سفير مالي الجديد في الجزائر: خطوة نحو المصالحة

9
سفير مالي الجديد في الجزائر: خطوة نحو المصالحة
سفير مالي الجديد في الجزائر: خطوة نحو المصالحة

أفريقيا برس – الجزائر. فتح تعيين الحكومة المالية لسفير جديد لها في الجزائر، المجال أمام إمكانية حلحلة الأزمة القائمة بين البلدين، خاصة في ظل التفاؤل الذي عبر عنه الرجل عقب استقباله من طرف الرئيس الجزائري، حيث عبر عن حتمية التعاون والتكامل بين الطرفين، من أجل مواجهة التحديات القائمة في المنطقة، في تلميح الى التحولات المتسارعة التي يعيشها الساحل الافريقي، وهو ما يمهد لتطبيع العلاقات الثنائية وينهي صفحة من التوتر والسجال المتبادل.

أكد السفير المالي الجديد في الجزائر محمود أماغا دولو، عقب استقباله من طرف الرئيس عبدالمجيد تبون، بأن “بلاده تتقاسم مع الجزائر مصيرا مشتركا في مجالات السلم والأمن والتنمية، وأن البلدين تربطهما روابط عريقة”.

وصرح السفير أماغا دولو، بعد تقديم أوراق اعتماده للرئيس الجزائري، “انتهزت الفرصة لنقل التحيات الأخوية والودية من أخيه ونظيره الجنرال آسيمي غويتا، رئيس المرحلة الانتقالية ورئيس دولة جمهورية مالي، وفي إطار مهمتي، أود أن أبذل كل الجهود لتعزيز التعاون والعلاقات الأخوية والودية التي تربط مالي بالجزائر”.

وأضاف: “تطرقت مع الرئيس تبون، إلى “العلاقات الثنائية وضرورة العمل سويا من أجل تجاوز التحديات المشتركة، وأن مالي والجزائر دولتان شقيقتان، يجمعهما التاريخ والجغرافيا، علاوة على الروابط العريقة والمصير المشترك في مجالات السلم والأمن والتنمية، وعليه أتمنى دعم الحكومة والشعب الجزائريين، اللذين أتمنى لهما رمضانا مباركا”.

تفاؤل ديبلوماسي بطي صفحة الخلافات

وأبدى السفير المالي الجديد في الجزائر، تفاؤلا بشأن علاقات البلدين، وقدرتها على تجاوز التحديات التي تواجههما، مما يلمح الى فرص ونوايا لدى الطرفين من أجل حل خلافاتهما، التي وصلت حد السجال الديبلوماسي والاحتكاك العسكري في وقت سابق.

وحمل تصريح الديبلوماسي المالي، رسائل تنطوي على تحول لافت في الخطاب الرسمي للسلطة المالية تجاه الجزائر، فقبل أشهر قليلة كانت تتهمها برعاية الإرهاب والتدخل في شؤونها الداخلية، وتهديد الوحدة والسيادة الوطنية لمالي.

وكان الانقلاب العسكري الذي قاده العقيد أسمي غويتا العام 2020 ضد الرئيس أبو بكر كايتا، ثم على السلطة العسكرية بعد عام من ذلك، قد فجر خلافا غير مسبوق مع الجزائر، بسبب رفضها للانقلاب، خاصة وأنه جاء في سياق موجة تحول شمل عدة دول في منطقة الساحل.

ولعبت عدة أوراق مشتركة دورا سلبيا في العلاقات المالية- الجزائرية، فالتحول المسجل في هرم السلطة في بامكو منذ العام 2020، تم بعيدا عن موقف دور دول الجوار وعلى رأسها الجزائر، كما جاء بخطاب مناهض للعلاقات التقليدية لدولة مالي في محيطها الجيوسياسي، خاصة وأن دخول قوى إقليمية على خط تحريك الرمال في المنطقة على غرار روسيا وتركيا وبشكل أقل دولة الامارات العربية المتحدة، شجع النخبة الحاكمة على تجاوز الواقع الاستراتيجي في المنطقة.

ومع التأييد الشعبي والقومي لخيار مناهضة النفوذ الفرنسي في منطقة الساحل وافريقيا عموما، دخلت مالي في سجال مع الجزائر، مدعومة بحلفائها الجدد من خلافات الأخيرة معهم، بسبب ما رأته محاولة لتجاوز دورها ومكانتها التقليدية في المنطقة.

حسابات العزلة تعيد مالي الى خارطتها التقليدية

ويرى المحلل السياسي عمر براس، بأن “علاقة السلطات الجزائرية مع قيادات أزوادية معارضة للنظام الجديد في باماكو، واستقبال الزعيم الديني محمود ديكو، في الرئاسة الجزائرية العام 2023، شكلت فتيل تماس بين الطرفين، أفضى الى اصدار تصريحات تتهم الجزائر بـ “رعاية الإرهاب والعمل غير الودي، وتهديد الوحدة والسيادة الوطنية لمالي”.

وأضاف، لـ “أفريقيا برس”، بأنه “علاوة على تصريحات قائد المرجعية الدينية المعارض محمود ديكو، في الجزائر العام 2024، فان الحرب المفتوحة للجيش المالي المدعوم من طرف قوات (فاغنر) الروسية، وبالسلاح التركي، على ما يصفه بالإرهابيين الانفصاليين، خلقت خلافا حادا مع الجزائر، المتمسكة بدور ومكانة المكون الأزوادي في المجتمع المالي، وبحقوقه التي كرسها اتفاق المصالحة الوطنية الذي رعته منذ العام 2015”.

وتابع: “الوضع الأمني والعسكري على الشريط الحدودي بين مالي والجزائر، والعمليات التي استهدفت مدنيين من المكون الأزوادي خلال السنوات الأخيرة، أثار خلافا اقترب من الاحتكاك العسكري بين البلدين، خاصة مع الاتهامات المتبادلة بينهما، فباماكو اتهمت الجزائر باحتضان الفصائل الأزوادية المسلحة، ودعمتهم في تنفيذ هجومات ميدانية مضادة، بينما اتهمت الجزائر، الجيش المالي بارتكاب جرائم عسكرية ضد المدنيين وتهديد سلامتها الأمنية والإقليمية”.

تصريحات الديبلوماسيين الماليين لم تتناول الأزمة القائمة في بلادهم، خاصة فيما يتعلق بالوضع شمال البلاد، ومصير اتفاق المصالحة الذي أعلنت سلطات باماكو وقف العمل به في 2024، واكتفت بعموميات حول علاقة بلادهم مع الجزائر، وهو ما يوحي الى أن تفكيك الخلاف بين الطرفين يحتاج الى عمل دؤوب وإرادة متبادلة، خاصة وأن تداعيات السجال بينهما وصل الى أروقة الأمم المتحدة، لما تبادل الطرفان هناك تهما ألمحت الى توظيف ورقة الانفصال، في منطقة القبائل الجزائرية كما في شمال مالي.

تحولات استراتجية تسهم في اذابة الجليد

ويأتي مسار التطبيع الهادئ بين مالي والجزائر، في سياق تحولات جيوسياسية واستراتجية هامة، فبعد تصريح سابق لوزير الخارجية عبدالله ديوب، العام الماضي، حول توظيف قنوات ديبلوماسية من أجل تطبيع علاقات البلدين، تماشيا مع حتميات سياسية وجغرافية واجتماعية، جاء تفاؤل الديبلوماسي المالي، ليرجح كفة التسوية مما يطرح فرضية مراجعة تتبلور بهدوء.

ويرى متابعون لشؤون المنطقة، بأن النخبة العسكرية الحاكمة في مالي، رغم شراكاتها المفتوحة مع قوى إقليمية وانخراطها في المد السياسي والقومي المناهض للوجود الفرنسي في المنطقة والقارة معا، فان عزلتها الإقليمية والقارية والصعوبات التي تعتري مسار الفترة الانتقالية والعودة الى المسار الدستوري، تحتم عليها العودة الى تفعيل قنوات تقليدية تساعدها على الاندماج في الاتحاد الافريقي والهيئات المنبثقة عنه، خاصة وأن شريكتها في نفس المسار “دولة النيجر” أبانت على رغبتها في عدم فك الارتباط التام مع الجزائر.

وزيادة على ذلك، فان المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية الآنية للمجتمع المالي، لا يمكن أن تنتظر طويلا الوعود التي أطلقها الحلفاء الجدد، كمشروع اندماج دول الساحل على بواية الأطلسي، الذي اقترحه المغرب، وعبرت دولة الامارات عن تمويله.

وهو مشروع على أبعاده الاستراتجية الرامية الى رسم خارطة جيوسياسية جديدة، يتطلب مقابلا قد يكون ثقيلا على مستقبل البلاد، كاستغلال الثروات الباطنية والمنجمية، ولذلك تريد المقاربة المالية المستجدة الحفاظ على الخارطة التقليدية المفتوحة على أكبر جار في شمال القارة، يكفل له التعاون والتكامل بأقل التكاليف، فضلا على التعاون الأمني بين البلدين، فيما يتعلق بالهجرة السرية، وبدور الجزائر في بلورة حل سياسي ينهي الصراع بين الجيش وبين الانفصاليين الأزواديين.

فرص التعاون تعيد طموح التكامل

ويذهب هؤلاء، الى أن التقارب المسجل بين الإدارة الأمريكية الجديدة والسلطة الروسية، وإمكانية تمدد ذلك الى الصين وكوريا الشمالية، يساهم في إرساء مقاربات جديدة في العلاقات والأزمات الدولية، وأنه بإمكان العديد من الدول الاستفادة من الوضع الجديد، على غرار الجزائر، وهو ما تكون قد استشعرته القيادة المالية بكون مشروعها لا يمكن أن يقوم على العداء الإقليمي مقابل تحالفات من خارج المنطقة والقارة.

ولذلك لا يستبعدون البصمة الروسية في التقارب المفاجئ بين سلطات الجزائر وباماكو بعد سنوات من التوتر والسجال، فالجزائر التي استعادت التوازن الى علاقتها مع روسيا في الآونة الأخيرة، تكون قد وظفت ذلك في فرض رؤية جديدة للوضع الجيوسياسي في المنطقة، من خلال استغلال النفوذ الروسي لدى حكومات الساحل، في إعادة توجيه النخبة الحاكمة بمالي الى الخارطة التقليدية.

كما أن الأزمة القائمة بين الجزائر وفرنسا، تدعم بشكل غير معلن التيار المناهض للفرنسيين في أفريقيا، خاصة وأن أي تسوية ممكنة بين الطرفين، لا يمكن أن تعيد النفوذ الفرنسي التقليدي في الجزائر، والذي وصل منذ العام 2013، الى فتح الأجواء أمام الطيران الفرنسي لضرب أهداف معينة في مالي، وبذلك تكون باماكو قد سدت فجوة الجار الشمالي، في حال التطبيع معه.

ويرى الخبير جلول بوسلامة، بأنه “رغم تراكمات الأزمة بين البلدين، والتحديات المعقدة التي تلف المنطقة، بما فيها دور القوى الإقليمية المسارعة للتفرد بالساحل الافريقي، فان التفاؤل يطبع مستقبل البلدين في مختلف القطاعات، خاصة وأن دول الساحل تمثل عمقا استراتجيا للجزائر، وفرص التعاون الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، متاحة لخلق تكامل إقليمي وقاري، لاسيما في ظل الطموح الجزائري لربط شمال القارة بما بعد الصحراء مرورا بدول الساحل عبر الطريق البري وشبكة الاتصالات والنهوض بالمناطق الحدودية وتخصيص صندوق للتنمية في افريقيا، وتشجيع سوق المقايضة ومناطق التبادل الحر.. وغيرها”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here