرة خلال هذه الفترة إلى انتقادات حادة من الحراك الشعبي، ليس فقط لكونه قبل العمل في حكومة مرفوضة من قبل الشارع في أوج الحراك الشعبي، ولكن أيضاً لكونه حاول تدويل الوضع وإشراك قوى دولية في الموقف الجزائري، وكذا دفاعه عن نظام بوتفليقة في الخارج، بالرغم من كل نكبات الفساد التي كان عليها. كما تعرض في تلك الفترة لهجوم سياسي حاد من قبل قوى التيار الإسلامي في الجزائر، بسبب تصريحاته في عواصم غربية بأن رحيل بوتفليقة قد يفتح الباب واسعاً لصعود وهيمنة الإسلام السياسي في البلاد، وهو ما دفع رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، ورئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة، إلى الرد عليه بشكل حاد واتهامه بالتزييف.

يخرج لعمامرة مرة أخرى من الحكومة في 31 مارس/ آذار في عام 2019، خاصة لكونه محسوبا على جناح القائد السابق لجهاز المخابرات الفريق محمد مدين (المعروف باسم توفيق)، والذي كان حينها في مواجهة مع قائد أركان الجيش الراحل قايد صالح، الذي استقدم السفير صبري بوقادوم من نيويورك لخلافة لعمامرة، وفي عام 2020 حاولت الأمم المتحدة التقاطه بعدما اقترحه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس لشغل منصب مبعوثه الخاص إلى ليبيا، ووافق لعمامرة، لكنه أعلن في إبريل/ نيسان من عام 2020 سحب موافقته على العرض الأممي بسب اعتراضات فرنسية ومغربية حالت دون ذلك، وفي الفترة نفسها أصبح لعمامرة عضواً في مجموعة الأزمات الدولية وفي معهد استوكهولم الدولي للسلام.

بعد عام ونيف من تحييده في يوليو/ تموز من عام 2020، أعاد الرئيس عبد المجيد تبون استدعاءه إلى الحكومة مجدداً، ليعين للمرة الثالثة كوزير للخارجية. وبالنسبة إلى السلطة السياسية الجديدة في الجزائر، فإن لعمامرة كان يمثل رهاناً مناسباً بحكم الثقل الدبلوماسي وعلاقاته وحضوره في المحافل الدولية، للمساعدة على العبور من فترة ما بعد الحراك، وفعلاً ساعد لعمامرة في إنجازات مهمة على الصعيد الإقليمي والدولي للرؤساء السابقين، وفي تنسيق المواقف بالشكل المطلوب مع قوى اختارت الجزائر أنّ يكونوا ضمن أولوية شركائها.

يستخدم لعمامرة “دبلوماسية الابتسامة”، ولا يُدلي بتصريحات وحوارات كثيرة، وهي سمة غالبة على الدبلوماسية الجزائرية، وهو ما يمنحه صفة الانضباط المثالي والتماهي في تأدية الدور الوظيفي والمسؤولية الدبلوماسية، ويُفسر ذلك إلى حدّ بعيد قبوله المتكرر الذهاب والعودة إلى وزارة الخارجية لثلاث مرات، مع ذلك قد تكون هذه المغادرة هي الأخيرة بالنسبة إلى لعمامرة، ما لم تستدعه الحاجة إلى تسوية وضع الجزائر في المحافل الدولية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here