2025.. عام التحولات الهادئة والرهانات الكبرى

2025.. عام التحولات الهادئة والرهانات الكبرى
2025.. عام التحولات الهادئة والرهانات الكبرى

إيمان بوخاتم

أفريقيا برس – الجزائر. عرفت سنة 2025 بالجزائر حركية سياسية وإجراءات اجتماعية لافتة مست ملفات حيوية، في مقدمتها السكن والأجور، إلى جانب جهود ترمي إلى ترسيخ العدالة الاجتماعية، وذلك في إطار توجه عام يهدف إلى مرافقة التحولات الاقتصادية والحفاظ على التوازن والاستقرار الاجتماعي.

خرجات ميدانية للرئيس لمتابعة الإنجازات وتعزيز البنية التحتية

اتسمت أجندة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، بنشاط ميداني مكثف استهدف تدشين مشاريع استراتيجية كبرى شملت مجالات متعددة.

وكانت البداية في شهر فيفري من ولايات وهران، تيبازة، والطارف، حيث أشرف الرئيس تبون على تدشين محطات كبرى لتحلية مياه البحر، بطاقة إنتاجية تبلغ 300 ألف متر مكعب يومياً لكل محطة، ويأتي ذلك في إطار برنامج وطني يضم خمس محطات كبرى تهدف إلى تعزيز الأمن المائي في البلاد.

وخلال شهر مارس وأفريل، واصل رئيس الجمهورية جولاته ليقف في ولايتي، بشار والبومرداس، لتدشين محطات ضخ وأخرى للتحلية، بالإضافة إلى خطوط سكك حديدية استراتيجية، بما يعكس التوجه نحو تعزيز البنية التحتية وتحسين الخدمات للمواطنين.

ومن ولاية قسنطينة، أعطى رئيس الجمهورية شهر نوفمبر إشارة انطلاق أول مشروع سكني ضمن برنامج “عدل 3”. كما تميزت الزيارة بإطلاق عدد من المشاريع التنموية والحيوية في قطاعات مختلفة، على غرار وضع حجر الأساس لمشروع إنجاز مركز استشفائي جامعي جديد، ومركب لصناعة الأدوية وآخر رياضي.

تكنوقراط الصناعة يتولى رئاسة الحكومة

وعلى الصعيد الحكومي، تميزت هذه السنة أيضا بتغيير وزاري هام، حيث أنهى الرئيس تبون مهام الوزير الأول نذير العرباوي في 28 أوت، وعين سيفي غريب خلفًا له، مع تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة في 14 سبتمبر.

وعكس اختيار رئيس الجمهورية لتكنوقراط من قطاع الصناعة، مثل سيفي غريب، لرئاسة الحكومة، توجه السلطات في المرحلة المقبلة نحو تعزيز الاقتصاد الوطني ورفع مكانة الجزائر إلى مراتب تليق بها.

وعرفت حكومة غريب بقاء العديد من الوزراء أمثال عطاف وعرقاب، مع إحداث تغييرات في عدد من الحقائب الوزارية، إلى جانب تعيينات جديدة، واستحداث قطاعات وزارية لأول مرة.

“عدل 3” من المواقع إلى الواقع

وفي الشق الاجتماعي، تربع برنامج “عدل 3” على عرش الملفات الأكثر حيوية خلال السنة، بعدما انتقل من مرحلة الرقمنة الدقيقة وتنظيم الملفات إلى مرحلة التنفيذ الميداني، في إطار التزام الدولة بتوفير سكن لائق للمواطنين.

وقد انطلقت هذه الرحلة في شهر مارس من خلال إطلاق المنصة الإلكترونية المحدثة التي سمحت للمكتتبين بتحميل ملفاتهم وتفعيل حساباتهم بدون عناء، وهي العملية التي استمرت بفعالية حتى تاريخ 12 جوان 2025، الموعد الذي ضُبط كآخر أجل لاستكمال الإجراءات الأولية قبل دخول الملفات مرحلة المعالجة والتدقيق عبر البطاقية الوطنية للسكن.

ومع حلول نهاية شهر جويلية، انتقل البرنامج إلى مرحلة الردود الحاسمة، حيث بدأت الوكالة في إخطار المكتتبين بنتائج دراسة ملفاتهم بين القبول والرفض، مع فتح نافذة رقمية لتقديم الطعون لمن استدعت حالاتهم ذلك.

هذا المسار الإداري بلغ ذروته في أواخر شهر نوفمبر مع الإعلان عن نتائج الطعون النهائية، ليأتي شهر ديسمبر حاملاً معه الانطلاقة الفعلية للمرحلة العملية، من خلال الكشف عن الأسعار وبعدها إرسال أوامر دفع الشطر الأول للمكتتبين المقبولين، وهي الخطوة التي أذنت ببدء تجسيد “حلم السكن” على أرض الواقع.

أما ميدانياً، انطلقت عمليات توطين السكنات عبر 26 ولاية كمرحلة أولى. حيث تجاوز عدد الوحدات السكنية التي وضعت أولى لبناتها 80 ألف وحدة سكنية حتى شهر ديسمبر الجاري، وهي الدفعة الأولى من برنامج يستهدف إنجاز نصف مليون وحدة سكنية.

ويأتي هذا التوجه مدعوماً بالاعتمادات المالية الضخمة التي رصدها قانونا المالية لسنتي 2025 و2026، لضمان استمرارية التمويل وتفادي أي توقف في الورشات تحت أي ظرف مالي.

وتشير التقارير الرسمية الصادرة عن وزارة السكن والعمران إلى أن برنامج “عدل 3” يمثل رهاناً وطنياً لامتصاص الطلب المتزايد على السكن بأسلوب عصري وبكفاءات جزائرية، حيث تم دمج تقنيات حديثة في المتابعة الميدانية تتيح مراقبة جودة الأشغال ومدى تقدمها عبر أنظمة رقمية مركزية.

وتسعى الدولة من خلال توطين هذه الحصة الكبيرة في وقت قياسي إلى تسريع وتيرة الإنجاز لضمان تسليم السكنات في آجالها التعاقدية، متفاديةً بذلك الثغرات التي طبعت البرامج السابقة.

واد الحراش يفجع الجزائريين

في المقابل، لم تخلُ السنة من لحظات أليمة، حيث اهتزت العاصمة في 15 أوت على وقع حادثة مأساوية تمثلت في سقوط حافلة في منحدر “وادي الحراش”، ما أسفر عن وفاة 18 شخصاً وإصابة العشرات.

وعلى إثر الحادث، قدم الرئيس عبد المجيد تبون تقديم التعازي لأسر الضحايا مؤكدا متابعة السلطات للملف، مع فتح تحقيق قضائي أودع على إثره 4 أشخاص، بينهم السائق ومالكو الحافلة ومسؤول عن الفحص التقني، الحبس المؤقت.

كما قررت الدولة استيراد 10 آلاف حافلة جديدة لتعزيز أسطول النقل العمومي، وتشديد الرقابة على السلامة الطرقية، ووضع تشريعات جديدة لضمان تطبيق صارم لقوانين المرور وتحميل المسؤولية المدنية للمقصرين.

عيد الأضحى برعاية إسبانية ورومانية

وفي إطار الاستعداد لعيد الأضحى لسنة 2025، أمر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال مجلس الوزراء المنعقد في 9 مارس بإعداد دفتر شروط لإطلاق استشارة دولية لاستيراد مليون رأس من المواشي، بهدف ضمان توفير الأضاحي وتلبية احتياجات المواطنين.

ووصلت الشحنة الأولى من الماشية إلى ميناء الجزائر في شهر أفريل، حاملة 15 ألف رأس من الغنم. لتتبعها شحنات أخرى عديدة شملت مختلف الموانئ الموجودة عبر التراب الوطني، في خطوة تهدف إلى تلبية الطلب المتزايد وتمكين الطبقة المتوسطة من أداء هذه الشعيرة.

آخيرا.. منحة سياحة محترمة للمواطن الجزائري

بعد أشهر من الانتظار، دخلت المنحة السياحية التي أقرّها رئيس الجمهورية في ديسمبر 2024 حيّز التنفيذ خلال سنة 2025، حيث شرعت البنوك ابتداءً من شهر جويلية في تمكين المواطنين من الاستفادة من منحة سفر بقيمة 750 يورو للبالغين و300 يورو للقُصَّر، مرة واحدة في السنة.

وتم ربط الاستفادة من المنحة بجملة من الإجراءات التنظيمية، أبرزها تقديم جواز سفر ساري المفعول، تذكرة سفر مؤكدة، وتأشيرة عند الاقتضاء، إلى جانب تحديد مدة الإقامة بسبعة أيام أو أكثر.

غير أن استغلال بعض الأطراف للمنحة وتحويلها إلى غير مستحقيها دفع بنك الجزائر إلى إصدار إجراءات تنظيمية جديدة، تهدف إلى ضبط العملية، عبر اشتراط فتح حساب بنكي، وتشديد الرقابة، وربط العملية برقمنة المعاملات، بما يضمن مزيدا من الشفافية، ويحد من التجاوزات، ويساهم في تنظيم سوق الصرف.

رفع الأجور ومنح البطالة.. خطوة نحو تحسين المعيشة

وفي إطار مراجعة الأجور وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين، أعلن الرئيس تبون خلال ترؤسه لمجلس الوزراء بتاريخ 30 نوفمبر، عن رفع الحد الأدنى للأجور من 20 ألف دينار إلى 24 ألف دينار شهريًا، وزيادة منحة البطالة من 15 ألف دينار إلى 18 ألف دينار ابتداءً من يناير 2026، مع التزامه بمواصلة تحسين المكتسبات الاجتماعية.

كما أقر مجلس الوزراء زيادات بـ 10 بالمائة تخص المتقاعدين الذين يتقاضون أقل أو يساوي 20 ألف دينار, و05 بالمائة بالنسبة للمتقاعدين الذين يتقاضون أكثر من 20 ألف دينار.

واعتمدت الحكومة منذ 2020 عدة مراجعات للأجور والمنح الاجتماعية، شملت رفع الأجر الأدنى الوطني من 18 ألف إلى 20 ألف دج ثم إلى 24 ألف دج. إضافة إلى زيادات تدريجية في أجور الموظفين عبر مراجعة النقطة الاستدلالية.

ويرى خبراء الاقتصاد أن الزيادة المرتقبة في 2026 تمثل امتدادًا لمسار اجتماعي يهدف إلى دعم القدرة الشرائية بعد سنوات من الجمود وتآكل الدخل بسبب ارتفاع الأسعار.

وفقا للمعطيات المتداولة حول مشروع قانون المالية لسنة 2026، ستعرف كتلة الأجور زيادة تقدَّر بـ 1.4% لتصل إلى 45 مليار دولار، أي ما يقارب ثلث الميزانية العامة، والتي يتوقع أن تتجاوز 135 مليار دولار.

بعد وساطة دولية.. عفو رئاسي عن صنصال

سجلت سنة 2025 أيضا، تطورات مهمة في ملف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال، الذي صدر في حقه حكما يقضي بسجنه لخمس سنوات إثر إدانته في مارس بتهمة “المساس بالوحدة الوطنية”.

وفي 10 نوفمبر 2025، تلقى الرئيس الجمهورية طلبا رسميا من نظيره الألماني فرانك فالتر شتاينماير من أجل العفو عن صنصال لأسباب صحية وإنسانية، وهو ما استجاب له الرئيس تبون يوم 12 نوفمبر، حيث تعهّدت السلطات الألمانية باستقبال المعني لتلقي العلاج والرعاية اللازمة، وهو ما يعكس روح التعاون والتقدير المتبادل بين البلدين.

المؤرخ والدكتور بلغيث حر أيضا

وفي سياق متصل، أصدر الرئيس تبون عفوًا رئاسيًا كاملاً عن الدكتور والمؤرخ محمد الأمين بلغيث في ديسمبر 2025، شمل كامل مدة عقوبته بعد صدور حكم نهائي ضده، وذلك في إطار الصلاحيات الدستورية الممنوحة لرئيس الدولة، وعكس هذا القرار التوجه نحو التسامح وضمان الحقوق الإنسانية ضمن نطاق العفو الرئاسي.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here