هل أصبحت الأزمة المغاربية أكثر استعصاء بعد “لم الشمل”؟

9
هل أصبحت الأزمة المغاربية أكثر استعصاء بعد
هل أصبحت الأزمة المغاربية أكثر استعصاء بعد "لم الشمل"؟

صغير الحيدري

أفريقيا برس – الجزائر. عاد السجال الكلامي بين الجزائر والمغرب خلال الأيام الماضية، ما يؤشر إلى استفحال أزمات المنطقة المغاربية بسبب خلافات على قضايا حساسة مثل قضية الصحراء، رغم مرور أيام قليلة من انعقاد القمة العربية تحت شعار “لم الشمل” التي استضافتها الجزائر.

ولم تتطرق القمة أصلاً إلى الخلافات بين البلدين، لكن تلك الخلافات خيمت عليها حتى قبل بدئها بعد أن تذمر الوفد المغربي من البروتوكول الذي استُقبل به، وهو ما يثير تساؤلات عن مسارات الأزمة في المرحلة المقبلة، خصوصاً أنها لم تعد تعني فقط الجزائر والرباط حيث باتت تونس أيضاً معنية بها، كما لم تناقش القمة مبادرة الأمين العام لاتحاد المغرب العربي، الطيب البكوش، الذي طرح في وقت سابق عقد “خيمة” بين دول الاتحاد لحلحلة الخلافات.

وجاءت دعوة البكوش بعد تأزم العلاقات بين المغرب وتونس على أثر استقبال الأخيرة زعيم جبهة “البوليساريو” الانفصالية إبراهيم غالي، للمشاركة في مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الأفريقية (تيكاد 8).

عودة الخلافات

شنت الجزائر انتقادات حادة على المغرب بسبب تصريحات وزير الخارجية ناصر بوريطة، التي كشف فيها عن دعوة من العاهل المغربي الملك محمد السادس للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون من أجل زيارة الرباط لإجراء حوار.

ووصفت وكالة الأنباء الجزائرية في برقية لها حديث بوريطة بـ”المناورة الدنيئة واللا أخلاقية والدعوة المزعومة”. مشيرة إلى أن “تصريحاته تأتي في إطار سيناريو محبوك مسبقاً ظهر جلياً في تصرف الوزير المغربي لدى وصوله إلى مطار الجزائر”.

ويعطي هذا الهجوم، الذي قد يزيد من تأجيج التوتر بين المغرب والجزائر، لمحة كافية على حجم الهوة بين البلدين اللذين يشهدان قطيعة دبلوماسية بسبب النزاع على الصحراء.

وعلق المحلل السياسي المغربي، محمد سالم عبد الفتاح، على الهجوم بالقول إنه “ليس بالجديد، إذ بات الإعلام الجزائري متخصصاً في بث الدعاية ضد المغرب ضمن سياق انخراط الجزائر في قضية الصحراء، باعتبارها طرفاً رئيساً فيها”.

وأضاف عبد الفتاح أن “أداء الإعلام الجزائري يرتبط أساساً بالتطورات الميدانية والسياسية والدبلوماسية التي يشهدها الملف الذي عرف أخيراً اختلال موازين القوى لصالح المغرب، سواء على مستوى التعاطي الدولي معه أو ميدانياً”.

لكن المحلل السياسي الجزائري حكيم المسعودي يحمّل المغرب مسؤولية هذا التصعيد، معتبراً أن الرباط هي من بدأت تصعيد الموقف حتى ضد “دول محايدة في نزاع الصحراء”.

وقال المسعودي إنه “انطلاقاً من هذا التصعيد المتبادل فإن كل المعطيات والمؤشرات تؤكد أن الأزمة ستطول بين المغرب والجزائر، وأيضاً بين المغرب وتونس، نظراً إلى الانسداد الحاصل في القضية الصحراوية التي عادت أدراجها إلى ما قبل 1991، بعد أن عطلت تسويتها وفق القانون الدولي رغم حزمة اللوائح والقرارات والآليات الصادرة بشأنها”.

مسارات مختلفة

تطرح عودة التصعيد بين المغرب والجزائر واستمرار الخلاف بين تونس والرباط تساؤلات بشأن مسارات هذه الأزمات، خصوصاً في ظل التحديات التي تواجه هذه الدول، وهي تحديات تتراوح بين الأمن والاكتفاء الغذائي والاقتصاد وغيرها.

ويجمع متخصصون على أن هذه الأزمة قد يطول أمدها رغم أن الأمر يختلف بالنسبة إلى تونس والمغرب، باعتبار أن تونس ليست طرفاً مباشراً في نزاع الصحراء، وهو نزاع حاولت النأي بنفسها عنه على مدار عقود.

بدأ النزاع في السبعينيات عندما نظّمت المغرب “المسيرة الخضراء” تجاه الصحراء في 1974 قبل أن يتم الإعلان عن قيام ما يعرف بـ”الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” بدعم من الجزائر عام 1976.

ويسيطر المغرب حالياً على نحو 80 في المئة من مساحة الصحراء التي يقترح منحها حكماً ذاتياً مع بقائها تحت سيادته، وهو مقترح ترفضه جبهة “البوليساريو” التي تطالب بـ”استفتاء من أجل تقرير المصير”.

وفي أغسطس (آب) الماضي، تسبب هذا النزاع في توتر دبلوماسي بين المغرب وتونس التي نظمت مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الأفريقية (تيكاد 8)، وشارك زعيم “البوليساريو” إبراهيم غالي في القمة، ما دفع المغرب إلى استدعاء سفيرها في تونس، وهو إجراء ردّت عليه تونس بالمثل لتدخل العلاقات بين البلدين أزمة غير مسبوقة.

وقال المتخصص التونسي في الشؤون المغاربية رشيد خشانة، إن “الأزمة المغربية – الجزائرية غير مقبلة على انفراج بعد تسمم العلاقات الثنائية المتوترة أصلاً منذ 1974 لدى انطلاق أزمة الصحراء”.

وأوضح خشانة أن “هذه الأزمة إن لم تتصاعد في المستقبل فإنها ستظل على مستوى القطيعة الحالية، بخاصة أن السلطات في كلا البلدين تتحملان مسؤوليتها، خصوصاً منذ 1994 مع غلق الحدود”.

في المقابل، شدد خشانة على أنه “على مستوى الصعيد الثنائي بين تونس والمغرب فإن الأمور مختلفة، فهناك أزمة مفتعلة ولا نعرف إلى اليوم لماذا اندلعت أصلاً والبلدان أقرب إلى بعضهما بعضاً جغرافياً ولا منافسة بينهما لا على النفوذ الإقليمي ولا أي شيء آخر، وأتصور أنه إذا ساد التعقل في الرباط وتونس فإن الأمور يمكن أن تعود إلى وضعها الطبيعي”.

من جانبه، قال الدبلوماسي الليبي السابق المتخصص في الشؤون المغاربية، عثمان البدري، إن “المغرب العربي الآن غير قادر على حلحلة هذه الأزمات بين دوله”.

وتابع البدري، “القمة العربية فشلت في حل الخلافات في المنطقة المغاربية، وهو ما كان متوقعاً، ورأينا اضطرار الوفد المغربي لسلك مسالك أخرى للوصول والمشاركة في القمة، فكيف نتحدث عن قمة لم شمل في وجود علاقات متأزمة بين الدولة المستضيفة والمغرب؟”.

ولم تكن هذه الأزمات على طاولة القادة العرب في القمة التي عقدت الأسبوع الماضي رغم حساسية القضية التي باتت مصدر توتر دائم للعلاقات في الفضاء المغاربي.

ورأى خشانة أن “القمة لم تكن قادرة على حل الخلاف ولا حتى طرحه للنقاش، نظراً إلى أن الدول غير المغاربية لديها مواقف مختلفة تجاه الصراع في شأن الصحراء وطرفيه الرئيسين، بالتالي كان من الصعب على هؤلاء أن يكونوا صناع المصالحة في المغرب العربي”.

مبادرة الطيب – البكوش

انعقاد القمة العربية أحيا أيضاً تساؤلات حيال مصير المبادرة التي قدمها الأمين العام لاتحاد المغرب العربي الطيب البكوش لعقد “خلوة” بين دول الاتحاد لمعالجة عديد من القضايا.

وفي 29 أغسطس الماضي، أصدر البكوش بياناً دعا فيه إلى صياغة خطة سلام في ليبيا وعقد لقاءات لحل المشكلات الثنائية، لكن موريتانيا وليبيا فقط من استجابتا، فيما تحفظ المغرب وكذلك والجزائر وتونس على المبادرة، ما جعل من فرص نجاحها في وضع حل لأزمات المنطقة تتضاءل.

لكن خشانة اعتبر أن “كل المبادرات الدبلوماسية من هذا النوع تتطلب تحضيراً مسبقاً واستطلاع مواقف مختلف الأطراف من صيغة الحل المتوقعة”.

واستدرك، “لم تقع اتصالات سواء مع رؤساء الدول المعنية بالخلافات، أو حتى مع وزراء خارجيتها لطرح المبادرة عليهم حتى تكون علنية وموجهة إلى العموم وتحصل على موافقة من الأطراف الرئيسة للأزمة”.

وخلص المتخصص التونسي في الشؤون المغاربية إلى القول، “هذه المبادرة كانت مثل ضربة السيف في الماء كما يقول المثل الفرنسي، ولن تصل إلى نتيجة، لأن المنهجية المتبعة فيها غير صحيحة ولا ملائمة لمثل هذه الأزمات الساخنة”.

وكان البكوش من أبرز الغائبين أيضاً عن القمة العربية، وبرر غيابه بعدم تلقيه دعوة من البلد المستضيف، وقال في بيان عبر صفحته على “فيسبوك”، “تلقيت دعوة من الجامعة العربية لحضور القمة، لكن لم تصلني دعوة من الجزائر”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here