مساعي تطويق نزيف الأدمغة يشل جامعات الطب في الجزائر

6
مساعي تطويق نزيف الأدمغة يشل جامعات الطب في الجزائر
مساعي تطويق نزيف الأدمغة يشل جامعات الطب في الجزائر

أفريقيا برس – الجزائر. أثارت الاجراءات الحكومية القاضية بإرجاء التصديق على شهادات التخرج للأطباء المتخرجين، ووضع شروط جديدة للانتقال الى الاختصاص الطبي، موجة غضب طلابي تجسد في اضراب شامل في جامعات الطب، بالموازاة مع انتقادات لوزارة التعليم العالي التي اتهمت من طرف الطلبة بتقليص نزيف الأطباء المتخرجين وهجرتهم الى دول أوروبية وعربية، بدل العمل على تحسين الظروف المهنية والاجتماعية في المشافي الحكومة للحفاظ على استقرار القطاع.

أفضى اللقاء الذي جمع وزير التعليم العالي والبحث العلمي الجزائري كمال بداري، مع ممثلي طلبة جامعات الطب، بحضور مديري الكليات والمؤسسات الجامعية ورئيس لجنة التربية والتعليم والتكوين بالمجلس الأعلى للشباب، الى جملة من الإجراءات يُأمل منها عودة الهدوء والاستقرار الى الجامعة، والطلبة الى المدرجات بعد بداية متشنجة شهدت سلسلة من الاحتجاجات واضراب شامل.

وأفاد بيان الوزارة الذي اطلعت عليه “أفريقيا برس”، بأنه “تم التوافق بين الطرفين على رفع عدد مناصب مسابقة الالتحاق بالدراسات الطبية الخاصة إلى 4045 منصب بعدما كان 3045، فضلا عن تحديد تاريخ 15 ديسمبر 2024، كآخر أجل لإيداع ملف الاعتماد الدولي، وتشكيل فرق عمل تضم ممثلي طلبة كليات العلوم الطبية، وإطارات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، من أجل تقديم اقتراحات تخص رفع المنحة وقيمتها المالية، وانشغالات أخرى للهيئات المعنية”.

وأضاف “تقرر تجميد تطبيق العمل بالمادة 9، للقرار 1144، المحدد لشروط الالتحاق بطور التكوين في الدراسات الطبية الخاصة، تحسبا لتعديله وبإشراك ممثلي الطلبة، فضلا عن الانطلاق في إحصاء حالات طالبي توثيق الشهادات عبر منصة رقمية خاصة، مع تشكيل فوج عمل لتقديم اقتراحات في هذا الموضوع”.

ولفت الى التكفل بالإنشغالات المقدمة من طرف ممثلي طلبة كليات العلوم الطبية على المستوى المحلي، وحدد تاريخ الـ 27 من شهر أكتوبر الجاري، كآخر أجل لبدء أشغال مختلف أفواج العمل المشكلة للتكفل بانشغالات الطلبة.

وكانت الحكومة الجزائرية قد أقرت منع المصادقة على شهادات الأطباء منذ عدة أشهر، الأمر الذي أثار استياء الطلبة وفتح المجال أمام التأويلات في الأوساط السياسية والطبية، حيث تباينت المواقف بين مؤيد للخطوة بدعوى الحد من هجرة الأطباء إلى الخارج، وبين معارضة تراه مخالفة صريحة للدستور الجزائري والحقوق الأساسية للمواطنين.

وتأتي هذه القضية في سياق محاولة السلطات مواجهة النزيف المستمر للكفاءات الطبية الجزائرية، خاصة نحو فرنسا، حيث ينجح مئات الأطباء الجزائريين سنويا في مسابقات الالتحاق بالمستشفيات الفرنسية، ووفقا للقوائم المعلنة من وزارة الصحة الفرنسية، يشكل الأطباء الجزائريون نسبة كبيرة من الناجحين في هذه المسابقات التي تجرى باللغة الفرنسية، خاصة في ظل تشابه المسار الدراسي في كليات الطب بين البلدين.

وشهدت الجزائر العام 2022 هجرة 1200 طبيب نحو المؤسسات الفرنسية، من ضمن 2000 طبيب استقبلتهم فرنسا من البلدان المغاربية، الأمر الذي أثار حينها جدلا صاخبا حول تساهل السلطات المختصة نزيف الكفاءات الطبية التي تنفق عليهم أموالا طائلة، وتأثير ذلك على الإمكانيات البشرية اللازمة في المشافي والمؤسسات المحلية.

وبرر وزير التعليم العالي والبحث العلمي كمال بداري، قرار توقيف التصديق أمام نواب البرلمان عند مساءلته عن الملف، بكون “الخطوة تهدف الى الحفاظ على هذه الكفاءات داخل الجزائر وتلبية الحاجيات المحلية”، في تلميح الى عدم تكرار تجربة العام 2022.

لكن صاحب السؤال النائب عبد الوهاب يعقوبي، أكد على أن “منع المصادقة على شهادات الأطباء يعد إجراء غير دستوري، لأنه يتعارض مع الحق في حرية التنقل، إضافة إلى كونه ينتهك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وأن وقف النزيف البشري يستوجب البحث عن حلول عملية، بدلا من حرمان الأطباء من فرص العمل التي تتاح لهم في الخارج”.

وظلت الحكومة الجزائرية تعتبر هجرة الأطباء الى دول أوروبية وعربية، أمرا عاديا، وهو لا يتوقف على الجزائر فقط، فهناك العديد من الدول المغاربية والأسيوية تشهد نفس الظاهرة، قبل أن يتغير الموقف الى النقيض تماما، وتتحول القضية الى بؤرة توتر اجتماعي، خاصة في ظل التسيير الإداري للملف، بدل اطلاق حوافز وتوفير شروط مهنية واجتماعية تبقي الأطباء الجزائريين في بلدهم.

وفي بيان للتكتل الوطني لطلبة العلوم الطبية، اطلعت عليه “أفريقيا برس”، جاء فيه بأن “حالة استياء عميقة تسود طلبة الطب، بسبب المشاكل الهيكلية التي تواجههم خلال مسارهم الدراسي، كالنقص الفادح في مصالح التكوين والتربص، لاسيما خلال خلال العامين الأخيرين، بعد الزيادة الكبيرة في عدد المقاعد البيداغوجية والملحقات الجامعية دون تحسين البنية التحتية التعليمية”.

وأضاف: “مبلغ المنحة الدراسية لا يسد احتياجاتهم الأساسية، كما أن الأطباء المقيمين (الناجحون في اختيار التخصص)، والذين يشكلون العمود الفقري للمنظومة الصحية في المستشفيات الجامعية، يعانون من إهمال كبير، لأن منحة التربص التي يحصلون عليها لا تتجاوز الـ400 دولار شهريا، وهو ما لا يتوافق مع الدور الهام الذي يقومون به داخل المستشفيات”.

وتابع: “القرار الحكومي المتعلق بامتحان التخصص الطبي، حيث شهدت السنة الحالية انخفاضا كبيرا في عدد المقاعد المتاحة للامتحان، وهو ما خيب آمال العديد من الطلبة، فعدد المقاعد المعلن عنه لا يتناسب مع عدد الممتحنين، ولا مع عدد المقاعد البيداغوجية المفتوحة، وهو أقل بكثير من السنوات الفارطة، ما يزيد من تعميق الأزمة”.

ووصف التكتل قرار إقصاء “الأطباء المقيمين” في حال التنازل عن مناصبهم، من إجراء امتحان التخصص لمدة ثلاث سنوات، بـ “المفاجئ والمجحف”، و”غير العادل”، والذي سيؤدي إلى زيادة نسب البطالة بين الأطباء حديثي التخرج، ويضعهم في مواجهة واقع مهني مظلم، فضلا على أنه يتعارض مع تعليمات الرئيس عبدالمجيد تبون، الذي أعلن، في عدة مناسبات، عن رغبته في تحسين وضعية القطاع الصحي في البلاد.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here