أفريقيا برس – الجزائر. منذ سنة 2000 تقريبا، أصبح كل سفير أو سفيرة للولايات المتحدة الأمريكية بالجزائر، تجلبهم جسور مدينة قسنطينة، فيحطون الرحال بها، ليس في مهمات عمل فقط، وإنما أيضا لأجل السياحة، حيث يتجولون في جسورها المعلقة وفي مدينتها الرومانية بمنطقة تيديس، وفي متحفها وبقصر الباي وحتى في مطاعمها وأزقتها الشعبية العتيقة.
وتتحول في كل مرة الزيارة إلى إعجاب، يتحوّل مباشرة، على صفحات السفارة الأمريكية في الجزائر وخاصة على الصفحات الخاصة ليس للسفراء والسفيرات فقط وإنما لأفراد الوفود الدبلوماسية الأمريكية.
سفير يبث مباشرا على صفحته من جسر سيدي مسيد
من أكبر عشاق مدينة قسنطينة، السفير الأمريكي السابق، جون ديسروشر، الذي زار المدينة لأول مرة في سنة 2015. وفي شهر فيفري من سنة 2018 رافقته في رحلته السياحية زوجته، وعندما وصل إلى جسر سيدي مسيد، أبى إلا أن يبث بهجته وفرحة زوجته، وهما يعبران الجسر المعلق “جسر الحبال” على المباشر، وتفاعل معه أصدقاؤه في الولايات المتحدة، وهو يُعبّر بلغة إنجليزية، عن دهشته، معتبرا المدينة وواصفا إياها، بالتحفة المعمارية النادرة.
السفير خرج عن كل البروتوكولات، وراح يتجوّل رفقة زوجته في أزقتها الضيقة، وتناول بعض الأطعمة وأخذ معه الجوزية، وحتى عندما انتهت مهمته كسفير للولايات المتحدة الأمريكية في الجزائر، عاد إلى بلاده وبقي ينشر على صفحته صورا لمدينة قسنطينة، وخاصة صورته برفقة زوجته على جسر سيدي مسيد.
ومن الغرائب أيضا، أنه عندما فاز فريق شباب قسنطينة بلقب الدوري الجزائري، في شهر جوان من سنة 2018، وكانت آخر نتيجة أكدت التفوق والحصول على اللقب، أمام اتحاد البليدة بهدفين مقابل واحد، قام بتهنئة الفريق القسنطيني، على الصفحة الرسمية للسفارة الأمريكية في الجزائر، جاء فيها: أغتنم فرصة تتويج فريق شباب قسنطينة، بلقب البطولة الوطنية لهذا الموسم، حتى أتقدم بالتهاني، وكتب حرفيا بالعربية والإنجليزية: ”هنيئا لفريق شباب قسنطينة، والسنافر التتويج بالبطولة الجزائرية لكرة القدم، للمرة الثانية في تاريخ النادي”. وأرفق السفير الأمريكي تغريدته هذه، بصورة له رفقة زوجته بمدينة الجسور المعلقة، إلى جانب صورة أخرى لفريق شباب قسنطينة.
السفير جون ديسروشر اجتهد ونجح في إقامة بداية من الثالث والعشرين من شهر مارس 2016، الأسبوع الثقافي الأمريكي في مدينة قسنطينة، حيث نقل وفدا من الفنانين الأمريكيين، قدموا نماذج من الغناء والأفلام وخاصة الموسيقى الأمريكية. وكان يشرف بنفسه على مشاركة الفنانين الأمريكيين في مهرجان ديما جاز الذي تنظمه مدينة قسنطينة.
نائب السفير يقترح تحويل مقر السفارة إلى قسنطينة !
عندما استضافت قناة الشروق العامة، منذ أربع سنوات نائب السفير الأمريكي في الجزائر، السيد إيريك وزوجته السيدة مولا، في حصة تخص الأطباق التقليدية، ظل إيريك يتحدث عن دهشته بمدينة قسنطينة، التي قال إنه زارها في ثلاث مناسبات ولم يشبع من مناظرها المذهلة، وقال أنه لو خيّر أن يعيش في مدينة جزائرية، لاختار عاصمة الجسور المعلقة.. هكذا قالها بلغة عربية فصيحة.
السيد إيريك قال مازحا أنه يقترح تحويل السفارة الأمريكية من الجزائر العاصمة، إلى مدينة قسنطينة، المدينة التي حيرته وجعلته يحلم بلقاء الرجل الأول في التاريخ، الذي فكر في بناء مدينة على جبل بنتوءاته وأنفاقه فأنجز لنا التحفة قسنطينة.
ولم يعشق إيريك الجسور المعلقة فقط، وإنما حلوى الجوزية التي أشهر لها في عدة لقاءات وتغريدات على صفحته، وأيضا على الصفحة الرسمية لسفارة الولايات المتحدة الأمريكية في الجزائر العاصمة.
وتزامنت زيارات إيريك إلى قسنطينة المتعددة، وحبه الطاغي لكل ما في المدينة من تراث وجمال رباني، مع نشر المستكشف السياحي الأمريكي الشهير سال لافالو لتصنيفات سياحية تاريخية في المجلة الأمريكية المعروفة usa today التي صنّفت قسنطينة ضمن المدن المعنية بالاستكشاف في سنة 2018، وهذا نتاج تجربة ميدانية قادت المستكشف سال لافالو إلى 193 مدينة عضو في الأمم المتحدة، تستحق الزيارة رفقة القليل من المدن ومنها باكو وبيروت، ومعروف عن سال لافالو أنه يختار المدن المتميزة بتضاريس وتقاليد لا يوجد شبيه لها.
“أوبين” في سياحة قسنطينية رفقة عائلتها الصغيرة
السفيرة أوبين، التي نزلت بقسنطينة، بحر الأسبوع الماضي، مع نهاية شهر نوفمبر، رفقة عائلتها الصغيرة، سبق لها زيارة المدينة في ماي من سنة 2022، وبمجرد أن وضعت قدميها بجسورها حتى وعدت بالعودة للسياحة مع عائلتها الصغيرة، وتأخر الموعد ثلاث سنوات لتحقق وعدها وحلمها أيضا.
هذه المرة لم تكتف السفيرة إليزابيث مور أوبين بزيارة الجسور المعلقة، بل زارت المتحف العمومي الوطني سيرتا، وظلت تسأل عن تاريخ المدينة وتبدي دهشتها لعراقتها ولما تحتويه من كنوز، وكانت في كل مرة تقول بأن الموروث الثقافي الجزائري المعروض بقاعات المتحف العمومي الوطني سيرتا، هو دليل على أن المدينة من أعرق الحواضر على الأرض.
وفي ماي من سنة 2022 زارت السفيرة جامعة منتوري بعاصمة الشرق الجزائري، وأعلنت حينها عن 30 برنامجا للتبادل العلمي والثقافي بين الجزائر والولايات المتحدة، وعن استقبال أمريكا سنويا لـ 200 طالب جزائري في مختلف العلوم. السفيرة أبدت إعجابها بهندسة جامعة منتوري بقسنطينة، التي رسم تصميمها المهندس المعماري البرازيلي، أوسكار نيماير سنة 1971، وهو نفسه مصمم مبنى الأمم المتحدة في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية.
من “واشنطن بوست” إلى قناة “ABC7” الأمريكية
هذه الخرجات المتتالية ذات الطابع السياحي والإشهار لها على مواقع التواصل الاجتماعي، عرّفت الكثير من الأمريكيين بمدينة الصخر العتيق وانتقل الشغف إلى وسائل الإعلام الثقيلة في بلاد العم سام، ومنها واشنطن بوست، التي أرسلت مبعوثا لها إلى قسنطينة وإلى مدن أخرى جزائرية، وتم نشر صور ومقالات وإشهار مجاني في الصحف الأمريكية العالمية في بداية ماي من سنة 2022، تم فيه مديح مدينة قسنطينة ووصفها بالمدينة التي لا شبيه لها في العالم، ولعل ما قامت به في نوفمبر الماضي قناة ” ABC7 ” الأمريكية باستضافة الدبلوماسي الجزائري، صبري بوقادوم، حيث بثت سلسلة تلفزيونية يومية كانت مخصصة للترويج للجزائر، كوجهة سياحية وثقافية متميزة، بالتنسيق طبعا مع سفارة الجزائر في الولايات المتحدة، وكان لقسنطينة نصيب وافر في هذه السلسلة التي تعتبر أكبر الحصص الخاصة بالسياحة العالمية، وخصت القناة في النصف الأول من شهر أكتوبر الماضي، وفدا إعلاميا أمريكيا، زار مدينة قسنطينة، ومكث لعدة أيام، وتناول الطعام التقليدي القسنطيني في مطعم يطلّ على جسر الملاح، كما تم تصوير فيلم وثائقي إشهاري في الجسر، وفي جسر سيدي مسيد، وتابع وصلة غنائية من فرقة القناوي، وصوّر الحركة التجارية في أزقة المدينة وعرّج نحو قصر الباي وجسر الشلالات، وأنهى جولته بجامع الأمير عبد القادر، وقد نشر حينها الديوان الوطني للسياحة بالجزائر تفاصيل الزيارة، بالصور عن هذه الزيارة اليي تحولت إلى سلسلة تلفزيونية.
مديرية السياحة بقسنطينة أكدت ارتفاع أرقام السياح الأمريكيين الذين صاروا يزورون قسنطينة خصيصا، وبحسب دراسة عمرها عشر سنوات قام بها مكتب فرنسي من أجل إنجاز درب السياح الذي يساير صخور قسنطينة، فإن السياحة الجبلية وسياحة المدن الصخرية الوعرة، والأنفاق، تستهوي ثلاثة شعوب وهم الصينيون والأمريكيون واليابانيون. وكانت الدراسة الفرنسية الحديثة قد استشرفت أن يصل عدد السياح الذين يمكنهم زيارة قسنطينة سنويا إلى قرابة المليون سائح من هذه البلدان الكبرى.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس





