أفريقيا برس – الجزائر. يؤدي نائب رئيس مجلس الدوما الروسي، زيارة للجزائر هي الثانية من نوعها لمسؤول برلماني روسي في ظرف أشهر قليلة، بعد تلك التي أداها رئيس مجلس الدوما في شهر جويلية الماضي، ولا يستبعد أن تكون محاولة جديدة لبث الدفء في علاقات البلدين بعدما أصابها الفتور خلال الأشهر الأخيرة، بسبب الخلاف في منطقة الساحل، والغاز، وهو المسعى الذي جسدته خطوات تهدئة بدأت بإلغاء عمل عسكري للجيش المالي ومجموعة فاغنر على الحدود الجزائرية، ثم قرار الخطوط الجوية للعمل على خط الجزائر باماكو.
اعتبر رئيس البرلمان الجزائري إبراهيم بوغالي، خلال استقباله نائب رئيس مجلس الدوما الروسي فلاديسلاف دافينكوف، أن الاتفاق الاستراتيجي المبرم بين البلدين العام 2023، يمثل قاعدة لتطوير العلاقات في المجالات الاقتصادية والثقافية والأكاديمية، وأن البلدين يمتلكان الإمكانات لرفع مستوى العلاقات إلى مستوى الشراكة المثمرة.
وحل نائب رئيس البرلمان الروسي “الدوما” في العاصمة الجزائرية، في إطار سلسلة مشاورات سياسية وبرلمانية بين البلدين، لتكون بذلك ثاني زيارة يؤديها مسؤول برلماني روسي للجزائر خلال الأشهر الأخيرة، على أمل إعادة الدفء الى العلاقات الفاترة بين البلدين، نتيجة عدة خلافات طفت الى السطح، خاصة بعد تغلغل الروس الى منطقة الساحل وتحول الجزائر الى بديل غير معلن للغاز الروسي في دول أوروبا، منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية.
وعاد الوفدان الى ملفات الخلاف بين الطرفين، خاصة في ليبيا ومنطقة الساحل، حيث تدعم روسيا الجناح السياسي والعسكري في شرق ليبيا، بينما تدعم الجزائر حكومة عبدالحميد الدبيبة في طرابلس، كما تتمسك باتفاق المصالحة الذي ترعاه منذ العام 2015، وبالشرعية السياسية والمؤسسات الدستورية في دول الساحل، بينما دعمت موسكو القوى الانقلابية، وأطلقت العنان لنشاط عناصر مجموعة “فاغنر”.
غير أنه لم تتسرب أية معلومات بشأن نتائج المشاورات بين الطرفين، ولو أن خطوات تهدئة تدفع باتجاه تذليل الخلافات، حيث تراجعت القوات المالية المدعومة من طرف قوات “فاغنر”، عن ملاحقة الفصائل الأزوادية المسلحة في شمال البلاد، للانتقام من الهزيمة التي منيت بها خلال الأشهر الماضية، وذلك تحت إلحاح جزائري بعدم الاقتراب مع الحدود المشتركة أو استهداف المدنيين، ومن جانب آخر قررت الخطوط الجوية الجزائرية العودة للعمل على خط الجزائر- باماكو، بعد قطيعة دامت عدة سنوات.
وأفاد النائب في المجلس الشعبي الوطني منذر بودن، في تصريح لـ “أفريقيا برس”، بأن “العلاقات الجزائرية الروسية عريقة وتاريخية، وتسير في اتجاه الرقي والتطور بفضل إرادة رئيسا البلدين، الذين أعربا عن عزيمتهما للذهاب بها الى شراكة استراتجية معمقة”.
وتابع: “هناك ملفات تعاون عديدة بين البلدين في مختلف المجالات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، والجزائر هي شريك استراتيجي في القارة السمراء لموسكو، وستكون رفيقتها في توسيعه إلى مختلف المجالات وربوع أفريقيا”.
ولفت الى أن النشاط لم ينقطع على محور موسكو- الجزائر، وذلك كفيل بتسوية مختلف الملفات الثنائية والعالقة، والحفاظ على المصالح المشتركة للطرفين.
ويبحث الوفدان الروسي والجزائري عدة ملفات وقضايا مشتركة في مختلف المجالات، بما فيها اتفاقية التعاون الفضائي التي ينتظر عرضها من طرف الحكومة الروسية على البرلمان للمصادقة عليها، فضلا عن التعاون العسكري والاقتصادي والتكنولوجي.
وذكّر رئيس الغرفة الأولى للبرلمان (المجلس الشعبي الوطني) ابراهيم بوغالي، بـ”أهمية قانون الاستثمار الجزائري الجديد وما يوفره من حماية واستقرار تشريعي”، ودعا الشركات الروسية إلى “الاستفادة من السوق الجزائرية الواعدة، التي تمثل بوابة للأسواق الإفريقية”.
وأفاد بيان للبرلمان الجزائري، بأن “نتائج الدورة الأخيرة للجنة الجزائرية الروسية المشتركة، مهدت للتعاون في مجال التعليم العالي من خلال زيادة عدد المنح وبرامج التوأمة بين الجامعات، وإطلاق خطوط جوية مباشرة بين البلدين”.
وأعرب المسؤول الجزائري، عن تطلعه لتعزيز التعاون البرلماني بين البلدين ورفعه إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، ومواصلة التنسيق القائم بين الهيئتين التشريعيتين، بما يشمل تبادل التجارب والخبرات.
وعلى الصعيد الإقليمي والدولي، شدد إبراهيم بوغالي على ضرورة التنسيق بين الجزائر وروسيا حول القضايا المشتركة، منددا بالجرائم المرتكبة في فلسطين ولبنان، التي عجز النظام الدولي عن وقفها، وعلى موقف بلاده الثابت تجاه قضية الصحراء الغربية، كونها قضية تصفية استعمار وفق قرارات الأمم المتحدة، وتقرير مصير للشعب الصحراوي.
ومن جانبه جدد المسؤول الروسي، موقف بلاده الثابت حول “ضرورة حل قضية الصحراء الغربية سلميا بما يضمن للشعب الصحراوي حق تقرير المصير وفق قرارات الأمم المتحدة”.
وكان فلاديسلاف دافينكوف، قد حل بالجزائر في إطار زيارة رسمية تستغرق ثلاثة أيام، وتتزامن مع الاحتفالات الضخمة التي تنظمها الجزائري بمناسبة سبعينية ثورة التحرير المصادفة للفاتح من شهر نوفمبر، كما يكون واحدا من الشخصيات الدولية المدعوة لحضور فعاليات الاستعراض العسكري المنتظر هذا الجمعة.
وسبق لرئيس مجلس الدوما الروسي أن زار الجزائر شهر جويلية الماضي، التقى خلالها مع نظرائه في غرفتي البرلمان الجزائري ومسؤولين كبار في الدولة، وهي الخطوة التي تم الرهان عليها لإذابة الجليد المترسب بين البلدين، وإعادة العلاقات الى مستوى العلاقات التاريخية واتفاق الشراكة المعمقة بين البلدين، خاصة في ظل التطورات التي تشهدها الحرب في أوكرانيا، ومنطقة الساحل الافريقي.
وجاءت في سياق علاقات ثنائية خيم عليها الفتور منذ الانتكاسة التي مني بها الطلب الجزائر بالانضمام الى مجموعة “بريكس”، والتصريح المثير للجدل الذي أدلى به حينها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، على هامش قمة المجموعة المنعقدة آنذاك في جوهانسوبورغ شهر أوت الماضي، حيث قال: “معايير قبول الأعضاء الجدد في المجموعة هي النفوذ والتأثير والثقل في الشأن الاقليمي والدولي”.
وعبر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، حينها بأن بلاده “أدارت ظهرها للمجموعة وأن المسألة أصبحت من الماضي”، لكن بوادر الانزعاج كانت بادية على الموقف الجزائري، لما سارع بتغيير وجهة التحالفات والشراكات الى الولايات المتحدة الأمريكية والمجموعة الأوروبية، لتعويض الأمل الذي كان يعلقه على الروس والصينيين لمساعدته على دخول المجموعة.
ويرى متابعون للشؤون الجزائرية-الروسية، بأن استعادة موسكو لزمام المبادرة في الحرب الأوكرانية، بسبب انشغال الأمريكيين والأوروبيين بالوضع في قطاع غزة، والتقارب بين موقفها وموقف الجزائر في مجلس الأمن الدولي بشأن الملف الفلسطيني، دفع الروس لتنشيط محور موسكو-الجزائر، باعتبارها تمثل بوابة قريبة جغرافيا من أوروبا، وهي تبحث دوما عن نقل ضغطها على أوروبا من أوكرانيا الى خاصرتها الجنوبية، عبر شراكات وولاءات ممكنة في الضفة الجنوبية لحوض المتوسط.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس