قراءات جزائرية لرفض ماكرون طلب الصفح عن الاستعمار

15
قراءات جزائرية لرفض ماكرون طلب الصفح عن الاستعمار
قراءات جزائرية لرفض ماكرون طلب الصفح عن الاستعمار

عثمان لحياني

أفريقيا برس – الجزائر. مع كل تصريح يدلي به مسؤول فرنسي حول قضايا التاريخ والذاكرة وجرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، يكون رجع الصدى لافتاً في البلاد.

التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حول عدم اعتزام باريس طلب الصفح من الجزائر بشأن جرائم الاستعمار، تؤكد استمرار الجدل حول القضية التاريخية، وحساسيتها في مسار العلاقات بين البلدين، وتضع تفاهمات أغسطس/ آب 2022 على المحك.

وتُدرج مواقف وقراءات جزائرية تصريحات ماكرون، في حواره لمجلة “لوبوان” الفرنسية، عن أنه لا ينوي طلب الصفح من الجزائريين بشأن الماضي الاستعماري (1830-1962)، ضمن ما تعتبره محاولة لتغيير قواعد التفاهم على ملف الذاكرة، واستغلال التغييرات التي حدثت في العلاقات الجزائرية الفرنسية لتجنّب أي ضغوط جزائرية تخص الحصول على اعتذار رسمي من فرنسا.

وهذا الاعتذار لا يتوقف عند حدود الموقف السياسي، بقدر ما تصبح له تبعات أخرى قانونية على مستوى المسؤولية الجنائية للدولة الفرنسية، ومادية على مستوى التعويضات الواجب تأديتها لصالح الجزائر وضحايا الجرائم الفرنسية زمن الاستعمار.

وتجتهد باريس في كل الظروف لتجنّب هذه الاعتبارات، وتلافي الوقوع تحت الضغوط الجزائرية، وهو ما يدفعها إلى الحرص في المقابل على اقتراح مسار معالجة مشترك لملفات وقضايا الذاكرة، داخل سياق تاريخي، منفصل عن السياقات السياسية.

وفي السياق، يؤكد أستاذ التاريخ في جامعة خميس مليانة غربي الجزائر، أحمد بن يغرز، أن “فرنسا في تعاملها مع الجزائر، وتحديداً مع ملف الذاكرة، تسترشد باستراتيجية واضحة، قد تتنوّع فيها التصريحات، وقد تتفاوت في حدود أسقفها، وقد تتعدد الأدوار، لكنها في النهاية تعبر عن رؤية منسجمة تراعي التوازنات السياسية الداخلية، وتستوعب التناقضات التي تحيط بهذا الملف”.

ماكرون يريد مكاسب بدون دفع أثمان

ويضيف: “لذلك لا أستغرب موقف ماكرون، فهو يريد مكاسب بدون دفع أثمان كبيرة، يريد إدارة إعلامية للموضوع وليس تناولاً حقيقياً له، ولا أتوقع أكثر من ذلك”. ويعتبر أن ذلك يدفع إلى القول إن “ملف الذاكرة هو ملف جزائري بالأساس، وأي رهان يجب في اعتقادي أن ينطلق من هنا”.

ويضيف: “يمكن تدويل هذا الملف في جعله مطلباً جماعياً لكل ضحايا السياسات الاستعمارية في أفريقيا وآسيا، وربما يعطي ذلك وزناً لهذا الملف في الضغط على الدول الاستعمارية، وفي مقدمتها فرنسا”.

في موازاة ذلك، تدفع تصريحات ماكرون أطرافاً أخرى في الجزائر إلى طرح مقاربة محلية، تضع الإطار القانوني لمعالجة قضايا التاريخ العالق، والحفاظ على مجمل الحقوق التاريخية للجزائر، دون انتظار اعتذار من فرنسا حول جرائم الاستعمار.

ويسود تشكيك في جدوى إنشاء لجنة مشتركة من المؤرخين من البلدين، والتي تقررت خلال زيارة ماكرون إلى الجزائر في أغسطس الماضي. وحددت أهداف اللجنة بأن “تكون مسؤولة عن العمل على جميع الأرشيفات التي تشمل الفترة الاستعمارية وحرب الاستقلال. ويهدف هذا العمل العلمي إلى معالجة جميع القضايا، بما في ذلك تلك المتعلقة بفتح واستعادة الأرشيف والممتلكات ورفات المقاومين الجزائريين، وكذلك التجارب النووية والمفقودين”. ومردّ هذا التشكك يعود إلى أن تجربة أولى لصياغة تقرير مشترك في 2021 كانت قد باءت بالفشل، بسبب النزعة الفرنسية للتعامل مع جرائم الاستعمار “كأحداث تاريخية” دون تبعات محددة.

سن الجزائر قانون تجريم الاستعمار

وفي السياق، يعتبر النائب السابق في البرلمان الجزائري محمد أرزقي فراد، والذي كان قد اقترح مسودة قانون لتجريم الاستعمار، أنه “بدلاً من انتظار الاعتذار الفرنسي الذي قد لا يأتي، الأفضل أن تتركز المبادرة الجزائرية حول سن قانون تجريم الاستعمار”.

ويرى أنه “سياسياً، لا يعقل أن تقدم فرنسا اعتذارها للجزائر عن جرائم الاستعمار، بينما المؤسسات الجزائرية عاجزة عن سن قانون لتجريم الاستعمار، والمطلوب من الدولة الجزائرية تحريك آلية الاستعمار، لا أن تنتظر الاعتذار من الدولة الفرنسية”.

ويلفت إلى أن “الموقف الفرنسي المتمسك برفض الاعتذار ناتج أيضاً عن أن باريس ما زالت تعتقد أن الدبلوماسية الجزائرية عاجزة عن توظيف أوراق، أو بسبب هشاشة السلطة، وأقل وزناً من أن تمارس الضغوط عليها، خلافاً لقوة اللوبي الصهيوني الذي ضغط على فرنسا من أجل تقديم اعتذاراتها لليهود”.

ويمكن ملاحظة أن تصريحات ماكرون حول مسألة العلاقة مع الجزائر وقضايا التاريخ تأتي توالياً بعد تصريحات مسؤولين فرنسيين سابقين حول العلاقة مع الجزائر، بينهم المدير السابق للمخابرات الفرنسية برنار باجولي، والذي عمل سابقاً سفيراً في الجزائر، والذي قال في مقابلة مع إذاعة “بي أن أم” الفرنسية في 18 مارس/ آذار الماضي، إن السلطات الجزائرية تستغل ملف التاريخ، وإذا كان يتوجب فتح الأرشيف، فإنه يجب فتحه من الطرفين”.

وقال السفير الفرنسي السابق في الجزائر أيضاً، كزافيي دريناكور، في مقال نشره الإثنين الماضي في صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، إن “الجزائر الجديدة بصدد الانهيار أمام أعيننا، وهي تجر معها فرنسا في طريقها للانهيار بشكل أقوى من تسبب الثورة الجزائرية في سقوط الجمهورية الفرنسية الرابعة عام 1958”.

ارتباك العلاقات الجزائرية الفرنسية

ويعتبر الباحث في الشؤون السياسية عمار سيغة، أن التاريخ الاستعماري الذي يقع في عمق مشكلات السياسة الفرنسية يبقي باريس دائماً في حالة تبعية للجزائر عند كل نقاش حول العلاقات بين البلدين.

ويقرأ سيغة تصريحات ماكرون كـ”ترجمة لارتباك حقيقي تعيشه العلاقات الجزائرية الفرنسية في السنوات الأخيرة، خاصة بعد مجيء عبد المجيد تبون” للحكم. ويتوقف عند “فقدان فرنسا للوبيات في العمق المؤسساتي الجزائري منذ رحيل (الرئيس عبد العزيز) بوتفليقة، فضلاً عن كسب الجزائر عدة معارك على جبهة ملف الذاكرة، لا سيما استرجاع جماجم قادة المقاومة الشعبية وإبداء تمسك كبير بالحقوق التاريخية”.

وبرأيه فإن “التصريحات الأخيرة من حيث توقيتها السياسي تعيدنا إلى نقطة البداية، ضمن مسار لسياسة فرنسا وسيناريو الكر والفر في التعامل مع أحد أهم الملفات الشائكة التي لا تزال فرنسا تتعمد إطالتها، وهي التي تناور دوماً للإبقاء على الملف دون حسم”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here