مصطفى واعراب
أفريقيا برس – الجزائر. منذ عام 2021، والمغرب والجزائر عالقان في أزمة دبلوماسية وعسكرية غير مسبوقة. وتخاطر الحوادث التي تقع في الصحراء الغربية بدفع البلدين إلى حافة المواجهة العسكرية. كما أن تطبيع علاقات الرباط مع الكيان الإسرائيلي أصبحت مصدرا للاحتكاك.
وإذا كان ضبط النفس المتبادل في البلدين، والضغوط الأميركية قد ساعد على احتواء التوترات بين البلدين حتى الآن، فإن الضغوط المتصاعدة يمكن أن تقوِّض الوضع الراهن في أية لحظة قادمة.
وتشمل عوامل المخاطرة سباق التسلح “المجنون” في البلدين الجارين، وانتشار المعلومات المضللة على الإنترنت، وكذا ارتفاع حدة التشدد بين شباب جبهة البوليساريو، الداعية إلى استقلال الصحراء الغربية عن المغرب، وأيضا وأساسا تغيير الإدارات الأميركية في 20 يناير القادم (بداية ولاية ترامب الجديدة).
إن مجموع هذه العوامل بات ينذر بخروج الأمور عن السيطرة وانفجار برميل البارود، الذي تقف عليه المنطقة المغاربية بين أكبر بلدين فيها. وهو وضع حرج يستنهض الضمائر الحية وعقلاء القوم في البلدين لوقف التدهور المتسارع بينهما. في هذا الإطار، نشرت “مجموعة الأزمات الدولية international crisis group “، بتاريخ 29 نوفمبر 2024، دراسة مطولة تحت عنوان: «إدارة التوترات بين الجزائر والمغرب»، استعرضت فيها جذور وتشعبات الأزمة العميقة التي تعصف بالبلدين منذ عقود، قبل أن تخلص إلى تقديم توصيات للمستوى السياسي في البلدين وعلى المستوى الدولي، في مسعى لمنع أي انزلاق محتمل نحو الحرب.
و”مجموعة الأزمات الدولية” هي منظمة تعمل على منع الحروب، وتشكيل السياسات التي من شأنها بناء عالم أكثر سلاما، من خلال دق ناقوس الخطر لمنع الصراعات المميتة، حسبما جاء في منشورها.
وقد تأسست في عام 1995 – في سياق الحروب التي شهدتها الصومال ورواندا والبوسنة، بهدف تنبيه العالم إلى الصراعات المحتملة أو القائمة، قبل أن تخرج عن نطاق السيطرة.. تحت شعار: ” إن الحرب ليست حتمية بل هي كارثة من صنع الإنسان”.
وتقدم المنظمة نفسها على أنها “تقدم التحليلات والمشورة المستقلة، حول كيفية منع الصراعات المميتة أو حلها أو إدارتها بشكل أفضل. وذلك عن طريق الجمع بين البحث الميداني المتخصص، والتحليل والمشاركة مع صناع السياسات في جميع أنحاء العالم، من أجل إحداث تغيير في مواقف الأزمات التي نعمل عليها”.
وبالنظر إلى أهمية الدراسة، تقدم “أفريقيا بريس” قراءة لأهم ما جاء فيها.
في عام 2021، قطعت الجزائر علاقاتها بالمغرب. ومع ذلك، فقد تمكن البلدان من تجنب مواجهة مسلحة على الرغم من وقوع حوادث عدة في الصحراء، كان من شأنها أن تؤدي إلى تصعيد عسكري. كان المغرب قد تحرك في عام 2020 لتطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي والسعي نحو التعاون العسكري معها. فرأت الجزائر في علاقات إسرائيل التي تزداد قوة مع غريمها المغرب – إضافة إلى تطورات أخرى – تهديداً لأمنها القومي. لكن نقطة الاشتعال الرئيسية بين البلدين تتمثل في مشكل الصحراء الغربية، حيث يفرض المغرب سيادته، بينما تدعم الجزائر جبهة البوليساريو الداعية إلى استقلال الإقليم.
حتى الآن، حافظ البلدان على ضبط النفس بدعم من الدبلوماسية الأميركية. لكن الأعمال القتالية في الصحراء التي تقول الأمم المتحدة إنها “منخفضة الشدة”، وكذا المعلومات المضللة التي تنتشر على الإنترنت، وسباق التسلح بين البلدين، واقتراب تنصيب إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، تشكل جميعها مخاطر. وبرأي خبراء “مجموعة الأزمات الدولية”، يمكن للدول الغربية أن تساعد في إدارة هذه الأزمة، من خلال الإصرار على ضرورة حماية المدنيين من قبل طرفي الصراع في الصحراء، والسماح لبعثة الأمم المتحدة (مينورسو) العاملة هناك، بالقيام بعملها، وأيضا من خلال الحد من بيع الأسلحة للبلدين، ودعم المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة بشأن الصحراء الغربية، والضغط على شركات وسائل التواصل الاجتماعي للحد من خطاب الكراهية على الإنترنت في الجزائر والمغرب، على حد سواء.
على مدى السنوات القليلة الماضية، اتبع المغرب والجزائر على حد سواء مواقف أكثر حسماً في السياسة الخارجية. ففي ظل حكم الملك محمد السادس، عزز المغرب نفوذه الإقليمي، ولا سيما من خلال الضغط على الصحراء الغربية، ووسع علاقاته الدولية. على العكس من ذلك، تراجع نفوذ الجزائر بعد إصابة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بسكتة دماغية في عام 2013 وقيام حركة احتجاجية مناصرة للديمقراطية في الفترة 2019-2021، التي أبقت السلطات مشغولة بالاستقرار الداخلي. لكن في ظل حكم الرئيس عبد المجيد تبون، الذي انتخب عام 2019، بدأت الجزائر محاولة إعادة مكانتها التاريخية في شؤون شمال أفريقيا ومنطقة الساحل.
مسلسل التوتر
على هذه الخلفية، شكلت سلسلة من الحوادث في عامي 2020 و2021 مصدراً لاحتكاك كبير بين البلدين. وأدى تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل في أواخر عام 2020 إلى استعداء الجزائر، التي شعرت بوجود مؤامرة ضد مصالحها. فاقمت أحداث لاحقة، بما في ذلك بيان المغرب الداعم لحق تقرير المصير في منطقة القبائل ذات الغالبية البربرية في الجزائر، واستعماله المزعوم لبرمجيات تجسس لجمع المعلومات الاستخبارية عن المسؤولين الجزائريين. في آب/أغسطس 2021، اتهم وزير الخارجية الإسرائيلي يائيير لبيد التدخل بشؤون منطقة الساحل خلال زيارة قام بها إلى الرباط، الأمر الذي دفع الجزائر إلى اتخاذ قرار تعليق العلاقات مع جارها. فاقمت سلسلة من الأحداث اللاحقة النزاع، ودفعت الرباط والجزائر إلى شراء أنظمة أسلحة جديدة من الخارج في منافسة متصاعدة. كما أن وجود المعلومات المضللة على الإنترنت في كلا البلدين صب الزيت على النار.
في غضون ذلك، اندلع القتال مجدداً في الصحراء الغربية، حيث نقضت البوليساريو اتفاق وقف إطلاق النار، الذي دام 30 عاماً، في أواخر عام 2020. ومنذ ذلك الحين والرباط وجبهة البوليساريو عالقان في حرب استنزاف عرَّضت للخطر بعثة الأمم المتحدة العاملة في الصحراء الغربية منذ عام 1991. في عامي 2022 و2023، قالت البعثة إنه قد يتعين عليها الانسحاب، وهو الأمر الذي كان يمكن أن يضع القوات المغربية والجزائرية وجهاً لوجه على الحدود، ويزيد من مخاطر نشوب حرب بين البلدين على نحو دراماتيكي. وتم الحفاظ على البعثة بفضل تدخل الولايات المتحدة، ما نتج عنه خفض حدة التوترات بعد ذلك.
لقد لعبت الجهات الخارجية الفاعلة في هذه التطورات أدواراً مختلفة. ففي واشنطن، حاولت إدارة بايدن منع نشوب صراع مباشر من خلال تعميق انخراطها مع الأطراف الثلاثة الضالعة في الأزمة: الجزائر والمغرب وبوليساريو. لكن على العكس من ذلك، واجهت الحكومات الغربية صعوبة كبيرة في مساعيها الدبلوماسية، حيث علقت وسط لعبة صفرية بين الجزائر العاصمة والرباط. فحاولت إسبانيا وفرنسا موازنة علاقاتهما لكنهما اصطفتا في النهاية إلى جانب المغرب، وعبَّرتا عن دعمهما لحله المقترح لصراع الصحراء الغربية. وفي كلتا الحالتين، أدى هذا التحول إلى تنفير الجزائر، بينما حاول الاتحاد الأوروبي حماية علاقاته مع المغرب، من تداعيات معركة قانونية طويلة الأمد على الصحراء الغربية، في محكمة العدل الأوروبية. وسعى الاتحاد (بنجاح متفاوت المستويات) إلى موازنة هذا الجهد مع مواصلة التواصل مع الجزائر.
ثم لم تلبث الخصومة الجزائرية–المغربية أن امتدت إلى أجزاء أخرى من شمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء. فقد استغل المغرب تراجع نفوذ الجزائر في منطقة الساحل، ليعرض على بلدانها مد طريق سريع يربط هذه المنطقة بالصحراء الغربية، التي يسيطر عليها المغرب. ورداً على ذلك، اقترحت الجزائر تجمعاً في شمال أفريقيا، يشمل ليبيا وتونس ويقصي المغرب. أما في الاتحاد الأفريقي، فقد قوضت الاحتكاكات بين الجارين اللدودين أحياناً العمل المنتظم لمؤسسات. المنظمة القارية.
الوضع الراهن هَشّ
على الرغم من التوترات الدبلوماسية والعسكرية، تمكنت الجزائر والمغرب ─حتى الآن─ من تجنب المواجهة العسكرية المباشرة. وعندما قطعت الجزائر علاقاتها مع الرباط في عام 2021، لم يكن من الواضح على الفور ما الذي سيحدث. ورغم أن أيا من الجانبين لم يرغب في الحرب، فقد انغمس كلاهما في خطاب تحريضي فتح، إلى جانب الافتقار إلى قنوات للاتصال بينهما، سبل التصعيد. كما هدد الصراع المتجدد في الصحراء الغربية بشكل دوري بجلب الجزائر والمغرب إلى الضربات. وبعد ثلاث سنوات من القطيعة الدبلوماسية، أصبح الوضع أكثر هدوءاً. ويبدو أن كلا الطرفين أصبح أفضل في حل سوء التفاهم، ويرجع ذلك جزئيا إلى تدخلات إدارة بايدن في الوقت المناسب.
لكن مع ذلك، لا تزال الحوادث العسكرية المتفرقة تهدد الوضع الراهن الهش. وفي حين يتجاوز النزاع القائم الخلافَ حول الصحراء الغربية، فإن الخطر أعظم في هذا الجانب. فقد كان من الممكن أن يدخل البلدان في مواجهة عسكرية بسبب ثلاث حوادث: مقتل سائقي الشاحنات الجزائريين في الصحراء الغربية، على يد الجيش المغربي، في نوفمبر 2021؛ وانسحاب بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية من المنطقة العازلة في عام 2022، ومقتل مواطن مدني مغربي في قصف لجبهة بوليساريو لمدينة السمارة في أكتوبر 2023. وفي كل هذه الحالات، تمت تهدئة الموقف من خلال مزيج من ضبط النفس المتبادل من جانب البلدين، والوساطة الدبلوماسية الخارجية.
لقد كشفت كل من هذه الأحداث عن وجود نوع من الخطوط الحمراء بالنسبة إلى كلا البلدين. فعندما زعم المغرب أنه قتل مدنيين جزائريين في الصحراء الغربية، هددت الجزائر بالانتقام. ثم عندما قتلت جبهة بوليساريو مدنيا مغربيا في السمارة، وعدت الرباط بالانتقام. وعلى الرغم من ذلك لم ينفذ أي من الطرفين تهديده. لكون كل واحد منهما أدرك الخطر الضمني للتصعيد، فتجنب بعناية اتخاذ إجراءات استفزازية مماثلة بعد ذلك. وعلى نحو مماثل، عندما هددت بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية بالانسحاب، وهو ما كان سيؤدي إلى استيلاء القوات المغربية على المنطقة العازلة، ويقود إلى اندلاع مواجهة القوات الجزائرية وغريمتها المغربية وجها لوجه على طول الحدود.. كان هناك جهد متضافر لخفض التصعيد، أعقبه التزام ضمني من الطرفين بتجنب سيناريو مماثل في المستقبل.
وعلى الرغم من انتهاء وقف إطلاق النار لعام 1991، فإن الرباط والجزائر تريدان الإبقاء على بعض ترتيباته ــ وخاصة منها ما يتعلق بأن تتولى بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية مراقبة المنطقة العازلة. ولكن ما دامت حرب الاستنزاف في الصحراء قائمة ضمن هذه الحدود، فإن خطر اندلاع صراع أوسع نطاقاً يبدو قابلاً للتحكم فيه. ورغم أن هذه القواعد الناشئة للعبة (والتي تعكس في بعض النواحي التزامات الأطراف المعنية بنزاع الصحراء بقواعد القانون الإنساني الدولي) قد خفضت المخاطر، فإن أربعة عوامل قد تدفع المنطقة إلى الاشتعال.
أولها، دعوة الناشطين الصحراويين الشباب، الذين يشعرون باستياء متزايد إزاء استراتيجية حرب الاستنزاف التي تنتهجها جبهة بوليساريو، إلى القيام بتصعيد حاد ضد المغرب. ومن المرجح أن يظل هذا الضغط مرتفعا، مع صعود المسؤولين الأصغر سنا [الشباب] من المستوى المتوسط في الرتب، وزيادة نفوذهم داخل الجبهة في صنع القرار. والواقع أن كيفية تطور هذا النقاش الداخلي قد تكون ذات أهمية كبيرة بالنسبة للاستقرار الإقليمي، بخاصة إذا هددت الجبهة مرة أخرى عمليات إعادة إمداد بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية، أو ضربت مدينة أخرى في الصحراء الغربية الخاضعة لسيطرة المغرب.
ترامب قد يفاقم التوترات
وثانيها، أنه قد يوفر سباق التسلح بين الجزائر والمغرب ميزة مؤقتة، أو يمكن له أن يزيد من صور التهديد، مما يدفع أحد الجارين إلى إلحاق الضرر بالآخر. وبينما يظل الجيش الجزائري متفوقًا بشكل عام على الجيش المغربي، إلا أن هذا الأخير يكتسب معدات أكثر تطورا من الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي، يمكن أن ترجح ميزان القوى لصالحه في أية حرب محتملة. وإذا اعتقد أي من الجانبين أن التوازن في ميزان القوى الحالي سيبقى على ما هو عليه إلى الأبد، أو حاول استباق أي تحول في ميزان القوى لصالحه، فقد يقرر ضرب البلد الخصم على أمل الفوز في صراع محدود في الوقت والنطاق. وفي حين أن هذا الخطر متواضع حاليا، إلا أن كلا الجانبين قلقان بشأنه مع ذلك. وقال محلل مغربي “إن المغرب يستعد لاحتمال نشوب صراع مسلح”، بينما يعتقد باحث جزائري أن “خطر التصعيد الذي يمكن أن يؤدي إلى الحرب هو موجود بالفعل”. وقد تمكنت إدارة بايدن من تهدئة الأعصاب، من خلال إعادة التعامل مع جميع أطراف النزاع.
وأما العامل الثالث، فهو انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة للمرة الثانية. وخلال فترة ولايته الأولى (2017-2020)، أججت إدارته التوترات الإقليمية – ويمكن القول إنها زادت من تصور الجزائر أنها مهددة – من خلال الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، ودعم المغرب في تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل. بينما تمكنت إدارة بايدن، بالمقابل، من تهدئة الأعصاب، من خلال إعادة التواصل مع جميع الأطراف. وفي سياق ذلك، يمكن للإدارة القادمة أن تلعب دورًا مزعجًا مرة أخرى، على الرغم من أنه لا يزال من غير المعروف ما هي الخطط (إن وجدت) التي لدى فريق ترامب لشمال إفريقيا. وإذا ما اختار دعم المغرب بشكل أكثر صراحة ضد الجزائر، أو العمل من خلال الأمم المتحدة لإنهاء بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية، فقد يتسبب بذلك في المزيد من الاحتكاكات في المنطقة.
ولكن حتى لو اختارت نهج عدم التدخل، فإن الوضع الراهن بين المغرب والجزائر قد يصبح أكثر هشاشة، حيث لن تعمل أي جهة خارجية على دعمه.
وأخيرا، فإن الانتشار المتزايد للمعلومات المضللة وخطاب الكراهية على الإنترنت، في كل من الجزائر والمغرب، ينشر روايات خطيرة بين عامة الناس، والتي قد تتسرب إلى حكومتَي البلدين على مستويات مختلفة. وبقدر ما أظهر القادة في كلا البلدين ضبطا للنفس جديرا بالثناء، في التعامل مع الحوادث التي كان من الممكن أن تتفاقم لولا ذلك، فقد ساعدوا أيضا في إثارة سوء النية في وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية.
إذا ما استمر الوضع في هذا الاتجاه، فقد تجد كلتا الدولتين صعوبة متزايدة في إدارة الحوادث في الصحراء الغربية مستقبلا، أو في أي مكان آخر [من البلدين]. فقد تدفعهما الضغوط من الممارسة من لدن الشعبين الجزائري والمغربي، والوكالات الحكومية في البلدين إلى اتخاذ إجراءات محفوفة بالمخاطر. وعلى الرغم من هذه العوامل المقلقة، فإن الخطر الإجمالي للصراع المفتوح يظل منخفضا بشكل عام، بخاصة لأن كلا الطرفين والجهات الفاعلة الخارجية لديهم شعور بالمخاطر التي يضمرها أي تصعيد محتمل. فمن المؤكد أن التأثير على البلدين وجيرانهما سيكون شديدا.
من المرجح أن يعاني الجزائريون والمغاربة، الذين يعيشون على طول الحدود، فضلا عن اللاجئين الصحراويين، من خسائر بشرية كبيرة ونزوح [في حالة اندلاع مواجهة عسكرية بين البلدين]. وبالإضافة إلى ذلك، قد تهدد الحرب إمدادات النفط والغاز من الجزائر إلى أوروبا، وتحد من قدرة البلدين على السيطرة على الهجرة غير النظامية عبر البحر الأبيض المتوسط.. بل ومن الممكن حتى أن تتعرض السفن التجارية التي تمر عبر مضيق جبل طارق للخطر.
توصيات
وأخيرا، قد يؤدي الصراع إلى تعطيل التجارة مع الدول المجاورة، مثل موريتانيا ومالي، مما قد يدفع أسعار السلع الأساسية إلى الارتفاع. وهو ما يفرض أن تسارع الجهود نحو تعزيز الوضع الراهن، والتحرك من ثمة نحو المصالحة. وفي هذا السياق، يجب أن يكون التوازن في شمال أفريقيا أولوية للشركاء الخارجيين للبلدين، على الرغم من أن العواصم الغربية قد تكون الأكثر انفتاحا على الضغط في هذا الاتجاه. ومن خلال التأكيد على أهمية الاستمرار قدر الإمكان في التزام البلدين بقواعد اللعبة [التي ظهرت بوضوح (حيث نلاحظ تقاربها معا من الالتزامات القانونية الدولية)، يمكن للولايات المتحدة والدول الأوروبية التقليل من خطر حصول المواجهة العسكرية المباشرة بين البلدين. وفي رسائلهم الخاصة والعامة إلى جميع الأطراف، يجب على هذه القوى الدولية المؤثرة التأكيد على الحاجة الملحة لحماية المدنيين في الصحراء الغربية، وكذا حماية عمليات بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية. إن القيام بذلك من شأنه أن يساعد في تجنب دوامة التصعيد مستقبلا.
كما ينبغي على الحكومات الأميركية والأوروبية أن تسعى إلى معالجة العوامل التي تعرض الوضع الراهن للخطر، بدءا من سباق التسلح بين الجزائر والمغرب. وينبغي على الشركاء الغربيين أن يتأكدوا من أن مبيعاتهم من المعدات العسكرية، لا تغير بشكل غير ملائم توازن القوى في المنطقة، وتجنيد حلفاء مثل إسرائيل وتركيا للعمل على نفس الهدف. فعلى سبيل المثال، ينبغي على واشنطن أن تدرس بعناية عمليات نقل الأسلحة إلى المغرب، والتي يمكن أن تزيد بشكل كبير كلما تصور الجزائر مصدرا للتهديد، وفي الوقت نفسه، أن تضغط [واشنطن] على إسرائيل وتركيا لإبطاء وتيرة مبيعاتهما من السلاح إلى الرباط والجزائر معا.
على نحو مماثل، يمكن لدول الخليج، مثل المملكة العربية السعودية، أن تطلب من موسكو معايرة مبيعاتها من الأسلحة إلى الجزائر لتجنب التصعيد. وينبغي على الدول الأوروبية أيضا أن تستعد لتولي دور دبلوماسي قيادي أكبر، مع تولي ترامب الرئاسة مرة أخرى.
وإذا ما أعادت الولايات المتحدة التأكيد على موقف إدارة ترامب الأول، بشأن السيادة المغربية على الصحراء الغربية، أو إذا ما مالت بشكل أكثر وضوحا نحو المغرب، أو أوقفت مشاركة البيض الأبيض في خفض التوتر بين الجانبين، فقد تتصاعد التوترات بين الجزائر والمغرب. ولذلك يتعين على الدول الأوروبية أن تستعد للتعويض من خلال لعب دور أكثر توازناً، ونقل رسائل التهدئة إلى الجانبين، وكذا الاستعداد للتدخل في حال ما هددت الأوضاع بالتصعيد. وينبغي لها أن تكثف مشاركتها الدبلوماسية مع الجزائر والمغرب وجبهة بوليساريو، من أجل الحد من الضغوط الثنائية من جانب كل من الجزائر والمغرب، وإيصال رسالة متوازنة. كما يمكن للعواصم الأوروبية أيضاً إنشاء مجموعة اتصال أو آلية تنسيق أخرى، تضم إما الاتحاد الأوروبي، أو فرنسا وإسبانيا، أو غيرها من الدول الأعضاء الرئيسية الأخرى. وفي حين أن هذه الجهود قد لا تحل محل دور واشنطن بالكامل في المنطقة، إلا أنها قد تقطع شوطاً طويلاً نحو الحفاظ على الوضع الراهن الهش.
كما ينبغي على جميع الجهات الفاعلة الخارجية التي لها مصلحة في الاستقرار الإقليمي، أن تساعد في مكافحة انتشار خطاب الكراهية والتضليل عبر الإنترنت. وينبغي لها في سبيل ذلك، أن تضغط على منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وإنستغرام وإكس، من أجل تكثيف التدقيق في المنشورات المشبوهة، الخاصة بالبلدين. وأن تكون على استعداد للتدخل في حال ما إذا تزايدت المضايقات والتضليل وخطاب الكراهية، كما فعل فيسبوك من قبل، عندما علق الحسابات المغربية المزيفة. وينبغي أيضا لمنصات التواصل الاجتماعي تدريب أدوات تعديل المحتوى، التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، على اللهجات المحلية، وتعزيز الشراكات مع مدققي الحقائق والباحثين المستقلين المحليين. إن من شأن تعطيل هذه الحملات عبر الإنترنت أن يساهم بشكل كبير في احتواء خطر التصعيد.
وأيا ما كانت مواقف الإدارة الأمريكية الجديدة، ينبغي على الدول الأوروبية دعم جهود مبعوث الأمم المتحدة لاستئناف المفاوضات بشأن مستقبل الصحراء الغربية. لقد حقق دي ميستورا تقدماً لكنه واجه صعوبة في إقناع جميع الأطراف باستئناف المحادثات. ويرجع ذلك على الأرجح إلى إحجام واشنطن والعواصم الأوروبية عن ممارسة الضغوط على المغرب وجبهة بوليساريو، بسبب التكلفة العالية والانتقام المحتمل (بالنسبة للأوروبيين) الذي قد يترتب على أي نوع من الضغط.
كما ينبغي على الحكومات الأوروبية أن تدفع المغرب والجبهة إلى تقديم تنازلات متبادلة، من شأنها أن تبني قدراً من الثقة لقبول استئناف المحادثات، وتمهيد الطريق أمام دي ميستورا لتقديم خطة قابلة للتطبيق لإجراء الحوار. وقد تشمل هذه التنازلات إطلاق سراح بعض الناشطين الصحراويين المؤيدين للاستقلال على الأقل، من بين السجناء في المغرب، ووقف الأنشطة العسكرية من جانب واحد، من جانب جبهة البوليساريو. ومن شأن هذه التدابير أن تمنح دي ميستورا مساحة لتقديم خطة لاستئناف المفاوضات.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس