أفريقيا برس – الجزائر. اعتبر الخبير الاقتصادي فارس هباش، أن تعديل اتفاق الشراكة، يشكل فرصة للجزائر لاعادة صياغة علاقاتها الاقتصادية والتجارية على أسس أكثر توازن وأكثر ربحية ومنفعية، وهو ما يتطلب تبني استراتجيات فعالة، والمواصلة في تحسين مناخ الاستثمار والاعمال والالتزام بالمعايير الدولية لتعميق الثقة بين الطرفين.
وأبدى المتحدث، في حوار مع “أفريقيا برس”، تفاؤلا يشوبه الحذر، قياسا بالتحولات الاقتصادية في الجزائر، والتي حتمت على الأوروبيين القبول بطلب مراجعة الاتفاق الذي مر عليه 20 عاما، مقابل التفاوت في الإمكانيات والمقدرات الاقتصادية والمالية للطرفين التي تفرض موازين قوى غير متكافئة بين الطرفين.
واستبعد الخبير الاقتصادي، إمكانية تأثير التوترات السياسية التي اندلعت بين الجزائر ودول أوروبية، كما هو الشأن مع فرنسا وقبلها مع إسبانيا، في مسار مفاوضات المراجعة، بالنظر الى براغماتية الاتحاد في إرساء علاقاته الاقتصادية والتجارية، وضرورة إيجاد شريك قوي في المنطقة بوزن الجزائر، بامكانياتها الطاقية والاقتصادية والبشرية والجغرافية.
أعلن الاتحاد الأوروبي عن قبول طلب الجزائر لمراجعة اتفاق الشراكة مع الجزائر، ما دلالات ذلك، وهل ذلك مؤشر على تقديم تنازلات للطرف الجزائري؟
يحمل قبول الاتحاد الأوروبي بمراجعة الاتفاق المبرم مع الجزائر العام 2005، عدة دلالات خاصة في ظل الواقع الاقتصادي في الجزائر من جهة، وكذلك التحولات الجيوسياسية والاقتصادية التي يعرفها العالم وأوروبا تحديدا من جهة أخرى، وبالتالي يعد هذا التطور مؤشرا على استعداد الاتحاد الأوروبي للاستجابة للمطالب الجزائرية، مما قد يتضمن تقديم تنازلات تحقق توازنا أكبر في العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين، خاصة وأن الاتفاق المبرم بينهما والذي دخل حيز التنفيذ العام 2005، قد تأكد أنه كان غير متوازن على مدار العشرين عاما الماضية.
لقد قدر التبادل التجاري بنحو 1000 مليار دولار، معظمه لصالح أوروبا في حين لم تتجاوز الاستثمارات سقف الـ 14 مليار دولار، أكثر من 13 مليار دولار تم تحويلها كأرباح للدول الأوروبية، وبالتالي فان موازين القوى غير متكافئة ولا متوازنة بين الطرفين.
وبات التطور والتنوع الاقتصادي خلال الأعوام الأخيرة، وارتفاع الصادرات خارج المحروقات، وتحسن المنتوج الوطني الجزائري، الذي أصبح قادرا على الدخول الى العديد من الأسواق الدولية والأوروبية، يمثل تحولا فرض على الاتحاد الأوروبي أن يقبل طلب الجزائر من أجل مراجعة بنود الاتفاق المذكور بما يضمن مصالح الطرفين وفق مبدأ رابح- رابح.
وبالنسبة لدلالات قبول الاتحاد الأوروبي بقبول طلب المراجعة فتتمثل أولا، في الاعتراف بالتحولات الاقتصادية الجزائرية، حيث شهدت تطورا ملحوظا منذ توقيع الاتفاق، بما في ذلك تنويع منتوجاتها، لتشمل مواد زراعية وصناعية ومعادن واسمنت، مما حفز الجزائر على المطالبة بالمراجعة من أجل مواكبة هذه التطورات وهو ما تفهمه الأوربيون بالاستعداد للتكيف مع الواقع الاقتصادي الجديد.
وتتمثل ثانيا، في تعزيز الشراكة الاستراتجية، وهي خطوة في طريق تعزيز العلاقات الثنائية وفق قاعدة رابح- رابح، مما يفتح المجال أمام تعاون أكثر توازن واستدامة خاصة في ظل موثوقية والتزام الجزائر بكل اتفاقياتها على مدار التاريخ والتحولات الاقتصادية المذكورة.
هناك أزمة متعددة الأبعاد بين الجزائر وفرنسا، وقبلها قطيعة مع اسبانيا، ألا يمكن لذلك أن يؤثر على مخارج الاتفاق المنتظر؟
شهدت العلاقات الجزائرية توترات مع بعض الدول الأوروبية كفرنسا واسبانيا، ومع ذلك فان الاتحاد الأوروبي يتعامل مع تلك الأزمات بحذر، حيث يراقب التطورات دون الانخراط المباشر فيها، وهذا النهج يوحي الى أنه ينتهج أسلوب الفصل بين العلاقات الثنائية والعلاقات الجماعية، مما يسمح بالحد من تأثير تلك الأزمات على مسار مراجعة اتفاق الشراكة، وذلك يمثل إشارة واضحة الى حاجة الاتحاد لشريك قوي بوزن الجزائر في المنطقة، خاصة في ظل إعادة تشكيل خارطة الطاقة والغاز الجزائري الذي أصبح يمثل المورد الثاني لدول الاتحاد الأوروبي، هذا الى جانب الموقع الجغرافي وقربها من أوروبا، وتنوع الثروات التي تحوزها الجزائر مما يفتح آفاقا كبيرة للتعاون في المجالات الاستثمارية والتجارية، وتحسن وتطور بيئة ومناخ الاستثمار بفضل التشريعات الأخيرة كقانون الاستثمار.
يضع الاتحاد الأوروبي الوضع السياسي والحقوقي ضمن محاور أي اتفاق شراكة يبرمه، ألا يمكن أن تؤثر بعض التقارير في هذا الشأن على الموقف الجزائري؟
الاتحاد الأوروبي يضع قضايا الديمقراطية وحقوق الانسان، كعناصر أساسية في اتفاقيات الشراكة التي يبرمها، ورغم وجود تقارير تنتقد الوضع الحقوقي في الجزائر ومعظمها تقارير مغلوطة وموجهة من أجل التأثير على مواقف سياسية للجزائر، إلان أن القبول في حد ذاته يعكس رغبة لدى الاتحاد في تعزيز التعاون وتجاوز هذه العقبات، ومع ذلك تبقى محور نقاش في المفاوضات المقبلة، وهو ما سيعكف عليه الطرفان من أجل وضع خطوات ملموسة من أجل تجاوز هذه المعوقات.
صرح الرئيس عبدالمجيد تبون، أن مراجعة الاتفاق تعكس رغبة تعاون بين الطرفين وليس خلاف، الى أي مدى يمكن الاطمئنان على سلاسة ومرونة المفاوضات؟
الرئيس تبون أكد أن مراجعة الاتفاق تهدف الى تعزيز التعاون وليس لمعاجلة مسائل خلافية، وشدد على مبدأ رابح- رابح، وهذا تصريح يعكس نية الجزائر في الوصول الى اتفاقيات وتفاهمات تحقق المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، مما سيسهم في سلاسة ومرونة في المفاوضات اذا ما توفرت إرادة حقيقية ومماثلة من الجانب الأوروبي.
يتفق الطرفان على مبدأ “رابح- رابح”، كيف تتوقعون شكل وطبيعة العوائد التي يمكن أن تحققها الجزائر مستقبلا من التبادل التجاري مع الاتحاد الأوروبي؟
العوائد المتوقعة من خلال تبادل المنفعة واحترام المصلحة، وبالنسبة للجزائر قد تشمل تنويع الصادرات وزيادة تصدير المنتجات غير النفطية في الأسواق الأوروبية بما يتماشى والاستراتجية الجديدة للاقتصاد الوطني، الرامية الى تنويع مصادر الدخل والثروة وتطوير الإنتاج الوطني والارتقاء به الى مستوى التنافسية لتحقيق الولوج الى الأسواق الأجنبية والأوروبية.
هذا فضلا عن الاستفادة من مزايا اتفاقية الشراكة ومن القرب الجغرافي وجلب وتحفيز الاستثمارات الأوروبية في الاقتصاد الوطني الزراعي والصناعي والصيدلاني والخدمات، ونقل التكنولوجيات الخبرات والمعارف، والنهوض بالصناعات الميكانيكية التي تعمل الجزائر على النهوض بها، والاحتكاك بالمؤسسات الأوروبية الكبرى، والتي تنتظرها عدة حوافز مشجعة كتطور بيئة الاستثمار وأسعار الطاقة والمواد الأولية واليد العالمة المنخفضة، والمزايا الجبائية واستقرار منظومة القوانين لعشر سنوات،
ويسعى الأروبيون من جانبهم، الى تأمين مصادر الطاقة والوصول الى تموين موثوق ومستديم، والاستفادة من الموقع الجغرافي الاستراتيجي المحفز على التعاون معها خاصة وأنه يعتبر بوابة للأسواق الافريقية.
قال السفير الأوروبي، “بعد 20 سنة من تنفيذ اتفاق الشراكة، فقد حان الوقت المناسب لإعادة النظر في شراكتنا والنظر في علاقاتنا ككل، لاسيما في سياق الميثاق الجديد من أجل المتوسط”، هل يمكن أن تضع قراء “افريقيا برس”، في الصورة بالنسبة لهذا الميثاق.
الميثاق الجديد من أجل المتوسط الذي أشار اليه السفير الأوروبي في سياق الاستعداد لمراجعة اتفاق الشراكة، يهدف الى تعزيز التعاون الإقليمي في مجالات متعددة مثل التنمية الاقتصادية وحماية البيئة وتعزيز الاستقرار السياسي، ومن خلال هذا الاطار يسعى الاتحاد الأوروبي الى إرساء شراكات أكثر توازنا وفعالية مع دول جنوب المتوسط، بما ذلك الجزائر التي تعد شريكا محوريا واستراتجيا.
يرى بعض الخبراء بأن اختلال التوازن بين الطرفين، على غرار الناتج الداخلي الخام، يرجح كفة الاتحاد دائما، الى أي مدى يخيم التشاؤم على مخارج الاتفاق المنتظر؟
معظم الخبراء يشيرون الى وجود اختلال في التوازن الاقتصادي بين الاتحاد والجزائر، خاصة فيما يتعلق بالناتج المحلي الإجمالي وحجم التبادل التجاري، هذا الاختلال يثير مخاوف حول قدرة الجزائر على تحقيق مكاسب ملموسة في الاتفاق المعدل، ومع ذلك فان التركيز على قطاعات واعدة وتنويع الاقتصاد، سيساهم في تقليص هذه الفجوة وتعزيز موقف الجزائر التفاوضي، خاصة أن مؤشرات الاقتصاد الجزائري في الخمس سنوات الأخيرة مشجعة، حيث حقتت استقرار في معدل النمو الاقتصادي بحوالي 4 بالمائة على مدار أربع سنوات متتالية، والارتفاع التدريجي اللافت في النتاج الداخلي الخام الذي وصل الى 277 مليار دولار وينتظر أن يصل الى 400 مليار دولار، وكذلك استقرار منظومة القوانين الاستثمارية وتطور المنتوج الوطني، كل ذلك بإمكانه التخفيف من حدة تلك المخاوف، ويعطي نتائج إيجابية لكلا الطرفين، ويقلص من فجوة التفاوت بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، فشتان بين وضعية الجزائر الاقتصادية في 2005 وبين والوضعية الحالية، خاصة من جانب التنوع والانفتاح وتطور المنتوج.
الضجة التي أثيرت على منتوج “المرجان” عينة على المزاج الفرنسي وربما الأوروبي عموما تجاه المنتوج الجزائري، هل تملك الجزائر الضمانات المطمئنة (النوعية، المعايير، التنافسية) على سلاسة التصدير نحو أوروبا؟
أثارت قضية منع المنتوج الجزائري المذكور في الأسواق الأوروبية تساؤلات حول المعايير والمواصفات المطلوبة، ولتفادي مثل هذه العقبات غير المؤسسة في الغالب، يتعين حضورها من دون شك في مفاوضات تعديل الاتفاق، ليس كمنتوج بعينه بل لسياق التبادل بين الطرفين، لأنه من غير المعقول حظر منتوج جزائري شكل “ترند” بعد ارتفاع مذهل للطلب عليه في أروبا وفجأة يتم منعه لصالح تنافسية منتوجات أخرى وهذا غير مقبول، وهو ما يحتم فرض شفافية أكثر بين الطرفين في حرية التبادل والتداول والدخول للأسواق، ومع هذا يتعين على المؤسسات والمنتجات الوطنية تحسين جودتها ومواكبة المعايير الدولية لزيادة قبولها في الأسواق الخارجية والعمل على تحسين البنى التحتية لتطوير شروط التصنيع والتعبئة والتغليف بما يتوافق مع المتطلبات المطبقة في العالم.
وهذا أمر باشرته الجزائر وهي موجودة على أرض الواقع الآن، لقناعة لدى صناع القرار الاقتصادي بأن ولوج الأسواق الأخرى وضمان سلاسة وتنافسية يمر عبر التركيز على الشروط المذكورة، بما فيها التزام الشريك الأوروبي برفع كل العوائق غير القانونية وغير المؤسسة كما حدث لمنتوج “المرجان” لتحقيق شفافية وحرية أكبر في التبادل التجاري وترك الحرية للسوق في اختيار ما يريده.
وأخلص الى أن تعديل اتفاق الشراكة، يشكل فرصة للجزائر لاعادة صياغة علاقاتها الاقتصادية والتجارية على أسس أكثر توازن وأكثر ربحية ومنفعية، وهو ما يتطلب تبني استراتجيات فعالة، والمواصلة في تحسين مناخ الاستثمار والاعمال والالتزام بالمعايير الدولية لتعميق الثقة بين الطرفين.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس