“سجال الامتيازات” يقوض ثقة الجزائريين بنوابهم

8
"سجال الامتيازات" يقوض ثقة الجزائريين بنوابهم

علي ياحي

أفريقيا برس – الجزائر. يبدو أن برلمان الجزائر لم يخرج من النفق القديم على الرغم من التغييرات الحاصلة منذ الحراك الشعبي الذي أسقط النظام السابق، إذ يأتي ملف التفضيل في اختيار النواب للسفريات والمهام الخارجية ليكشف حقيقة ممثلي الشعب ونواياهم، ولعل احتجاج المقصيين من هذه السفريات دليل آخر على اهتمام هؤلاء بالسفر وتكاليف المهمة بدل إيجاد حلول لمشكلات المواطنين.

لغط داخل البرلمان

عرف المجلس الشعبي الوطني تجاذبات بين أعضائه بعد أن احتج عدد من النواب لدى مكتب المجلس والكتل البرلمانية على طريقة انتقاء النواب لحضور الملتقيات الدولية وتمثيل البرلمان في الهيئات والمنظمات تحت عنوان البعثات الدبلوماسية.

وفي حين تعتبر القضية مفصولاً فيها بناء على التمثيل النيابي لكل كتلة سياسية داخل الهيئة التشريعية، فإن نواباً من المقصيين انتقدوا الجهات المسؤولة عن توزيع هذه المهام واعتبروا أن العملية تتم بالمحسوبية والجهوية والتفضيل، بدليل تداول الأسماء نفسها عندما يتعلق الأمر بنشاط خارج البلاد.

وبحسب ما علمت اندبندنت عربية من مصادر على صلة بالقضية، فإن عدداً من النواب احتجوا على تخلي بعض الكتل عن مهام نيابية لصالح أحزاب أخرى، وانتقدوا حرمان نواب من المشاركات الخارجية بما يجعلهم من دون تجربة برلمانية تساعدهم في مسارهم السياسي. وأوضحوا أن هذا التنافس “المشبوه” يوحي بأن الغاية الامتيازات المالية والعطل الطويلة ليس إلا.

عن التدافع الغريب

يعتقد أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بريك الله حبيب، أن الامتيازات التي تمنح للنائب خلال عهدته البرلمانية مغرية بالنسبة لبعض النواب، بخاصة إذا كان الأمر يتعلق بمنتخب لم يستفد من مثل هذه الفرص على مر مسيرته، مشيراً إلى أن سفريات وبعثات البرلمان إلى الخارج ترصد لها امتيازات مالية عالية، ناهيك بالاستفادة من العلاقات مع مسؤولين رفيعي المستوى، وهو ما خلق هذا التدافع الغريب.

ويتابع حبيب أنه يمكن تجاوز هذه العقليات بالتوزيع العادل لمثل هذه الفرص بالتساوي بين النواب، أو بالعمل على توفير الإمكانات اللازمة وتحسين ظروف البرلماني حتى لا يفكر بمثل هذه العقليات المتحجرة التي تنم عن الأنانية في التعاطي مع القضايا الوطنية والدولية.

النواب يدفعون الاتهام

في المقابل، يرفض البرلماني عمار موسي إلصاق تهمة الركض وراء الامتيازات بالنواب، مؤكداً أن السفريات والبعثات لا تمثل بالنسبة إليهم إغراء مادياً مقارنة بحجم المسؤولية التي تقع على عاتق من سيتحملها.

وأكد أن السفريات والبعثات الدبلوماسية للخارج تحمل وجهاً خفياً وليس لها علاقة بالأطماع والامتيازات المالية، فهي فرصة لتمثيل الجزائر في الاجتماعات الدولية ومساندة القضايا العادلة وإحياء دبلوماسية البرلمان، مشيراً إلى أن تمثيله ببرلمان البحر الأبيض المتوسط في مرحلة سابقة، كان بالنسبة إليه امتحاناً حقيقياً لإبراز قدرة البرلماني وسعيه للتغيير والمشاركة في التوصيات الإقليمية.

سوابق مستفزة

وعايش الشارع الجزائري في وقت سابق إثارة مسألة أجور النواب في ظل نشاط برلماني لا يتعدى رفع الأيدي من دون إضافات أو تحسينات لصالح المواطن، وفي حين تحقق قضية الأجور إجماعاً بين النواب فإنها تصدم المجتمع الذي وثق في برلمان ما بعد الحراك لاعتبارات أهمها أن أعضاءه من النخبة والشباب الجامعي الذي كان يعد بالقطيعة مع ممارسات النظام السابق ويتعهد خدمة المواطن بعيداً من المصالح الشخصية الضيقة، وفق ما شهدته الحملة الانتخابية للانتخابات البرلمانية آنذاك.

وليس موضوع الأجور وحده ما أثار الاستفزاز، ولكن الامتيازات الممنوحة للنواب أيضاً، لا سيما ما تعلق بجواز السفر الدبلوماسي والتعويضات المالية، وغيرها من الأمور التي دأب النواب على الاهتمام بها.

مناعة الشعب

يقول الحقوقي عابد نعمان إن متابعة المواطنين لما يجري بخصوص أجور وامتيازات النواب أمر طبيعي على اعتبار أن “الجزائر الجديدة” تضمنت في جوهرها القطيعة مع مصطلح الامتياز الذي كان أساس النظام السابق، مضيفاً أن “وعي الجزائري لعب دوراً مهماً في تحديد الموقف من سوء استغلال هذه المصطلحات، وهذا يترجم أن المواطن أصبحت لديه مناعة فكرية سياسياً واجتماعياً واقتصادياً”.

وأوضح أنه “حينما نتحدث عن الحصانة فإننا نتحدث من واقع سوء استغلالها، وكذلك حينما نتناول الأجور والامتيازات فإننا نتناولها من منظر إهدار المال العام وخطر ظهور رجال مال آخرين، وحينما نتكلم عن التنافس على المكاسب فإننا نتكلم عن خطر الفساد الإداري”.

ويتابع نعمان أن المواطن الجزائري على وعي تام بوجوب حماية مكتسباته الوطنية ووضع جدار واق من خطر إنشاء عصب جديدة تشبه المنظومة السابقة، مبرزاً أن المواطن يعتقد أن هذا انحراف من البرلماني عن العهد الذي قطعه أمام المواطن في حملاته الانتخابية.

طرح النظام الداخلي

وفي حين أن أغلب النواب المشاركين في البعثات الدبلوماسية هم في الأصل أعضاء دائمون في تنظيمات إقليمية سواء بالنسبة للبرلمان العربي أو الأفريقي أو حتى برلمان البحر المتوسط، فإن الاختيارات المتعلقة بالمناسبات الدولية الظرفية هي التي باتت محل انتقادات وجدل، الأمر الذي فتح جبهة داخل البرلمان تطالب بضرورة التعجيل بطرح النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني، الذي من شأنه أن يعيد ترتيب الأوراق سواء بخصوص العمل الدبلوماسي أو تحديد العلاقة بين الحكومة والبرلمان.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here