نوفمبر سيبقى درسا ومرجعا للأجيال 

22
نوفمبر سيبقى درسا ومرجعا للأجيال 
نوفمبر سيبقى درسا ومرجعا للأجيال 

افريقيا برسالجزائر. تحل ذكرى ثورة الفاتح نوفمبر 54 لتعيد مجددا شريط الذكريات والعبر، من طرف جيل صنع الحدث بكفاحه وتضحياته، واقتنع بجدوى الرصاص كأفضل لغة لاستعادة كرامة الجزائر وإرغام العدو على الانسحاب وجر أذيال الهزيمة، ما جعل نوفمبر يحمل في طياته الكثير من المبادئ والرسائل التي تعد درسا ومرجعا مهما للأجيال على مر السنين، كما تتماشى مع كثرة التحديات والطموحات من أجل جزائر موحدة تبقى في حاجة ماسة للانتقال من محور الحقوق والمطالبة بها إلى محور الواجبات والقيام بها.

إذا كانت ثورة نوفمبر لا تزال تحتفظ بمجدها وعطائها الذي انعكس بالإيجاب على الشعب الجزائري الذي تخلص من الظلم والحرمان وقيود العدوان والعبودية، إلا أنها في الوقت نفسه تطرح الكثير من التساؤلات حول الواقع والآفاق المستقبلية، خاصة وأن مبادئ نوفمبر تحمل الكثير من الرسائل والتحديات التي تفرض تكيفها مع تحديات الجزائر المستقلة، من خلال أخذ العبر واستخلاص الدروس والسعي إلى تجسيد خطوات ميدانية جادة تصب في خانة الاستقرار وتفعيل أداء مختلف القطاعات حتى تتماشى مع جميع التحديات، سواء في الشق المعرفي أو في الجوانب الاقتصادية والإدارية وغيرها من المطالب والطموحات التي تراهن عليها الأجيال الصاعدة وفق نظرتهم المستقبلية.

يؤكد الدكتور جمال مسرحي (أستاذ بقسم التاريخ) في حديثه لـ”الشروق” بأن نوفمبر شكّل منذ بداية الثورة التحريرية نقطة تحول في مسار البلاد، واستمر على مر عقود من الزمن الوعاء الذي انصهرت فيه كل التوجهات السياسية والأيديولوجية، مضيفا أنه على الأجيال الحالية أن تدرك تلك الرسالة السامية التي تضمنها روح نوفمبر، والقائمة على وحدة التوجه ووضوح الهدف ومن ثمة التطلع إلى مستقبل مشرق للبلاد. وقال الدكتور جمال مسرحي في سياق حديثه للشروق “رسالة نوفمبر وروح نوفمبر يجب أن تبقى مثل الدم الذي يضخ في قلب الشباب، بل أصبح لزاما علينا جميعا أن ندرك أن التمسك بقيم ثورة نوفمبر الخالدة هو صمام أمان لصون الوحدة الوطنية بكل أبعادها المختلفة، وأن نجعل من نوفمبر منهجا للمضي بالبلاد نحو آفاق المستقبل المزدهر، ونستلهم منه المبادئ التي نحتكم إليها كمجتمع كلما ضاقت بنا السبل، فيظل نوفمبر حيا فينا وإشعاعا تجدد من خلاله إشراقاتنا على الحضارة الإنسانية”.

وفي السياق ذاته، يشير الدكتور بدر الدين زواقة بأن نوفمبر رسالة خالدة، لأن أصحابها حسب محدثنا فكروا في الأجيال القادمة، فكانت تضحياتهم بكل ما يملكون دليلا على صدق توجههم في خدمة الوطن والدفاع عليه، “لأنهم جيل نوفمبر هم شباب اصطفاهم الله لصناعة تاريخ البلد… وهذا دين كل من يعيش لفكرة أو قضية.. فحياته لا تنتهي، بل هي خالدة خلود الوطن”. لذلك حسب الدكتور زواقة واجب على الأجيال الحالية الالتزام بهذه الأمانة صونا وتجديدا، وهذا رغم التحديات والأزمات. وقال محدثنا في سياق حديثه “كل واحد منا في موقعه وقلعته يجسد نوفمبر التغيير، من خلال الشعور بالمسؤولية والانتقال من محور الحقوق والمطالبة بها إلى محور الواجبات والقيام بها… وهذه جعلها مالك بن نبي شرطا في النهضة والتقدم”. ليختم الدكتور زواقة كلامه بالقول “فالنوفمبرية هي رمزية لجيل الفهم والصدق والتضحية… الذين نحتاجهم الآن في ظل الأزمات والتحديات”.

من جانب آخر، يعد الدكتور طارق ثابت من الوجوه التي قامت بخطوات ميدانية من أجل نفض الغبار عن امجاد الثورة وفضح مجازر الاستدمار في أعماق الأوراس، وفي مقدمة ذلك مجزرة سرا لحام بنواحي كيمل بباتنة، حيث يقول الدكتور طارق ثابت للشروق “يوم أول نوفمبر بالنسبة لي كمواطن جزائري من جيل الاستقلال هو يوم فخر واعتزاز لشعب كافح أبناؤه من أجل استرجاع الحق المسلوب والسيادة الوطنية ضد الاحتلال الاستيطاني الفرنسي الذي عذب ودمر وقتل شعبا آمن بالحرية، ووقف مدافعا عن كرامته وعن كرامة أمة بكاملها، وناضل بقوة مؤمنا بحتمية الانتصار ومستعدا للتضحية..”، ويضيف طارق ثابت قائلا “في نوفمبر سقط الشهيد تلو الشهيد حتى تجاوزوا المليون ونصف المليون شهيد، وفيها نصب المستعمر قلاعه وسجونه، وعانى شعبنا الويلات والمحن حتى انتصرت ثورة الحق، وانتصرت الجزائر لتمحو فرنسا ولتعيش الجزائر حرة أبية مستقلة، مفضلا تقديم رسالة للجميع مبنية على ضرورة التسلح بقيم ثورة أول نوفمبر المذكورة في بيانه الخالد، مع العمل من أجل جزائر حرة سيدة مزدهرة كل في مجاله وتخصصه.

والواضح على ضوء آراء عديد الباحثين والمهتمين، فإن رسالة ومبادئ نوفمبر تفرض وقفة جادة مع الذات، خاصة وأن الفرصة مواتية لمراجعة الحسابات، مصحوبة بنقد موضوعي لمسار الثورة التحريرية وكذا فترة الجزائر المستقلة، من خلال حصر الإيجابيات ونوعية الأخطاء، وهذا من باب فتح صفحة جديدة وايجابية تتماشى مع التحديات التي تنتظر البلاد والعباد، وبالمرة أخذ العبرة، وتجاوز منطق الاستثمار الشكلي والكرنفالي في مثل هذه المناسبات، في وقت بات من اللازم التخلي عن سياسة التخدير والهروب إلى الأمام.. وذلك بالعودة إلى الوراء بنية حفظ الدرس أملا في خطوات هامة وميدانية لرسم تحديات المستقبل.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here