أفريقيا برس – الجزائر. سؤال يطرحه البعض في الجزائر كل سنة، بمناسبة الإعلان عن نتائج البكالوريا، أمام استمرار التميز الذي يحققه أبناء منطقة القبائل وبعض الولايات الأخرى، كاتجاه عام طويل المدى، يجب البحث عن أسبابه العميقة والموضوعية، بواسطة أدوات البحث العلمي الصارمة. سؤال لن تجيب عنه الأطراف التي تطرحه، لتكتفي في الغالب بالإحالة الى تفسيرات بعيدة عن المنطق، من باب أن هناك اتفاقا عاما بين أبناء المنطقة، على تزوير النتائج لصالح أبنائهم، يشارك فيه الأستاذ الذي يصحح أوراق الامتحان ومدير المدرسة والطاقم الإداري والأستاذ الذي يمنح إجابات نموذجية، يقدمها للتلاميذ، قبيل انطلاق الامتحان.
حالة أطلق عليها البعض اسم «السبورة السحرية»، رؤية خرافية تنطلق من نظرية المؤامرة التي سادت هذه السنوات، لدى بعض الجزائريين على خلفية ان أبناء منطقة القبائل، قد اخذوا أكثر من حقهم في الجزائر ما بعد الاستقلال، على أكثر من صعيد سياسي واقتصادي وثقافي، تؤكده تلك السيطرة التي تقوم بها النخب القبائلية على مقاليد سلطة المال والسياسة في الجزائر، حسب هذا الزعم الذي يسير في اتجاه، دعم الشقوق داخل البناء الاجتماعي الوطني، اعتمادا على قراءة هوياتية أفشلها الجزائريون وهي في قمة صعودها في سنوات الحراك، كما أفشلوها قبل ذلك أثناء حرب التحرير.
فكرة تجد من يقبل بها لدى بعض الأوساط الشعبية المغلوبة على أمرها، خاصة من أبناء المناطق التي كانت استفادتها متواضعة من جزائر الاستقلال. كما هو حال بعض جهات الهضاب العليا وعالم الريف عموما. شائعات أصبحت أكثر تداولا، بعد التوسع الذي عرفه استعمال الوسائط الاجتماعية من قبل فئات واسعة، بعد الانتشار الكبير للتعليم الذي عاشته الجزائر، وضع تحاول استغلاله بعض الوجوه من التيارات السياسية المعزولة، القريبة من الأطروحات المحافظة بشقيها القومي والديني، كأخر ورقة لها بعد الفشل السياسي الذي تعيشه، منذ فترة ليست بالقصيرة. أخطر ما في الأمر أن هذه الرؤية الهوياتية المعتمدة على نظرية المؤامرة، لم تبق حبيسة هذه الأوساط الشعبية المتذمرة من وضعها، بعد أن تبين بالملموس أن هذه الأفكار التي يروج لها حول منطقة القبائل، قد تم تبنيها – وربما لا بد من القول إنه تم إنتاجها عن قصد – من قبل مراكز قرار مهمة داخل مؤسسات النظام السياسي في الجزائر، كما تبين بقوة في سنوات الحراك، بعد المحاكمات التي انطلقت لبعض الوجوه، بنية خلق نقاط استقطاب لتقسيم الجزائريين وصرفهم عن المطالبة بالتغيير السياسي. رؤية تهمل القراءة الموضوعية، فتتناسى الحديث على سبيل المثال عن نسب النجاح العالية التي تسجلها البنات في كامل التراب الوطني، وهي تتغافل عن الأسباب السوسيو – ثقافية التي تفسر الاختلافات الملاحظة بين المدينة والريف والمدينة الكبيرة والصغرى، حتى وهي تعاين كيف تسجل المدن الصغيرة والمتوسطة نتائج جيدة في الامتحانات، نتيجة تحكم العائلات في الوسط الاجتماعي لأبنائها، ربما، عكس ما يحصل في المدن الكبرى التي لم يعد في مقدور العائلات التحكم في تربية أبنائها، ولا تلك النتائج الجيدة التي تظهر لدى بعض الثانويات بعينها، أكيد أن لها علاقة بالتسيير الصارم، الذي يميز طواقمها الإدارية والتربوية، التي تبين مع الوقت أنها قابلة للانتكاسة، نتيجة تغير بعض المعطيات، كما حصل في نتائج بعض الثانويات المعروفة في مختلف مناطق البلاد، ولا بالطبع النتائج المحققة من قبل أبناء وبنات فئات اجتماعية محددة، تميزت على الدوام بإنجاز تراكم علمي، تقوم بتوريثه لأبنائها وبناتها، كما هو حال بعض الفئات الوسطى الحضرية. أطروحات لا يهمها في نهاية الامر إلا البعد الهوياتي، الذي يحلو لهذه التيارات العزف عليه وهي تتحدث عن سيناريو السبورة السحرية السخيف، الذي يجد في الجزائر من يؤمن به ويدافع عنه، بل ويروج له. في وقت تقول فيها نتائج المنظومة التعليمية ككل، إن الوضع لا يسر في الجزائر، ونحن ننطلق من النتائج الرسمية المعلن عنها، كما حصل هذه السنة التي تم فيها الإعلان عن النجاح في البكالوريا بمعدل 9.5 بدل 10 المتعارف عليه في كل دول العالم. ولا عن نسب النجاح الضعيفة المعلن عنها، التي تعني أن نصف المرشحين لامتحان البكالوريا تقريبا، رسبوا فيه وعليهم إعادة السنة، وأن الناجحين منهم، سيكون مصيرهم التعثر وإعادة السنة في الغالب، لأنهم لن يتمكنوا من متابعة دراستهم بالفرنسية، كما هو حال طلبة العلوم الدقيقة والتكنولوجيا والطب والرياضيات – كما بينته نتائج المدرسة العليا للرياضيات منذ أيام – الذين درسوا حتى مرحلة البكالوريا بالعربية، وعليهم التكيف في مدة شهرين لا غير للانتقال إلى الدراسة بالفرنسية في الجامعة، خاصة بالنسبة لأبناء الفئات التي لا تتعامل بالفرنسية داخل وسطها العائلي، كما هو حال أغلبية أبناء الفئات الريفية والشعبية، إذا استثنيا أبناء الفئات الوسطى الحضرية من أبناء المدن الكبرى والمتوسطة، التي ما زالت تتعامل كليا أو جزئيا بهذه اللغة التي لم تعد متداولة بين الجزائريين من الأجيال الصغيرة، كما كان الحال في السابق.
نتائج البكالوريا وامتحانات أخرى، التي تؤكد أنه يجب البحث عن أسباب أكثر جدية لفهم وتفسير نسب النجاح والرسوب – ليس في الامتحانات فقط، بل في مناح كثيرة أخرى من مناحي الحياة – إذا اردنا فعلا الرفع من مستوى التعليم المتدني عندنا، بالتعرف على ما يمكن تسميته بقيم التنشئة الاجتماعية والثقافية المختلفة بين جهة وأخرى في هذا البلد – القارة، التي تجعل مناطق محددة، كما هو حال منطقة القبائل، تسجل نتائج إيجابية كقاعدة عامة في نتائج الامتحانات، هي التي عرفت الهجرة المبكرة من قبل أبنائها وانتشارا نسبيا للتعليم سمح لها بإنتاج نخبة كانت حاضرة عبر تاريخها استفادت منها مختلف مناطق البلاد، كما كان الحال مع خريجي مدرسة المعلمين في بوزريعة، في حين تستمر مناطق بعينها في تسجيل نتائج متعثرة. مقاربة سوسيو- ثقافية وتاريخية، تبعدنا عن القراءة الهوياتية التي يصر عليها البعض، كامتداد للأطروحات الكولونيالية التي عفا عليها الزمن، التي حاولت تقسيم الجزائريين على أساس عرقي يكذبه المسار التاريخي لهذا الشعب الذي يبين أبناؤه تعلقهم بالعلم، كما سجله سجين الرأي محاد قاسمي، ابن أدرار الصحراوية وهو يحصل على البكالوريا من سجنه. لتكون مفتاحه نحو الحرية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس