أفريقيا برس – الجزائر. مواطنون أبرياء أصبحوا بين ليلة وضحاها قتلة ومجرمين ومهربين محتالين.. ومدرجين في قائمة المبحوث عنهم، بل يصل الأمر إلى إدراج أسمائهم في النشرية الحمراء لجهاز الأنتربول.. والسبب ليس الفعل الإجرامي، ولكن ضياع هويتهم أو وثائقهم الرسمية وأختامهم أو شريحة هاتفهم، إلا أنهم تهاونوا في التصريح بالضياع عن الشيء المفقود لدى الجهات الأمنية، ليجدوا أنفسهم يجرون إلى المحاكم أو زنزانات السجون.
هي حقائق وقفت عليها “الشروق” وهي تدخل مصلحة الشرطة العامة والتنظيم لأمن ولاية الجزائر، حيث ولجنا عالم “الوثيقة الضائعة” رفقة عناصرها وعشنا يوما كاملا في إمبرطورية “DDP”، أي “Déclaration de perte” رفقة عناصرها الأكفاء وهي المدة التي كانت كفيلة لتؤكد أن هذه المصلحة تعتبر العمود الفقري للبحث والحفاظ على الوثائق الضائعة للمواطن الجزائري.
رحلة البحث عن الوثيقة الضائعة
بعد حصولنا على ترخيص من المديرية العامة للأمن الوطني، تنقلنا إلى أمن ولاية الجزائر، وبتعليمة من رئيس أمن الولاية مراقب الشرطة باديس نويوة، تم مرافقتنا من طرف رئيسة خلية الاتصال والعلاقات العامة لأمن ولاية الجزائر، محافظ الشرطة أمال هاشمي، إلى مصلحة الشرطة العامة والتنظيم للأمن، أين تم استقبالنا من طرف رئيس فرقة الشرطة العامة والتنظيم، محافظ الشرطة خير الدين بودماغ، ومرافقته إيمان شرار إطار بذات المصلحة، حيث تلقينا جميع التفاصيل المتعلقة بقائمة الوثائق المدرجة ضمن خانة اجبارية التصريح بضياعها على مستوى مصالح الشرطة وما السبيل لاسترجاع الوثائق والأختام المدرجة، والنتائج الوخيمة التي تصل إلى المتابعات الجزائية في حالة عدم الإبلاغ الفوري عن الوثيقة أو الختم أو شريحة الهاتف النقال الضائعة.
فما هي الوثائق والأختام والأشياء المدرجة ضمن خانة المسموح التصريح بضياعها على مستوى مصالح الأمن، وكيف يتم استرجاعها، وما هي نتيجة الإهمال وعدم التصريح، وما هي النصوص القانونية التي وضعها المشرع الجزائري في هذا المجال، خاصة أن هذا الإجراء يأتي بالدرجة الأولى، لحماية صاحب الوثيقة الضائعة من كل أشكال التزوير أو الاستغلال بطرق غير قانونية.. وأسئلة أخرى في هذا السياق في الوقت الذي تشدد فيها المصالح الأمنية على ضرورة الإسراع في التبليغ عن الضياع أو سرقة وثائق وأختام أو فقدان شريحة الهاتف النقال، لتفادي وقوع المعني بالأمر في قضايا إجرام دون ارتكاب فعل جزائي، تجره إلى زنزانة السجن.
65 وثيقة تعرضك للخطر
تتضمن قائمة التصريح بالضياع 65 نوعا صادرة من مختلف الهيئات والإدارات العمومية وفق الشروط والأشكال التي يتطلبها التنظيم المعمول به، حسب ما كشف عنه لنا رئيس مصلحة الشرطة العامة والتنظيم بأمن ولاية الجزائر محافظ الشرطة خير الدين بودماغ، الذي أكد لنا أنها تتراوح بين بطاقة التعريف الوطنية، وثائق الهوية بصفة عامة، كذلك جواز السفر،، المنصوص عليه في القانون سنة 2014، الذي ينص على ضرورة تبليغ جميع المواطنين، في حالة تضييع أو سرقة أو إتلاف، أو إذا كان أيضا الأمر يتعلق بضياع الوثيقة في الخارج، فعلى المواطن التقرب إلى الهيئات الدبلوماسية لغرض التصريح بضياع هذه الوثيقة، لأهميتها.
وهناك أيضا وثائق متعلقة بالسائقين، تتمثل في رخصة السياقة، بطاقة تسجيل السيارات، البطاقة الرمادية، شهادة تأمين المركبات، إلى جانب وثائق أخرى مدرجة ضمن قائمة الوثائق الخاضعة للتصريح، كالسجل التجاري أو البطاقة المهنية، كذلك فيما يخص الدفع المسبق، يعني الشرائح المسبقة، كون الشريحة مدرجة ضمن القانون إلى جانب شهادات الميلاد والجامعية وتسليم السلاح الفردي وكذا وثائق متعلقة بصفة المجاهد وذوي الحقوق، شارة الدخول إلى الأماكن الحساسة، وحتى بطاقة الشخص المسن والمعوق.
أما المعيار الثاني المحدد من قبل المديرية العامة للأمن الوطني الخاص بالوثائق التي يتم استعمالها غير المشروع، كل ما يمس بالأمن والنظام العام، مثل وثائق الحالة المدنية، الدفتر العائلي، شهادة الميلاد رقم 12 الخاصة، الوثائق الخاصة بوضعية الأجانب كبطاقة المقيم الأجنبي، بطاقة التاجر.
كما يتعين على المعني أيضا حسب محافظ الشرطة خير الدين بودماغ، التوجه إلى أقرب مركز للشرطة قصد التبليغ الفوري عن ضياع شريحة الهاتف المحمول أو سرقتها لكون شريحة الهاتف النقال تجهيز حساس في مفهوم التنظيم الساري به العمل بناء على المرسوم التنفيذي رقم 09-410 المؤرخ في 10 ديسمبر 2009 المحدد لقواعد الأمن المطبقة على النشاطات المنصبة على التجهيزات الحساسة، حيث تنص المادة الثالثة من هذا المرسوم على أن “بطاقات الشرائح المسبقة ومؤجلة الدفع للهاتف النقال هي تجهيزات حساسة مصنفة في القسم الفرعي الرابع من القسم “أ” من الملحق الأول”، كما يتوجب على صاحب الشريحة الضائعة أو المسروقة أن يقوم أيضا بالتصريح لدى المتعاملين المعنيين لغرض القيام بقطع الخط الهاتفي، وهو نفس الإجراء الذي يطبق على إجراءات التبليغ عن سرقة بطاقة شريحة الهاتف النقال.
وإلى ذلك، أكد محدثنا أن التصريح بضياع يمكن أن يتحصل عليه المواطن من أي مركز شرطة، وهذا عكس ما كان معمولا به سابقا، أي أن المعني بالأمر يجب أن يصرح بذلك في مركز الشرطة، مكان ضياع الوثيقة، وهو الإجراء الذي اشتكى منه المواطنون، مما دفع بالمديرية العامة للأمن الوطني، ان تصدر تعليمة “عدم الاختصاص” في منح وثيقة التصريح بالضياع.
70 ألف تصريح ضياع والهوية تحطم الرقم القياسي
وبلغة الأرقام كشف المسؤول الأمني، أن مصالحهم سجلت خلال السداسي الأول من السنة الجارية، 70175 تصريح بالضياع عبر إقليم ولاية الجزائر العاصمة، حيث تم تصنيف 3 وثائق هامة من بين الأكثر وثائق ضياعا ويتعلق الأمر بـ”بطاقة الهوية، جواز السفر، رخصة السياقة وفي بعض الأحيان البطاقة الرمادية والمهنية”.
وأضاف، محافظ الشرطة بودماغ أن التصريح بالضياع بجميع الوثائق تعتبر خدمة أساسية للمرفق العام، يؤدي إلى إدراج التصريح في إطار هدفين الأول ذو طابع داخلي يرتبط بمقتضيات العمل الشرطي وسرعة أدائه. والثاني ذو طابع خارجي يستند إلى فكرة توطيد التعاون بين القطاعات المختلفة قصد تذليل الصعوبات الموجودة في الميدان بفعل التشاور المشترك، مع الإشارة إلى الخطوات التي يستوجب على المواطن اتباعها منذ علمه بضياع وثائقه، وصولا إلى استصدار وثيقة التصريح بالضياع من مصالح الشرطة، بما فيها المصالح المختصة الواجب التوجه إليها، سواء على مستوى المصلحة الولائية للشرطة العامة والتنظيم، مقرات الأمن الحضري أو مقرات أمن الدوائر.
وبالمقابل، تمكنت مصالح الأمن من العثور على 10 آلاف و381 وثيقة خلال سنة 2020، حسب ما كشفت عنه إيمان شرار، إطار بمصلحة الشرطة العامة والتنظيم لأمن ولاية الجزائر، إذ حطمت وثائق الهوية الرقم القياسي بخصوص نوعية الوثائق المسترجعة.
وفي إطار تعزيز السياسة الجوارية المنتهجة من قبل المديرية العامة للأمن الوطني تؤكد هذه الأخيرة على أن مصالح الشرطة تسهر على التكفل الحقيقي والفعال والسريع بالمصرح وذلك عند استصدار تصاريح بالضياع من خلال تسخير فرق خاصة مهمتها تقديم خدمة عمومية متميزة للمواطن بغية حمايته وتسهيل كافة الإجراءات الإدارية وفي زمن قياسي.
كما أن هذا الإجراء حسب الضابط الأمني يأتي بالدرجة الأولى، لحماية صاحب الوثيقة الضائعة من كل أشكال التزوير أو الاستغلال بطرق غير قانونية، مع تعداد الوثائق التي تستوجب قانونا التصريح بالضياع، على غرار وثائق الهوية “بطاقة التعريف الوطنية، جواز السفر..”، الوثائق المهنية “بطاقة الصحفي، البطاقات المهنية…”، ووثائق أخرى صادرة عن هيئات رسمية، أو تجهيزات على غرار شرائح الهاتف النقال والأختام، بالإضافة إلى وثائق أخرى تم عرضها لتنوير المواطن.
احذروا.. مجرمون يجرونكم إلى السجون
دعا محافظ الشرطة خير الدين بودماغ، رئيس فرقة الشرطة العامة والتنظيم لأمن ولاية الجزائر، من خلال “الشروق” كل المواطنين الذين ضيعوا جميع وثائقهم المدرجة ضمن قائمة 65، بضرورة التقرب السريع من مصالح الأمن بغية التصريح بالضياع، تجنبا لوقوعهم ضحية مجرمين مختصين في استغلال هذه الوثائق المفقودة والضائعة لارتكاب جرائهم البشعة تصل إلى حد القتل، فضلا عن النصب والاحتيال على الأشخاص، السرقة، التهريب، الابتزاز والتهديد وغيرها من الجرائم، خاصة هؤلاء الذين ضيعوا شرائح هواتفهم النقالة، باعتبارها تدخل في قائمة التجهيزات الحساسة ولها إطار تنظيمي قانوني في حالة ضياعها، وعليه، فإن المواطنين ملزمون بالتصريح فور اكتشاف ضياعها لما لها من أهمية وخطورة.
كما أن هناك أشياء أخرى لا يصرح بها المواطن، مثل سرقة الشريحة تحت طائلة التهديد، إلا أن المعني يتقدم إلى مصالح الأمن ويصرح أنه ضاعت بدلا من قول الحقيقة أو الرواية الكاملة، إذ وفي حالة تفطن المصالح الأمنية سواء الشرطة أو الدرك بالأمر، وفي إطار التنسيق مع مصالح النظر، يتم فتح تحقيق من طرف الشرطة القضائية، بحيث يقومون بعملية التنقيط، ويستخرج ملف الشخص ويتم الاطلاع عليه، وإذا استدعي التحقيق سيكون على مستوى المحفوظات العامة والنشر والمحفوظات المركزية الخاصة بالمديرية العامة للأمن الوطني، حيث تستطيع الجهات المعنية اكتشاف الأمر أثناء التحقيق، وتقدم تصريحا بالضياع.
.. العدالة للمتحايلين
ذكر الضابط الأمني، المواطنين بالعقوبات الجزائية المنجرة عن التصريح الكاذب والتصريح بضياع وثائق لا يحوزها، وأكد أنه في حالة تقديم أي شخص بالتصريح كاذب لدى مصالح الأمن، خاصة فيما يتعلق برخصة السياقة بسبب سحبها من طرف أعوان الأمن المكلفين بأمن الطرقات سواء من رجال الدرك والشرطة، علما أنه مسجل في قاعدة البيانات ويتم تنقيطه من طرف المصالح المختصة، سواء من الشرطة القضائية أو الشرطة العامة، فإن ذلك الشخص يتحمل المسؤولية كاملة، لأنه احتال مرتين الأولى على مصالح الأمن والثانية على القانون، وعليه، فإنه يحال مباشرة على المصالح القضائية لتوقيع العقوبات الجزائية في حقه، إذ أنه وقبل تسليم تصريح بالضياع للمواطن، سيمر عبر سلسلة من العمليات، أولا بمكتب التصريحات، بعد تنقيط هوية الشخص، يعني هل هو محل بحث من قبل السلطة القضائية، سواء لمغادرته تراب الوطن، أو متورط في قضايا، وإذا ما ثبت العكس تسلم له الوثيقة في حينها.
كما أن يضيف رئيس فرقة الشرطة العامة والتنظيم بأمن ولاية الجزائر، أن التصريحات بالضياع التي يتم تحريرها من طرف مصالح الشرطة، تذهب نسخة منها إلى وكيل الجمهورية لدى محكمة الاختصاص، وتكون مرفقة بملف قاعدي يتمثل في محضر سماع أقوال، وشهادة ميلاد واستمارة معلومات وشهادة ميلاد، أي أن قاعدة البيانات المسجلة لدى الشرطة هي نفسها لدى وكيل الجمهورية، فإذا قدم مواطن شكوى في جهة أخرى من الوطن، يتم التحقق منها في السجل الوطني المشترك، ليتم العودة إليه في حالة ثبوت أن التصريح المقدم لها كاذب حتى يتم تحويل ملف المعني إلى العدالة، بتهمة “التصريح الكاذب”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس