“لمّ الشمل” في الجزائر: مبادرة حوار تتحول خطوة قانونية

11
"لمّ الشمل" في الجزائر: مبادرة حوار تتحول خطوة قانونية

أفريقيا برس – الجزائر. بعد أكثر من شهرين على طرح السلطة السياسية في الجزائر، مبادرة “لمّ الشمل”، التي أخذت أبعاداً سياسية، ضمن سلسلة نقاشات جرت في الساحة الجزائرية، رافقها غموض في مضمونها والأبعاد والغايات المنتظرة منها، بدأت صورة المبادرة تتشكل على غير النحو الذي تم تسويقه قبل ذلك للرأي العام والطبقة السياسية في البلاد.

ووضع بيان لرئاسة الحكومة الجزائرية، صدر مساء الخميس الماضي، مبادرة “لمّ الشمل” في إطارها القانوني الصرف، بغضّ النظر عن الغايات السياسية. وكشف عن بعض ملامح المبادرة.

سيشمل مشروع القانون بوجه خاص ما يعرف بـ”مساجين التسعينات”، وهم في حدود 160 سجيناً

وبخلاف ما تم تداوله في ساحة النقاش السياسي في الجزائر، عن كون المبادرة خطوة تستهدف البحث عن توافقات سياسية جديدة بين السلطة والقوى الوطنية والمدنية، فقد كشف البيان عن “مسودة قانون يتضمن تدابير خاصة للمّ الشمل من أجل تعزيز الوحدة الوطنية، يأخذ بعين الاعتبار التجربة الوطنية خلال مختلف مراحل المصالحة الوطنية التي عرفتها بلادنا، انطلاقاً من تدابير الرحمة والوئام المدني إلى غاية ميثاق السلم والمصالحة الوطنية”.

واقترحت مسودة القانون المرتقب، الذي يُطرح بمناسبة إحياء الذكرى الستين لعيد الاستقلال الوطني، “تجديد قيم التسامح، وتفضيل مقاربة الحوار الوطني بما يسمح بتجسيد المبادرة الرامية إلى فتح آفاق جديدة نحو المصالحة الوطنية”.

وكانت الرئاسة الجزائرية قد أعلنت، الأسبوع الماضي، أن الرئيس عبد المجيد تبون كلف الحكومة “بإعداد قانون خاص، امتداداً لقانوني الرحمة والوئام المدني”، يخص 298 محكوماً عليهم من ضحايا المأساة الوطنية، يُرفع إلى مجلس الوزراء، لدراسته والمصادقة عليه، على أن تتم إحالته على البرلمان في دورته المقبلة، التي تبدأ في 2 سبتمبر/أيلول المقبل.

وسيشمل بوجه خاص ما يعرف بـ”مساجين التسعينات”، وهم في حدود 160 سجيناً، من الكوادر المحلية لـ”الجبهة الإسلامية للإنقاذ” المنحلة (محظورة منذ مارس/آذار 1992)، وبعض العسكريين المتعاطفين معها، الذين اعتُقلوا في بداية الأزمة الأمنية في البلاد، وتمت محاكمتهم من قبل محاكم خاصة (غير دستورية)، من دون استفادتهم من تدابير قانون “السلم والمصالحة الوطنية” عام 2005.

كما يرتقب أن يشمل القانون قيادات الجماعات المسلحة الذين سلموا أنفسهم للسلطات في الفترة الأخيرة، بهدف تسوية وضعيتهم القانونية.

ورأى الخبير القانوني، القاضي السابق عبد الحكيم عيللات، أن السلطة اختارت التركيز على معالجة قانونية لبعض مخلّفات الأزمة الأمنية والسياسية السابقة، لأن هناك إجماعاً وطنياً على ضرورة هذا النوع من المعالجات.

وقال إن “هذا القانون استكمال لطيّ صفحات المأساة الوطنية، ولما له من فائدة حول ملف حقوق الإنسان وموقع وتصنيف الجزائر ضمن المنتظم الدولي لحقوق الإنسان”.

وأضاف: “حسناً فعل الرئيس تبون في تمريره على البرلمان من دون حاجة إلى استفتاء، لأن هذا الموضوع ليس من الأمور اللازم عرضها على الاستفتاء”.

ولفت إلى أن “القانون المرتقب سيشمل الفئات التي لم يشملها قانون الرحمة وما علاه، وهي خطوة جيدة نحو تجسيد مصالحة وطنية وطيّ صفحة المأساة الوطنية”، مضيفاً أن هذه الخطوة تأخذ طابعاً قانونياً لكونها “تتعلق بأشخاص محكوم عليهم، إما بعقوبة إعدام غير منفذة، وإما عقوبة السجن المؤبد في جرائم لا يشملها العفو بتاتاً (على غرار ما يعرف بمساجين التسعينات)”.

وتابع عيللات: “لهذا كان لزاماً أن يتم العفو عنهم بقانون خاص، لأنه تمت محاكمتهم بموجب محاكم خاصة وقوانين خاصة، لأن تشريعنا العقابي آنذاك لم يشرع للظاهرة الإرهابية، وأمام حل البرلمان وتفاقم الوضع الأمني حينها، اضطرت الدولة إلى التشريع بمراسيم كانت آلية وليدة الحاجة”.

ولفت إلى أنه “لا يمكن لرئيس الجمهورية أن يعفو عنهم كباقي المحكوم عليهم، ولا بد أن يصدر نص خاص لتفصيل كيفية الاستفادة من تدابير العفو وشروطه”، مضيفاً أنه في حالة “مساجين التسعينات”، فإنه “وجب أن يعالج النص وضعية هؤلاء الاجتماعية والمادية وإعادة دمجهم في المجتمع”.

لكن هذه التطورات التقنية على أهميتها، تذهب بمبادرة “لمّ الشمل” نحو معالجة قانونية لا تخلو من مقاربات أمنية إزاء مخلفات مرتبطة بالأزمة الأمنية والسياسية التي شهدتها الجزائر في مرحلة تسعينيات القرن الماضي، خصوصاً في علاقة بملفات “مساجين التسعينات” من الإسلاميين وكوادر “جبهة الإنقاذ” المنحلة، والمعارضين الذين يوجدون في المنفى الاضطراري في الخارج، وتعلقت بهم قضايا ذات بُعد سياسي.

وتطرح السلطة الأمر من موقع قوة وموقف تصالحي، وهو ما من شأنه أن يعزز قيم الوئام والمصالحة الوطنية التي أقرها استفتاء سبتمبر/أيلول 2005، لكنها تبتعد بالمبادرة عن الإطار السياسي الذي كان يعتقد أنها تتوجه ضمنه.

ويتأكد أن السلطة ليست بصدد طرح مبادرة توافق سياسي أو حوار جامع حول القضايا الوطنية، وأن سلسلة اللقاءات التي أجراها تبون، لم تكن الغاية منها وضع المبادرة في سياق سياسي مفترض أو توحيد الرؤية السياسية، إذ لم تطرح خلال تلك اللقاءات بنود نقاش واضحة ومحددة، بقدر ما كانت لاعتبارات فرضتها الحاجة إلى تحريك المشهد السياسي، والبحث عن حزام داعم لسياسات وخيارات اقتصادية حساسة، تتوجه إليها السلطة في المستقبل القريب، خصوصاً ما تعلق منها بمراجعة نظام الدعم الاجتماعي.

ويفسر هذا الخيار الذي تبنته السلطة الجزائرية إزاء مبادرة “لمّ الشمل”، بكون حالة الاستقرار السياسي، ونجاح السلطة في تجاوز الهزات الداخلية التي أحدثها الحراك الشعبي، واستعادة السير الطبيعي للمؤسسات، وضع السلطة في موقع قوة وأغناها عن الحاجة إلى البحث الجدي عن أي إسناد سياسي، أو إلزامية إشراك المكون السياسي والمدني، إلا من حيث الصورة والإبقاء على حالة علاقات عامة بين السلطة وهذه المكونات.

وقال الناشط السياسي المستقل، أحد أبرز وجوه الحراك الشعبي سمير بلعربي، إن “الحديث عن لمّ الشمل لم يكن في مشروع النظام، بل جاء في تصريحات الشخصيات التي استقبلها الرئيس”.

وأضاف أن “السلطة لا تؤمن بأنها بحاجة إلى حل سياسي، وتعتبر أنها في موقف متجاوز لأي أزمة سياسية، وكل النقاش الذي حدث كان هامشياً، بينما كانت السلطة بصدد معرفة الصدى لدى الشارع الجزائري من المشروع”.

وتابع: “على الرغم من القبول الكبير الذي لاقاه هذا الطرح، خصوصاً في ما يتعلق بإطلاق سراح معتقلي التسعينيات، وقرارات العفو التي صدرت يوم الرابع من يوليو/تموز الحالي عن ناشطين سياسيين، إلا أن الأمر لا يأخذ بعداً سياسياً، ولسنا بصدد الحديث عن مبادرة سياسية المحتوى، بقدر ما إننا بصدد خطوة، مهمة طبعاً، تشمل ملف معتقلي التسعينيات الذي يمثل ملفاً أمنياً لم يؤخذ بالحسبان في قانون الرحمة أو الوئام والمصالحة”.

وتابع: “ما يُفهم أن النظام يريد إعطاء غطاء سياسي محدود لعملية إطلاق سراح المعتقلين ومسجوني التسعينيات، وقرار الرئيس تمرير قانون، أمام البرلمان بغرفتيه في الدورة المقبلة، يُقرأ على أنه إرادة منه لتحميل الجميع المسؤولية”.

في سياق آخر، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي محمد ايوانوغان أن السلطة طوّرت موقفها بشأن “لمّ الشمل” داخل النسق نفسه، بما يكرس مقاربتها السابقة والمنفردة للوضع السياسي، ما يعني عدم وجود أي رغبة لدى السلطة للتغيير السياسي.

وقال ايوانوغان: “حتى الساعة أصدرت السلطة ثلاثة بيانات حول هذه المبادرة. البيان الأول تضمّن إجراءات عفو عن المحكوم عليهم بالإعدام والمؤبد (مساجين التسعينات)، وأعتقد أن هذه الفئة هي الوحيدة التي حصل عليها الإجماع لتستفيد من قانون الوئام المدني الذي استثناها في السابق، أما باقي الفئات من معتقلي الرأي فلم يحصل بشأنها أي إجماع”.

وأضاف أن “مسعى السلطة تطور وتغير من البيان الأول إلى البيان الثاني، الذي أصدرته رئاسة الجمهورية، ثم بيان اجتماع الحكومة الخميس الذي يتحدث عن قانون لمّ الشمل”.

واعتبر أن “المشكلة التي يطرحها هذا المسعى تكمن في أنه منبثق عن دراسة التجارب السابقة في مجال المصالحة الوطنية، وهنا تختلف رؤية السلطة ورؤية كل المتتبعين للشأن السياسي لهذه التجارب. فبينما يعتبر البعض أنها فشلت في حل الأزمة السياسية والأمنية التي عاشتها البلاد، فإن السلطة تراها تجربة رائدة في العالم، وهي في كل مرة تتحدث عن تصدير تجربتها في مكافحة الإرهاب وفي المصالحة”.

وتابع: “هذا يعني أن السلطة مصرة على الاستمرار في مقاربتها وتحليلها للأحداث، بينما النخب المختلفة تطمح إلى تغيير جذري لمنظومة الحكم”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here