زيارات تبون الخارجية.. الاقتصاد قبل الأمن والسياسة

8
زيارات تبون الخارجية.. الاقتصاد قبل الأمن والسياسة
زيارات تبون الخارجية.. الاقتصاد قبل الأمن والسياسة

عثمان لحياني

أفريقيا برس – الجزائر. تبرز الزيارات الأخيرة التي قام بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إلى كل من روسيا والبرتغال وإيطاليا وتركيا وقطر والكويت، ومجموع الفعاليات المصاحبة لهذه الزيارات، وجود تحوّل في الأهداف الأساسية من الزيارات الخارجية، والتي باتت تضع الاقتصاد وشراكات التنمية والتجارة، العنوان الأساس، وكأولوية قبل مسائل الأمن والسياسة.

وتجري الجزائر إعادة تقييم سياسي واقتصادي لعلاقاتها الإقليمية والدولية في المرحلة الحالية. وتُظهر خريطة الزيارات التي يقوم بها تبون وكبار المسؤولين في الدولة وجود توجه نحو إعادة بناء علاقات الجزائر وشراكاتها، في الفترة المقبلة، على أساس المصالح الاقتصادية والمنفعة المتبادلة، بحثاً عن استفادة تسعف الاقتصاد الجزائري في مرحلة تحوله عن الريع النفطي.

وبالنسبة لزيارة الأخيرة إلى روسيا، التي كانت علاقتها شديدة الوضوح مع الجزائر من حيث انحصارها في مجال التعاون العسكري والتسليح، تعطي مشاركة تبون في المنتدى الاقتصادي لسانت بطرسبرغ 2023، وحديثه بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن عدم الحاجة إلى الحروب (السلاح)، إضافة إلى سلسلة الاتفاقيات التي وُقّعت مع الجانب الروسي حول التعاون والشراكة في قطاعات حيوية، كالصناعات والإنتاج الدوائي والزراعة والتعليم العالي والطب وغيرها، ولقاء رجال الأعمال الروس ودعوتهم للاستثمار في الجزائر، مؤشراً أكيداً على استحقاقات اقتصادية تتطلع إليها الجزائر من روسيا، وشراكات تقوم على المنفعة الاقتصادية بالأساس، وتتجاوز النمط التقليدي للعلاقة.

تركيز على الاجتماع مع رجال الأعمال

ويفهم الأمر نفسه بوضوح من خلال تركيز الرئيس الجزائري في زياراته على عقد لقاءات مع رجال الأعمال في الدول التي يزورها، لدعوتهم للاستثمار في الجزائر، وتقديم الفرص المتاحة للاستثمار والشراكة في الجزائر، وعرض التسهيل الكامل لمنح العقارات الصناعية والأراضي، ورفع كافة العراقيل الإدارية لتنفيذ المشاريع الاستثمارية.

كما حرصت الرئاسة الجزائرية، خلال زيارات تبون الاخيرة، على ضم وفد كبير من رجال الأعمال ومسؤولي الشركات الاقتصادية العمومية والخاصة العاملة من كل القطاعات في الجزائر، بما يعزز التقاط أية فرصة ممكنة للشراكة ونقل التجارب والتكنولوجيا وتشجيع تصدير المنتجات الجزائرية.

ويؤكد الخبير الاقتصادي وعضو مجلس الأعمال الجزائري مراد ملاح، الذي كان قد رافق تبون في الزيارة السابقة إلى البرتغال، أن “المتتبع لمحطات الزيارات من أنقرة إلى الدوحة إلى روما وإلى لشبونة، يجد قاسماً مشتركاً هو استهداف شركات ومجالات بعينها”.

ويضيف: “هذا يؤكد أنه محاولة جدية لتحديد احتياجات الجزائر في المرحلة الحالية، ومجالات التعاون والشراكة مع كل طرف، بحيث لم يكن معهوداً هذا التركيز والاستهداف للشركات وللجانب الاقتصادي بهذا الشكل الحيوي، حيث بات هناك تعاط ومستهدفات اقتصادية للزيارات الرئاسية التي يسبقها حصر للشركات الأجنبية”.

ويعتبر ملاح أن “زيارات الرئيس إلى الدول ترسل رسائل واضحة مفادها أن الجزائر لا تزال وفية لمحور تحالفاتها وصداقاتها وشراكاتها التاريخي، لكنها في نفس الوقت تختار شراكاتها الاقتصادية بعناية، وتعزز تفاهمات جديدة خارج المشهد النمطي القديم، الذي كان يدور في فلك الشركات الفرنسية التي هيمنت لعقود على السوق الجزائرية”.

ويضيف: “سمحت هذه الزيارات في فتح الباب واسعاً لدخول شركات قطرية في مجال الفندقة وتربية الأبقار وإنتاج الحليب والألبان والأجبان والخدمات الصحية، وشركات برتغالية في مجال النقل، والشركات الروسية في سوق الأمن السيبراني والمعلوماتية، وتزايد الاستثمارات التركية بوتيرة عالية”.

مسعى جزائري للحصول على شراكات متنوعة

ويشير ذلك إلى مسعى جزائري للحصول على شراكات متنوعة والاستفادة من تجارب دول نجحت في بعض القطاعات التي تحتاجها الجزائر في الوقت الحالي.

فخلال زيارة الرئيس الجزائري إلى قطر والكويت في فبراير/شباط 2022، جرى التفاهم على حزمة مشاريع استثمارية في قطاعات الزراعة والسياحة والعمران والسكك الحديدية، شكلت لها لجنة حكومية لتسيير تنفيذها.

كما شهدت زيارة تركيا توقيع اتفاقيات اقتصادية ولقاء مع رجال الأعمال، والتفاهم على رفع حجم الاستثمارات التركية في الجزائر إلى 10 مليارات دولار.

كما شكل الاقتصاد والطاقة والتجارة والمؤسسات الناشئة صدارة الملفات التي جرى بحثها خلال الزيارة التي قام بها تبون إلى كل من البرتغال وإيطاليا. كما يدخل في نفس السياق تخطيط تبون للمشاركة في قمة بريكس في أغسطس/ آب المقبل في جنوب أفريقيا، بينما كانت مسائل الأمن والتنسيق السياسي والهجرة تشكل في الغالب مركز النقاش في مثل هذه المناسبات في السابق.

الاقتصاد مدخل أساسي للملفات الأخرى

ويفسر أستاذ العلوم السياسية في جامعة سعيدة، غربي الجزائر، ميلود ولد الصديق، تأخر التركيز على القضايا الأمنية والسياسية على لائحة الاهتمامات الجزائرية لصالح المسألة الاقتصادية، بأنه “يفسر إدراك صانع القرار في الجزائر أهمية الاقتصاد باعتباره مدخلاً أساسياً للملفات الأخرى. فعملية التشبيك في العلاقات تتطلب علاقات اقتصادية أقوى أسوة بالنموذج التركي، إضافة إلى أنه يؤكد وجود مسطرة تقييم جديدة بالنسبة لعلاقاتها مع شركائها، تكون فيها القيمة الاقتصادية للعلاقة والشراكة في مسائل التنمية هي المحرار الأساسي لتقييم العلاقة”.

ويضيف أن “هذا التحول لا يطبق فقط على الزيارات الرئاسية فقط، بل تمكن ملاحظتها أيضاً حتى في مسار العلاقات الجديدة التي ترسمها الجزائر مع دول جنوب الصحراء والساحل، حيث أدرك صانع القرار الخارجي أهمية المقاربة التنموية وأولويتها على الأمنية، ولهذا يجرى التركيز على خط الغاز الجزائر لاغوس، وطريق تندوف إلى الزويرات الموريتانية، وإنشاء وكالة التنمية والتضامن والتعاون لدعم المشاريع التنموية في أفريقيا”.

لكن متابعين يعتبرون أن التغير اللافت لأهداف الزيارات الرئاسية، وإن كان إيجابياً على صعيد إعطاء الأولوية للعناوين الاقتصادية والمصالح، فإنه يبقى مجهوداً سياسياً يستدعي نجاحه إجراء تغييرات جوهرية في السياسات الداخلية للحكومة ذات العلاقة بالاقتصاد والتشريع المالي وعمل البنوك والمعاملات المالية، وتطوير نظم الرقمنة وتحييد البيروقراطية، خاصة أن بعض المشاريع الاستثمارية العربية، التي أعلن عنها منذ زيارة تبون إلى الدوحة والكويت، ما زالت عالقة بسبب ذلك.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here