أفريقيا برس – الجزائر. تسعى السلطات الجزائرية إلى تشجيع الاستثمارات الأجنبية في مجال صناعة الأسمدة، بهدف النهوض بالقطاع الفلاحي في البلاد، وضمان الأمن الغذائي الذي يُعد أهم عامل للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، بدخول شركة سوناطراك في شراكات مع متعاملين أجانب في هذا المجال كما هو الشأن مع مركب الأمونياك “سورفيرت” بأرزيو بوهران، الذي تم تدشينه في أوت 2013، وهو مركب أنجز في إطار شراكة جزائرية مصرية بين شركة سوناطراك وشركة أوراسكوم وتقدر طاقته الانتاجية بأزيد من 1.5 مليون طن من الأمونياك و1.2 مليون طن من اليوريا سنويا، إضافة إلى “الشركة الجزائرية العمانية للأسمدة” التي أنشئت في 2008 التي تنتج حوالي 4 آلاف طن يوميا من الأمونيا و7 آلاف طن يوميا من اليوريا، ويملك المجمع العماني “سهيل بهوان” حصة 51% من رأسمال الشركة مقابل 49% لسوناطراك، يضاف إليهما شركة “فرتيال” التي تأسست سنة 2005 بشراكة بين أسمدال ومجموعة “غروبو غيلار مير” الإسبانية.
35 ألف دج لطن “اليوريا” للخواص و79 ألف دج لـ”أسفرطراد”!؟
مقابل رهان الجزائر على تطوير قطاع إنتاج الأسمدة، أو ما يصطلح على تسميته بـ “الذهب الأبيض”، لتجسيد استراتيجيتها التي تصبو إلى تحقيق الأمن الغذائي، نجد أن قطاع الأسمدة يعيش حالة فوضى غير مفهومة المقاصد والأهداف، فأحد فروع مجمع أسمدال، وهو شركة “أسفر طراد” المتخصصة في توزيع وبيع الأسمدة في الجزائر بات قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس.
نقابة مؤسسة “أسفر طراد” بعنابة دقت ناقوس الخطر، محذرة من إفلاس “قسري” لهذه المؤسسة التي تعد فرعا للمجمع الصناعي “أسميدال” والمتخصصة في تسويق الأسمدة والمنتجات الصحية والنباتية عبر الوطن، ففي رسالة موجهة إلى الأمين العام للفدرالية الوطنية لعمال البترول والغاز والكيمياء المنضوية تحت لواء الاتحاد العام للعمال الجزائريين، -تحوز الشروق نسخة منها- دعت نقابة “أسفرطراد” إلى التدخل العاجل والفوري لإنقاذ هذه المؤسسة التي وصفتها بـ “الصرح الاقتصادي والتاريخي ومفخرة الجزائر في المجال الفلاحي”، من خلال تخليصها مما وصفته النقابة بـ “المنافسة غير المشروعة وغير العادلة التي تعطي الأفضلية للمتعاملين الخواص على حساب مؤسسة عمومية اقتصادية رائدة في المجال الفلاحي”.
إفلاس مبرمج وحرمان من المنافسة العادلة
بحسب الرسالة سالفة الذكر، تمّ تحديد سعر بيع الطن الواحد من سماد “اليوريا 46 %” المنتج من قبل شركتي “سورفيرت الجزائر” و”الشركة الجزائرية العمانية للأسمدة AOA” بـ 35 ألف دج للطن الواحد بالنسبة للمتعاملين الاقتصاديين الخواص، مهما كان سعره في البورصة العالمية، بينما مؤسسة “أسفرطراد” تخضع للسعر المتغير في الأسواق العالمية، وبذلك تشير الرسالة المؤرخة في 17 أكتوبر 2021 إلى أن سعر شراء “أسفرطراد” لسماد اليوريا بلغ منتصف هذا الشهر حدود 42.5 ألف دج للطن الواحد، أي بزيادة بلغت 7500 دج للطن الواحد مقارنة بسعر شراء المتعاملين الخواص، وبحسب مصدر من “أسفر طراد”، فإن السعر بلغ 79 ألف دج للطن الواحد يوم الخميس 28 أكتوبر، أي بفارق 44 ألف دج عن السعر المحدد للمتعاملين الخواص، وهذا ما يلغي تماما أي فرصة للمنافسة العادلة، بل يؤدي بالمؤسسة إلى أن تكون عنوانا للإفلاس، وعرضة للزوال، حسب ما ورد في الرسالة.
متعامل خاص “ينفرد” باتحاد التعاونيات الفلاحية
تضيف نقابة “أسفر طراد” أن المؤسسة فقدت خلال الأشهر الماضية الكثير من الزبائن، الأمر الذي ترتب عليه عدم تجديد عقود العديد من العمال المتعاقدين، بينما مناصب أخرى تبقى مهددة بالمصير نفسه، وفي اتصال ب دحدوح عضو نقابة “أسفر طراد”، أكد لنا بأن ما يحدث للمؤسسة هو “موت مبرمج” و”بفعل فاعل”، لأن سوق السماد يُسيل لُعاب العديد من المتعاملين الاقتصاديين الخواص، الذين يسعون لتحقيق الأرباح الكبيرة في سوق الأسمدة، وهذا أمر مشروع، لكنه قد تكون له انعكاسات خطيرة على الأمن الغذائي للجزائر، التي تصبو إلى تطوير القطاع الفلاحي، وفي ظل هذه المنافسة غير المشروعة وغير العادلة بحسبه، فإن مؤسسة “أسفر طراد” سيكون مآلها الزوال، وبالتالي فإن إمكانية خلق التوازن في أسعار الأسمدة من قبل الدولة لن يكون سهلا في المستقبل، وهو ما ستكون عواقبه وخيمة على الفلاح وعلى المستهلك على حدّ سواء.
وأضاف محدثنا أن التمييز في سعر “اليوريا” بهذا الشكل الكبير والخطير، لا يسير في سياق سياسة الدولة الجزائرية الرامية لتحقيق الأمن الغذائي، وتعجب محدثنا كيف أن إدارة مجمع سوناطراك الذي يعتبر شريكا أساسيا للشركتين المذكورتين لم تسارع إلى الدفاع عن مؤسسة “أسفر طراد” التي هي فرع تابع لسوناطراك، وتطالب بمراجعة عاجلة للاتفاقية التي تربط “أسفر طراد” بشركتي “سورفيرت الجزائر” و”الشركة الجزائرية العمانية للأسمدة” حتى لا يختل ميزان المنافسة النزيهة.
هذا الوضع الخطير الذي تعيشه “أسفر طراد” دفع بعمالها إلى تنظيم وقفة احتجاجية يوم الخميس 28 أكتوبر أمام مقر المديرية الجهوية للمؤسسة بوهران، للتنديد بما أسموه بـ “الخوصصة الممنهجة للشركات الوطنية ودفعها للإفلاس” حيث رفعوا يافطات مكتوب على إحداها “لا لتفضيل المتعاملين الخواص على حساب مؤسسات الدولة الجزائرية”، وأخرى تدعو لإنقاذ مؤسستهم من الافلاس، وفي لقاء لـ”الشروق” مع بعض عمال المؤسسة، صرحوا لنا بأنهم لم يفهموا على الاطلاق كيف تمّ تحديد سعر 35 ألف دج للطن الواحد من “اليوريا” للمتعاملين الخواص، في وقت تربطهما اتفاقية مع مؤسسة أسفر طراد تجعل السعر متغيرا وخاضعا لتقلبات البورصة العالمية، فبحسب العمال أنه كان من الضروري أن تطبق نفس الشروط على المتعاملين الخواص، أو اللجوء إلى إلغاء الاتفاقية مع مؤسستهم وتمكينها من شراء سماد “اليوريا” بالسعر المحدد للخواص أي 35 ألف دج للطن.
وأضاف أحد العمال أن أهم زبون لمؤسستهم وهو “اتحاد التعاونيات الفلاحية”، قد حوّل وجهته صوب أحد المتعاملين الخواص، عوض مؤسسة “أسفر طراد” التي اشترط عليها الاتحاد طريقة “البيع في المخزن” أي إنه لا يدفع للمؤسسة إلا ثمن ما يتم بيعه للتعاونيات التابعة له، وهو ما يشكل ضربة أخرى للمؤسسة قد تُعجل بانهيارها، وبحسب بعض العمال، فإن ما يحدث لمؤسستهم يشكل “مؤامرة محبوكة”، فقد عانت كثيرا عندما التحق علي حداد رجل الأعمال المحبوس في قضايا فساد بشركة “فرتيال” كشريك بنسبة 17 بالمائة، وانطلق في بيع منتجاتها مباشرة بعدما كانت “أسفر طراد” تحتكر التوزيع، كما أنها دفعت الثمن غاليا جراء سوء التسيير، علما أن الدولة تدعم أسعار 150 ألف طن من سماد اليوريا لصالح هذه المؤسسة، عند شرائه من الشركتين سالفتي الذكر بنسب تتراوح بين 40 و30 بالمائة، وبذلك فقد كانت تشتري السماد المدعم بحوالي 28 ألف دج للطن الواحد، خلال شهر جوان 2021.
وبحسب مصادر “الشروق”، فإن “أسفر طراد” متضررة من ارتفاع أسعار اليوريا في الأسواق العالمية، بلغ سعر الطن المدعم 79 ألف دج، وهو مرشح للارتفاع أكثر، بحسب مؤشرات السوق العالمية، وهو الأمر الذي أفقدها السيطرة على السوق المحلي، في ظل المنافسة غير العادلة مع الخواص، كما أفادت المصادر نفسها بأن هنالك تعليمة من المدير العام للمؤسسة تقضي ببيع القنطار الواحد من “اليوريا” بأكثر من 7 آلاف دج، واليوم ومع غلق مجال استيراد الأسمدة المنتجة محليا، تمّ فتح المجال للمتعاملين الخواص، ليس لمُنافسة “أسفر طراد” وإنما لتدميرها، حسب العمال دائما، جراء “تفضيل المتعاملين الخواص”، وذكر هنا أحد العمال لجريدة “الشروق” أن بعض المتعاملين الخواص، انطلقوا منذ بضعة أشهر في تجسيد استثمارات بعشرات المليارات، تحضيرا لإزاحة مؤسستهم من مجال تسويق الأسمدة، وكأنهم حصلوا على ضمانات بذلك، وهو ما يستوجب برأيهم تدخلا عاجلا للسلطات العليا للبلاد، لأنه لا يستبعد أن يكون هذا المُخطط قد تم طبخه من قبل جهات تريد ضرب الأمن الغذائي لبلادنا.
“سورفرت” تتبرأ من تحديد الأسعار وقائمة الزبائن
ة سعاد عبد الله، نائب المدير العام لشركة سورفرت، وفي لقاء مع “الشروق” بالمقر الجديد للشركة بوهران، أكدت لنا بأن شركتي “سورفيرت” و”الشركة الجزائرية العمانية للأسمدة”، لا دخل لهما في تحديد أسعار سماد “اليوريا” فقد تلقّتا مراسلة من وزارة الطاقة والمناجم مؤرخة في 9 ماي 2021، جاء فيها أنه: “في إطار تلبية حاجيات السوق الوطنية من اليوريا 46%، المنتجة وطنيا، وتبعا لما خلصت إليه المهمة المنجزة بعين المكان من 06 إلى 08 مارس 2021، لي الشرف أن أطلب منكم اتخاذ الإجراءات اللازمة، استعدادا للبدء في تموين المتعاملين الخواص بسماد اليوريا ابتداء من شهر جوان 2021″، وأضافت المراسلة بأن التعامل مع المتعاملين الخواص سيُؤطر بعقود، شريطة حصولهم على رخصة مسلمة من قبل وزارة الطاقة والمناجم.
وأشارت المراسلة إلى أن سعر بيع “اليوريا” من المصنع حُدد ب 35 ألف دج خارج الرسوم للطن المتري الواحد لفائدة المتعاملين الخواص، للفترة الممتدة من جوان 2021 إلى جويلية 2022، وحددت المراسلة الكمية الموجهة للخواص بـ 350 ألف طن للفترة المذكورة، كما أنها أشارت إلى أن الكمية المخصصة لشركة “أسفرطراد” تبقى خاضعة للشروط التي اتفق عليها الأطراف، أي أنها تخضع للسعر في الأسواق العالمية.
وأضافت نائبة المدير العام لشركة “سورفيرت” أنه خلال شهر جوان 2021، أي عند تحديد سعر بيع سماد “اليوريا” بـ 35 ألف دج للطن، كان سعره في السوق العالمية لا يتجاوز 250 دولار، أما اليوم فقد تجاوز 950 دولار للطن، وهو مرشح للارتفاع أكثر، وأضافت بأن “سورفيرت” انخرطت في استراتيجية دعم سياسة الدولة للقطاع الفلاحي، شأنها شأن شركة “آوا”، وتفهمتا قرار تحديد السعر بـ 35 ألف دج، رغم أنه مجحف بحق الشركتين من المنظور التجاري، لأنه في حال تصدير هذه الكمية في هذا الوقت بالذات فإن أرباح الشركتين ستتضاعف عدة مرات.
وأشارت إلى أن الشركتين لا تختاران الزبائن، بل إنهما تمتثلان للقائمة الاسمية التي تحددها وزارة الطاقة والمناجم والتي تحصي حاليا 22 متعامل خاص، وأن كل رخصة مسلمة لأي متعامل، تحدد الكمية المخصصة له سنويا، وبالتالي فإن “سورفيرت و”آوا” لا مسؤولية لهما فيما لحق بشركة “أسفر طراد” التي باتت تعاني منذ حوالي ثلاثة أشعر بعد التهاب أسعار الغاز في السوق العالمية، والذي انعكس على أسعار “اليوريا” وهنا كذلك أكدت بأن “أسفرطراد” كانت تشتري اليوريا المدعمة بـ 28 ألف دج للطن، وأنها كانت هي الوحيدة التي تحتكر مجال توزيع وبيع “اليوريا” المنتجة من قبل الشركتين في السوق المحلي، وأن شركة “سورفيرت” تعتمد في تحديد السعر على مؤشر “فوب يوزني” وهو أدنى المؤشرات في البورصة.
كما أن إدارة شركتها قدمت تسهيلات كبيرة لـ “أسفر طراد” حيث كانت تُمكنها من شراء ما تبقى من حصتها المدعمة رغم مرور آجالها المحددة بسنة، وهو ما يؤكد أن “سورفيرت” مؤسسة “مُواطنة” ولا مصلحة لها في تفضيل طرف على آخر، وأفادت المتحدثة بأن بعض مصانع “اليوريا” في الخارج أغلقت أبوابها بسبب ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، وأن “سورفيرت” هي اليوم بصدد إعداد دراسة لتوسيع وحدة إنتاجها لبلوغ إنتاج مليون طن إضافي من سماد “اليوريا 46%”، وأنها ستتجه لتصديره إلى أمريكا اللاتينية وإفريقيا، وبعض البلدان الأوروبية، مشيرة إلى أن عملية التصدير قد تمت مع دولة موريتانيا مؤخرا.
للإشارة، فإن جريدة “الشروق” حاولت الاتصال بمدير شركة “آوا” بوهران هاتفيا عدة مرات لكن بدون جدوى، وبعثت له رسالة نصية على هاتفه النقال لهذا الغرض لم يرد عليها إلى غاية كتابة هذا الموضوع، كما أنه كان مقررا أن نلتقي بمدير شركة “أسفرطراد” بوهران لكنه اعتذر في آخر لحظة.
سجل حافل بفضائح التسيير
نشير في الختام إلى أن نقابة “أسفر طراد” تحضر لملاقاة الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين، لوضعه في صورة ما يحدث لمؤسستهم، ولمطالبته بالتدخل لإنقاذ مؤسستهم التي توظف أكثر من 500 عامل على المستوى الوطني. للتذكير، فإن مؤسسة “أسفر طراد” اهتزت في وقت سابق على وقع فضائح تسيير من الحجم الثقيل، حيث تمت متابعة كل من المدير العام السابق “ع/ن”، ورئيسة مصلحة الموظفين “ح/م” وصاحب شركة “ألجي” “غ/ج” ومسير الشركة “ل/ش”، على أساس ارتكابهم جنحة أخذ فواتير غير مستحقة بصفة غير قانونية، إساءة استغلال الوظيفة في اطار الصفقات العمومية، منح مزايا غير مبررة في اطار الصفقات العمومية، التأثير على الأعوان الاقتصاديين، -جنحة المحاباة- تعارض المصالح، وأصدرت بحقهم الغرفة الجزائية بمجلس قضاء عنابة بتاريخ 11/07/2021، قرارا بإدانة كل واحد منهم بسنتين حبسا نافذا، بعد استئناف الطرف المدني صاحب شركة “ترامز واست” في الحكم الصادر عن محكمة الحجار بتاريخ 25 فيفري 2021، والقاضي ببراءة المتهمين.
ونذكر هنا أن الطرف المدني صاحب شركة “ترامز واست” المتخصصة آنذاك في نقل الأسمدة، أصبح اليوم من بين أكبر المتعاملين الخواص بوهران الذين يستفيدون من شراء سماد “اليوريا” بالمبلغ المحدد بـ 35 ألف دج للطن المِتْري، وبحسب ما أفادنا به أحد الفلاحين بمنطقة مسرغين بوهران، أن سعر شراء “اليوريا” وصل إلى حدود 12 ألف دج للقنطار الواحد أي 120 ألف دج للطن، وهو ما ساهم في ارتفاع أسعار البطاطا وباقي المنتجات الفلاحية التي تعتمد على الأسمدة. هذه الفوضى التي تسود سوق الأسمدة أو “الذهب الأبيض” تُثبت أن المستفيد الأول منها هم المتعاملون الخواص، الذين فُتحت لهم أبواب السماء لتحقيق الثراء الفاحش على حساب بطون المواطنين، ما يستدعي من وزارة الطاقة والمناجم التحرك بأقصى سرعة لتصحيح هذا الاعوجاج الذي قد تكون له عواقب كارثية على أمننا الغذائي.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس