أفريقيا برس – الجزائر. أجمعت ثلاثة أحزاب سياسية جزائرية نادرا ما تحركت في إطار جماعي، رغم انحدارها من معسكر المعارضة، على أن قانون المناجم الجديد المعتمد مؤخرا، يثير قلقا عميقا لديها، ودعت في بيان لها الرئيس تبون الى فتح نقاش حقيقي حول الملف، قبل أن يتم تقييد البلاد ورهن مستقبل الأجيال، بسبب التنازلات الكبيرة التي قدمها للشراكة الأجنبية.
حذر بيان وقعته قيادات كل من حزب جيل جديد، والعمال، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، السلطات العمومية من مغبة اعتماد قانون المناجم الجديد، نظرا لما ينطوي عليه من مخاطر على السيادة الوطنية والطابع الاستراتيجي للموارد الباطنية، ورهن مستقبل الأجيال في أيدي شركات التعدين العالمية.
وكان البرلمان الجزائري، قد صادق بالأغلبية على قانون المناجم الجديد شهر جوان الماضي، وسط جدل صاخب حول ما أسمته المعارضة بـ “مجازفة الحكومة بالأملاك العمومية”، ورغم معارضة كتلة حركة مجتمع السلم وبعض النواب الحزبيين والمستقلين على القانون، إلا أن الأغلبية الموالية أمّنت الأريحية للحكومة.
وقال بيان الأحزاب الثلاثة، الذي اطلعت عليه “أفريقيا برس”، بأن “قلقا عميقا ينتابنا إزاء هذا التغير الجذري والعنيف في التوجه الذي يحكم قطاع المناجم، كونه يتعارض مع المصالح الوطنية، فهو يلغي الطابع الاستراتيجي لهذا القطاع، كما يلغي سيادة الدولة المجسدة في قاعدة 51/49، التي كانت قد كرست فتحا جزئيا للقطاع في سنة 2014 في إطار إعادة تأميم المناجم بعد 13 سنة من النهب الأجنبي”.
وأضاف: “القانون الجديد يُخرج قطاع المناجم من الملكية الجماعية للأمة رغم كونها غير قابلة للمساس مثلما هو منصوص عليه في المادة 20 من الدستور. من هنا فصاعدا ووفقا لهذا القانون الجديد، سيتم استغلال المناجم على أساس الشراكة التي تمنح من خلالها نسبة تصل إلى 80 بالمائة من الأسهم لصالح الشركاء الخواص الأجانب، في حين لا يمكن للطرف الجزائري العمومي امتلاك سوى 20 بالمائة من الأسهم”.
هل يتوسع قانون المناجم الى قطاع المحروقات
وتابع: “كل هذا في إطار عقود امتياز مدتها 30 سنة قابلة للتجديد والتنازل والرهن والاحالة، مما يفتح الباب لدخول فاعلين مستثمرين مزعومين لا يمكن التحكم فيهم بما في ذلك كيانات معادية لبلادنا، مع السماح لهم باستخدام أموال الخزينة العمومية الجزائرية لتمويلهم”.
وجرد البند 102 من القانون المذكور، قطاع المناجم في البلاد، من الطابع الاستراتيجي، بفتح المجال أمام المستثمرين الأجانب لامتلاك الأغلبية في المكامن المنجمية تصل الى 80 بالمائة، بينما لا يبقى في حوزة القطاع الوطني إلا سقف 20 بالمائة.
وحذر الخبير والناشط السياسي رشيد بودلال، من التداعيات المنتظرة للقانون الجديد على القطاع بشكل عام، وعلى المنظومة البيئية وعلى الموارد المائية، كون الوصاية المفترضة (وزارة الطاقة)، لا يبقى في حوزتها بموجب القانون الجديد، امكانية مراقبة وضبط النشاط، خاصة في المجال البيئي، لاسيما وأن المستثمر تهمه الموارد بالدرجة الأولى وليس النظام البيئي أو المائي.
وأكد، لـ “أفريقيا برس”، على أن “القانون الجديد يعكس الرغبة الملحة للحكومة في توفير موارد مالية جديدة بكل الوسائل، دون التفكير في الرهانات والتحديات الكبرى للبلاد، وأولها الذهاب الجاد الى وضع استراتجية وطنية شاملة وناجعة لتنويع مصادر الدخل، وتقليص التبعية للموارد الطاقية والمنجمية”.
ولفت الى أن، شركات التعدين والمناجم العالمية، هي في الغالب عناوين للاستغلال واستنزاف ثروات الشعوب، وهناك تجارب كثيرة تحولت الى كوارث اقتصادية وطبيعية وبشرية، وأن اقرار الحكومة بهذه الخطوة تضع البلاد والأجيال معا على حافة مخاطر مدمرة.
ورغم انتماء الأحزاب الموقعة على البيان الى صفوف المعارضة السياسية المشتتة، الا أن الخطوة برأي متابعين، هي بمثابة الحصى التي يعول عليها لتحريك المياه الراكدة في البلاد، نتيجة استحواذ السلطة على كل السلطات والمؤسسات، وافراغ الطبقة السياسية والمجتمع المدني من محتواه.
وعادت الأحزاب الموقعة على البيان الى تجربة الوزير السابق للطاقة والمناجم شكيب خليل، لما قام بإلغاء تأميم المناجم العام 2001، بشرعنة ما أسموه، بـ ” النهب الأجنبي كما حدث في منجمي الونزة وبوخضرة في تبسة من طرف ميتال ستيل وثم أرسيلور ميتال، وكذلك منجم الذهب أمسماسة بتمنراست من طرف الشركة الأسترالية “جي أم أ”، أين نظم هؤلاء المستثمرين المزعومين افتراسا إجراميا لثرواتنا المنجمية وللأموال العمومية دون أي مقابل من حيث الاستثمارات، مما ترك هذه المناجم في حالة خراب تطلبت تدخل الدولة لإنقاذها”.
تجارب حبلى بالاستغلال واستنزاف ثروات الشعوب
وشددت على أن التجربة أثبتت في الجزائر وفي العالم معا، أن الشركات المتعددة الجنسيات التي تستغل الثروات المعدنية لا تبحث سوى عن الربح، ومن أجل هذا، لا تحترم القوانين الوطنية في مجال حماية البيئة والحفاظ على الموارد المائية ولا المعايير الدولية المتعلقة بنفس هذه الشروط للحفاظ على الصحة العمومية والثروة الحيوانية والنباتية”.
ويرى متابعون للشأن الجزائري، بأن قانون المناجم الجديد كان بمثابة الرسالة التي عبرت من خلالها الجزائر، عن استعدادها لفتح مجالها الباطني أمام الشركات العالمية الكبرى، لاسيما الصينية والأمريكية، فضلا عن استرضاء نوايا الادارة الأمريكية في البحث عن المزيد من الثروات الباطنية عبر العالم، خاصة المعادن النادرة، مقابل دعم مواقفها ومكانتها.
ويرى الخبير رشيد بودلال، بأنه منذ ظهور نوايا الادارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب، في الاهتمام بالموارد النادرة في العالم، سارعت القيادة السياسية الجزائرية الى التعبير عن استعدادها لفتح مجالها الباطني أمام الأمريكيين، بدعوى التعاون والانفتاح، بينما المقصد يكمن في نيل رضا وثقة الادارة الأمريكية، اسوة بما بذلته الأنظمة الخليجية برصد مبالغ ضخمة للأمريكان.
وتم التعبير عن هذا التوجه في عدة محافل سياسية، حيث صرح مسؤولون جزائريون، بداية من رئيس الدولة عبدالمجيد تبون، والديبلوماسي صبري بوقادوم، عن استعداد البلاد لارساء تعاون شامل ومثمر بين الطرفين، خاصة في قطاع المناجم، وتم سن القانون الجديد تمهيدا لقدوم الشركات المستثمرة.
وحذر بيان الأحزاب الثلاثة، من عدم توفير القانون لأي حماية للبلاد وفتح الباب لفقدان السيادة على ثرواتها، ومن أن التعديل تزامن مع سياق عالمي تم فيه إفتراس الثروات المنجمية كنظام لصالح الشركات المتعددة الجنسية على حساب البلدان المنتجة، وهوما لا يمكن التصدي له بفرض ميزان قوة على جميع البلدان.
ويرى مختصون، بأن الجزائر تحتوي على ثروات منجمية معتبرة ومتنوعة، ومعادن نادرة وثمينة، وهي محل أطماع قديمة للشركات المتعددة الجنسية. لكن هذه الموارد الطبيعية قادرة على أن تشكّل بصفة تدريجية مصدر دخل إضافي مهم للبلاد في مواجهة الأزمات البترولية غير المتوقعة.
وأبدى هؤلاء، مخاوفهم من أن تتوسع تجربة إلغاء تأميم المناجم، بصفة آلية إلى إلغاء تأميم المحروقات، ممّا سيتسبب في كساد يُغرق بصفة قاتلة البلاد بالعودة إلى المديونية الخارجية وهو ما سيقضي على المكاسب الاجتماعية والإقتصادية وسيدمر حظوظ تنمية اقتصادية حقيقية، خلاقة للثروة وحمّالة لأفق ضامنة حقيقة للرفاه الاجتماعي للشعب الجزائري عامة وللشباب خاصة.
لكن في المقابل رافعت الحكومة لصالح المشروع، برسم حزمة من الاصلاحات التي تستهدف “تبسيط الإجراءات، وتعزيز الشفافية، والرقابة البيئية، وتعزيز الاستثمار، وتنمية الموارد المحلية، وتأطير العلاقة بين الدولة والمستثمرين، وتعزيز دور الوكالات المنجمية، ووضع نظام جبائي خاص، وتنمية قطاع المناجم، وجذب الاستثمارات، وتنمية المناطق النائية، توفير مناصب الشغل”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس