أفريقيا برس – الجزائر. أبلغت الخارجية الجزائرية، السفير الفرنسي، تحذيرها الشديد من تداعيات مناورات عسكرية مقررة الخريف القادم، بين القوات الفرنسية والمغربية في إقليم الراشيدية، على بعد 60 كلم من الحدود بين البلدين، الأمر الذي يحيي سيناريو الخيار العسكري في المنطقة، كحلقة جديدة من مسلسل الأزمة المتفاقمة، خاصة وأن المناورات المنتظرة تعتبرها الجزائر استفزاز وتهديدا لأمنها من طرف باريس والرباط.
أكد مصدر أمني، لـ “افريقيا برس”، بأن “الدلالة الجغرافية حركت الجهاز الديبلوماسي الجزائري لتبليغ نظيره الفرنسي، طابعها الاستفزازي وتداعياتها على سيادة وأمن الجزائر، فهي على تزامنها مع الأزمة المشتعلة بين الجزائر من جهة، وبين الجزائر وفرنسا من جهة ثانية، ترتبط بأطماع توسعية عميقة للنظام المغربي، فيما يسميه بـ “حقه في الصحراء الشرقية”، وهي التي تشمل محافظات بشار وتيندوف الجزائريتين”.
وتروج دوائر سياسية وإعلامية في المغرب، على غرار حزب الاستقلال، لسردية أحقيته التاريخية في مناطق جغرافية جزائرية تمتد من بشار جنوبا الى غاية تلمسان شمالا، رغم ترسيم الحدود الجغرافية بين سلطتي البلدين في وقت سابق، ورغم اعتماد التشريع الدولي للحدود الموروثة عن الاستعمار.
ويذكر المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، بأن “المناورات العسكرية المشتركة بين الجيشين المغربي والفرنسي، في اطار تعاون عسكري بينهما، ليست وليدة اليوم، فقد سبق تنفيذها العام 2022، الا أن حملها لتسمية (شرقي 25)، يتماهى مع الأطماع التي لم تعلن رسميا، لكنها توكل لدوائر سياسية وإعلامية مقربة من القصر الملكي، وبالامكان أن تتحول الى وسيلة شحن واستفزاز، خاصة وأنها تجري في منطقة الراشيدية التي لا تبعد الا بـ 60 كلم فقط عن الأراضي الجزائرية”.
وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، قد صرح في ظهور اعلامي له، مع وسائل اعلام محلية، بأنه “اللجوء الى القطيعة تقرر من أجل تلافي الحرب مع الأشقاء والجيران المغاربة”، في تلميح الى تجنب الجزائر للخيار العسكري في التصعيد مع المغرب، لكن ذلك لا يغفل حالة اليقظة والجاهزية التي تتواجد عليها وحدات الجيش الجزائري المرابطة على الحدود الغربية.
وأفاد بيان للخارجية الجزائرية، ظهر فيه لغة مهادنة لافتة، حيث استبدل مفردة “استدعاء السفير” المعمول بها في الحالات المماثلة، بعبارة “استقبال السفير”، وهي إشارة واضحة لتلافي لغة التصعيد مع الفرنسيين، في ظل الأزمة القائمة معهم، والتي كان آخرها رفض استلام مهاجرين رحلتهما السلطات الفرنسية، بقرار من وزارة الداخلية.
وجاء فيه، بأن “الجزائر أبلغت باريس بأن مشروع المناورات المزمعة قرب حدودها بين الجيشين الفرنسي والمغربي في سبتمبر المقبل، يعتبر تصرفا استفزازيا يساهم في تأجيج أزمة العلاقات مع البلد الأوروبي”.
وقال: استقبل الأمين العام للخارجية الجزائرية لوناس مقرمان، بمقر الوزارة، سفير فرنسا ستيفان روماتي، من أجل لفت انتباه الدبلوماسي الفرنسي إلى خطورة مشروع المناورات العسكرية الفرنسية-المغربية المزمع إجراؤها شهر سبتمبر المقبل في الراشيدية بالقرب من الحدود الجزائرية تحت مسمى (شرقي 2025) الذي يحمل الكثير من الدلالات”.
ولفت الى أن “الطرف الجزائري ينظر إلى هذا التمرين على أنه عمل استفزازي ضد الجزائر، وأن تصرفا من هذا القبيل سوف يسهم في تأجيج الأزمة التي تميز العلاقات الجزائرية-الفرنسية في المرحلة الراهنة، ويرفع من حدة التوتر بين البلدين إلى مستوى جديد من الخطورة”.
وأعلن عن طلب الجزائر من السفير الفرنسي الحصول على التوضيحات اللازمة حول هذا الموضوع، ونقل موقف الجزائر إلى باريس بالصيغة التي تم إبلاغه بها”، غير أنه لم يصدر أي موقف أو تعقيب، لا من الجانب الفرنسي ولا من الجانب المغربي.
ولا يستبعد متابعون لشؤون المنطقة، فرضية انزلاق الأزمة القائمة بين الجزائر والمغرب، الى الخيار العسكري، خاصة في ظل الشحن السياسي والإعلامي القائم بين البلدين، منذ اعلان الجزائر القطيعة مع الطرف المغربي، بدعوى التجسس والضلوع في أعمال عدائية، والتطبيع مع إسرائيل المهدد للأمن الاستراتيجي لها.
ورغم عدم طرح الخيار العسكري بشكل رسمي في البلدين، لقناعة بخطورة الخطوة وتداعياتها على البلدين والمنطقة عموما، إلا أن التعبئة العسكرية في الجانبين توحي الى أن السيناريو غير مستبعد في الدوائر الفاعلة، حيث يواصل الجيشان مسار التفوق الاستراتيجي، خاصة بعد الاتفاق الأمني والعسكري المبرم بين الرباط وتل أبيب، وهو ما تعتبره الجزائر تهديدا صريحا لها.
وشكل انحياز باريس لصالح المقاربة المغربية في حل نزاع الصحراء الغربية المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو المدعومة من طرف الجزائر، والزيارات المتتالية لوزيرة الثقافة رشيدة داتي، ورئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه، الى الإقليم المذكور، انتهاكا للتشريعات الدولية التي لا زالت تدرج الإقليم ضمن ملف تصفية الاستعمار واستفزازا للجزائر التي تدعم حق الصحراويين في تقرير مصيرهم.
وفضلا على الشراكات الأمنية والعسكرية التي تربط المغرب بقوى إقليمية ودولية، فان الاتفاق المبرم مع إسرائيل والتعاون المفتوح بينهما في مختلف القطاعات، بات مصدر قلق للجزائر المناهضة لخيار التطبيع مع إسرائيل، كما دأب الجيشين المغربي والفرنسي على اجراء مناورات مشتركة بمختلف الأسلحة البرية والجوية والبحرية، على غرار (شرقي)، و(شبيك).
لكن التوتر الذي يخيم على العلاقات الجزائرية- الفرنسية، والجزائرية- المغربية، أعطى انطباعا آخر على المناورات المنتظرة في الخريف القادم، ودفع الجزائر لتحذير الفرنسيين من الافراط في تأجيج الأزمة، والدفع بها الى الصدام، خاصة وأن باريس تعتبر ممونا عسكريا ولوجيستيا للمغرب، كان آخرها قرضا بنحو 800 مليون دولار لتمويل صفقة أسلحة بين البلدين.
ويرى المحلل السياسي عمر براس، بأن “السلطات الفرنسية تحاول توسيع أزمتها مع الجزائر لتشمل أطراف أخرى، والاستثمار في الخلافات الجزائرية، فتحاول استثمار الأزمة القائمة مع المغرب بالتحريض وفتح جبهة أخرى لتشتيت الجهد الجزائري، ولذلك تفرط في استفزاز الجزائر عبر الانخراط اللافت في نزاع الصحراء الغربية”.
وأضاف، لـ “افريقيا برس”، بأن “تردد مسؤولين فرنسيين على إقليم الصحراء الغربية، والترويج لاستثمارات في المنطقة رغم حكم القضاء الأوروبي، يندرج في خانة تصفية الحساب مع الجزائريين، وليس مجرد قناعة سياسية”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس