لماذا فشل طالب الإبراهيمي في الوصول إلى رئاسة الجمهورية في الجزائر؟

14
لماذا فشل طالب الإبراهيمي في الوصول إلى رئاسة الجمهورية في الجزائر؟
لماذا فشل طالب الإبراهيمي في الوصول إلى رئاسة الجمهورية في الجزائر؟

ناصر جابي

أفريقيا برس – الجزائر. سؤال استمر حاضرا معي وأنا انتهي من قراءة الجزء الرابع من مذكرات طالب الإبراهيمي -495 صفحة – والصادرة منذ أيام عن دار نشر القصبة، التي سبق أن نشرت له الأجزاء الثلاثة الأولى. كيف لم ينجح طالب المثقف والطبيب، ابن رئيس جمعية العلماء المسلمين، أول رئيس لجمعية الطلبة المسلمين الجزائريين وسجين حرب التحرير وعهد بن بلة، والوزير لمدة ربع قرن تقريبا بعد الاستقلال، في الوصول إلى هذا المنصب المهم في النظام السياسي الجزائري، الذي ترشح له – 1999 – مع مجموعة من الوجوه السياسية ضد بوتفليقة، قبل الانسحاب ليلة الاقتراع، بعد تأكدهم من أعمال تزوير لصالح المرشح الرسمي، ليتم إفشال ترشحه مرة أخرى في 2004.

يبقى اسم طالب الإبراهيمي حاضرا جزائريا على الدوام عندما يكون البلد في مفترق الطرق، كما حصل في بداية أزمة التسعينيات، التي تكلم عن بعض تفاصيلها في هذه المذكرات، وأثناء محطة الحراك كدليل على مركزية حضور هذا الرجل على الساحة السياسية الوطنية، وهو يعيش مرحلة متقدمة من العمر – من مواليد 1932.

قبل الانتهاء من قراءة مذكرات الدكتور طالب تبادرت إلى ذهني دردشة قديمة مع صديق عارف بما يميز الساحة السياسية والثقافية الجزائرية، تساءلت فيها حول سر نجاح صديق مشترك لنا نحن الاثنين، مهنيا واجتماعيا، رغم مستواه التعليمي المتواضع وقدراته الفكرية المحدودية. رد الصديق أقنعني وهو يقول لي إن ما تتكلم عنه من صفات هي نقاط قوة فعلية، وليست نقاط ضعف، كما يوحي بذلك سؤالك. فصديقنا نجح لأنه لم يدرس ولم يتعلم إلا النزر القليل. تعلمه جعله صاحب مواقف حاسمة في مجتمع مثل المجتمع الجزائري يؤمن بميزان القوى الفج والمباشر، لا يعطي قيمة للفكر والثقافة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمجال السياسي، الذي استولى عليه أصحاب المستويات التعليمية البسيطة والأميين في الجزائر، وضع لا يفسره التاريخ الثقافي للبلد فقط، بل تفسره كذلك الممارسات السياسية التي تكرست وأعيد إنتاجها بعد الاستقلال بشكل موسع، داخل مؤسسات الدولة المختلفة. طالب الذي حملت عائلته اسمها من مهنة التعليم التي زاولها الجد قبل الأب في الجزائر، الشام والحجاز في مجتمع فقير ثقافيا، كان ربما أكثر مما تتحمله اوضاع الجزائر ونخبها المتنافسة، فعاقبته على هذا التميز الذي ظهر في الانفتاح الذي بادرت به هذه العائلة وهي تزوج أبناءها من خارج الجزائر، بداية من جيل الأب الذي تزوج سيدة تونسية من أصول تركية كان قد تعرف على عائلتها في الحجاز. وهو ما سيكرره الابن وهو يتزوج من سيدة لبنانية في السنوات الأولى للاستقلال، زواج تحول في الثقافة الوطنية المنغلقة إلى نقطة ضعف لدى الرجل، حين اشترطت قوى سياسية متمترسة داخل هياكل النظام منع كل متزوج من صاحبة جنسية جزائرية غير أصلية الترشح للرئاسيات، التي فهمت في تلك الفترة أن المقصود بها كان طالب الذي لا تملك زوجته الجنسية الجزائرية الأصلية، قبل تدخل المجلس الدستوري وإلغاء هذا الشرط الإقصائي. طالب الذي ولد في سطيف في الشرق، وتربى في تلمسان في أقصى الغرب الجزائري والعاصمة لاحقا، قبل الانتقال إلى باريس لدراسة الطب والنضال السياسي في فيدرالية جبهة التحرير، التي ستأخذ طابعا وطنيا لم يتوفر لأي مؤسسة من مؤسسات الثورة، يكون قد كرر القطيعة نفسها مع الأرض في المجال السياسي، كما حصلت في زواجه. فلم يرتبط بأي لوبي جهوي من الناحية السياسية، فكان أقرب للفكرة الوطنية التي لم تكن تمنح حماية كافية للمتعلق بها بين أبناء الجهات الذين سيطروا على اللعبة السياسية في الجزائر، حتى وهو يحسب فكريا على جمعية العلماء داخل هياكل جبهة التحرير، قبل وبعد الاستقلال، بفكرها الديني الإصلاحي. هذا بالضبط ما حاول عبان رمضان أن يثمّنه في الرجل وهو يصر على ترشيحه لرئاسة اتحاد الطلبة المسلمين، على حساب عبد السلام الذي يقول طالب في مذكراته إنه لم ينس ذلك، وحاول أن يعاقبه عليه في سنة 1989، في كتاب صدر له حول الغاز الجزائري، تأكيدا للصراعات من كل نوع التي كان طالب طرفا فيها وأدت به إلى السجن في بداية الاستقلال، خلال فترة حكم بن بلة ومنعته لاحقا من الوصول إلى رئاسة الجمهورية في عهد زميله بوتفليقة، رغم الدعم الذي وجده من بومدين الذي منحه وزارة التربية لمدة طويلة. تجربة على رأس هذه الوزارة الأيديولوجية، التي زادت في تعميق صراعات الرجل مع منافسيه الفكريين في اليسار والتيار الثقافي الأمازيغي لاحقا، الذي يكون قد اقتنع بفكرة المؤرخ محمد حربي التي روج لها حول مدرسة طالب المعربة التي انتجت الإرهاب، حسبما جاء في المذكرات.

صراعات ميزت علاقات الرجل مع هذه النخب تكون وراء تعطيل وصوله إلى رئاسة الجمهورية في أكثر من لحظة سياسية فارقة، خاصة بعد أن تبنت هذه الأفكار قيادات عسكرية ذات تأثير قوي على القرار السياسي، كما حصل في بداية التسعينيات داخل نظام سياسي لم يكن فيه مطلوبا من رئيس الجمهورية تبني أفكار سياسية والدفاع عنها علانية، كما فعل طالب داخل جبهة التحرير، وهو يكوّن حزبا سياسيا – حزب الوفاء – لاحقا لم يحصل على الاعتراف به في وقت زميله عضو مجلس الثورة الرئيس بوتفليقة، صراعات وتنافس سياسي كان أكثر حضورا في علاقات الرجل مع اليسار والتيار الثقافي الأمازيغي الذي لم تشفع له الصداقات الكثيرة مع بعض وجوهه، كما كان سائدا مع المحامي علي يحيى عبد النور وحسين آيت أحمد، الذي تعرف عليه طالب أكثر خلال فترة السجن قبل استقلال البلاد، لتستمر صداقة الرجلين بعد الاستقلال، كما تم التعبير عنها في المجال السياسي، وهما ينسحبان من انتخابات 1999، وغيرها من المبادرات السياسية التي شارك فيها الرجل. صراعات من نوع آخر تكون هي الأخرى قد عطلت وصول الرجل إلى قصر المرادية داخل عائلته السياسية، وبين ابناء التيار الإسلامي هذه المرة، على الرغم من ما قد توحي به بعض المظاهر السياسية الخداعة، تركزت حول من يمثل هذا التيار سياسيا لدى صاحب القرار وبين الأوساط الشعبية الذي اتهم طالب بأنه أراد احتكاره له ولجمعية العلماء. هو المحسوب من قبل الكثير من أخوانه الإسلاميين على النظام الذي نافسه داخله الكثير من القوى السياسية المحسوبة على الفكرة الوطنية المحافظة. كما كان حاصلا في مؤسسات النظام كحزب جبهة التحرير ورئاسة الجمهورية التي وصلها طالب مستشارا، لكن ليس رئيس جمهورية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here