أنبوب الغاز الجزائري-النيجيري.. أزمة جديدة بين الجارتين؟

99

بقلم : فريدة شراد

أفريقيا برسالجزائر. كشف وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب أن أنبوب الغاز الجزائري-النيجيري، الذي سيربط أوروبا بأفريقيا مستقبلاً يعد أمراً حيوياً بالنسبة للجزائر وسيعود بالفائدة على دولتي نيجيريا والنيجر اقتصادياً واجتماعياً.

وخلال اجتماع رفيع المستوى للدول الأعضاء في اللجنة الأفريقية للطاقة لتقديم موجز السياسات حول الغاز الطبيعي في مشهد الطاقة الأفريقي، أكد محمد عرقاب أن الجزائر تولي اهتماما خاصا لتنفيذ مشروع خط أنابيب الغاز العابر للصحراء TSGP، الذي يربط الغاز الطبيعي النيجيري بأوروبا عبر شبكة أنابيب الغاز الجزائرية.
وأوضح: “الأمر من شأنه أن يسمح بتعزيز علاقاتنا مع نيجيريا والنيجر، اللتان ستستفيدان من الفوائد الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن هذا المشروع”.

أبوجا تنهي الطموح المغربي

كشف وزير النفط النيجيري، نيمري سيلفا يوم 21 سبتمبر 2021، أن بلاده بدأت في تنفيذ مشروع بناء أنبوب الغاز الجزائري-النيجيري، في خطوة من المتوقع أن تضع حداً للطموح المغربي.

وقال سيلفا: “رغم أن العديد من المشاكل واجهت مشروع خط الغاز النيجيري الجزائري، إلا أننا بدأنا في تنفيذ المشروع وبناء خط الأنبوب من الجنوب النيجيري إلى الشمال وصولا للجزائر”. وأضاف الوزير النيجيري أن حكومته بدأت بتنفيذ بناء خط أنابيب الغاز لنقل الغاز إلى الجزائر والتي ستقوم بدورها في مرحلة لاحقة بنقله إلى دول أفريقية أخرى.

وتشير التقارير إلى أن الأنبوب الذي سيمرّ من نيجيريا إلى الجزائر مروراً بالنيجر يستهدف نقل 30 مليار متر من الغاز النيجيري نحو أوروبا، في حين أن الأنبوب الذي يمتد بين المغرب ونيجيريا على طول 5660 كم مروراً بـ 11 دولة وبالتالي سيشكّل المشروع من الناحية التقنية الاقتصادية أكثر صعوبة من المشروع النيجيري-الجزائري”. ومن المتوقع أن يضع الإعلان النيجيري عن خط الغاز مع الجزائر المغرب في ورطة خاصة مع توقف عقد خط الغاز الذي يربطها بالجزائر في نهاية أكتوبر القادم، بالإضافة إلى فقدان مورد آخر للطاقة بعد الإعلان عن خط الغاز الجزائري النيجيري.

أنبوب الغاز.. القصة الكاملة

بدأت قصة أنبوب الغاز الجزائري-النيجيري في جانفي 2002، بعد توقيع على مذكرة تفاهم، بين الجزائر ونيجيريا، قصد التحضير لمشروع خط أنبوب الغاز العابر للصحراء بين البلدين، لنقل الغاز الطبيعي من نيجيريا إلى أوروبا عبر النيجر والجزائر. وبعد سبع سنوات بالضبط في فيفري 2009، اتفق الطرفان على المضي قدماً في تنفيذ المشروع، طبقاً لمذكرة تفاهم تم توقيعها سنة 2002 بين الحكومتين بالإضافة إلى دولة النيجر. ويبلغ طول الأنبوب أكثر من 4128 كيلومتراً، بقدرة نقل 30 مليار متر مكعب من الغاز النيجيري سنوياً نحو أوروبا، ويمتد من نيجيريا إلى النيجر ثم الجزائر.

وفي 2007، قال وزير الطاقة الجزائري الأسبق شكيب خليل-المتابع حاليا في العديد من قضايا الفساد- إن سبب تأخر انطلاق تشغيل الأنبوب يعود لعدم وجود مشترين، وليس بتكلفته المالية العالية، المقدرة آنذاك بـ 13 مليار دولار. وبدا شكيب خليل واثقاً من قدرة البنوك في الجزائر ونيجيريا وحتى البنك الأفريقي للتنمية على تمويل أنبوب الغاز العابر للصحراء، وكحل لإعادة بعث المشروع اقترحت الجزائر شراء الغاز النيجيري، وإعادة بيعه لشبكة زبائنها في أوروبا والعالم.

الحقول الجديدة والغاز الصخري والإرهاب

بعد 14 عاماً، واجه المشروع عقبات أخرى حيث شهدت أسواق الغاز العالمية دخول منافسين جدد، وعلى رأسهم الولايات المتحدة التي تحولت من مستورد إلى مصدر بفضل الغاز الصخري، كما اكتشف الغاز في شرق المتوسط بكمية هامة.

ووسط توالي الأزمات قام العملاق الروسي بمد أنابيب غاز جديدة نحو أوروبا بأسعار تنافسية، وأمام اشتداد المنافسة على السوق الأوروبية، لتشهد بعدها الأسواق تغييراً جذرياً، في طريقة التعاقدات في 2019. وانتهى بهذا زمن عقود الغاز طويلة الأمد -20 عاماً على الأقل-، وبدل الأسعار الثابتة أصبحت الأسعار خاضعة لتقلبات السوق الحادة، وارتفعت كلفة مشروع أنبوب الغاز نيجيريا-الجزائر، لتصل إلى 20 مليار دولار، ويحتاج لعقود طويلة -ما بين 20 و30 عاماً- لتوريد الغاز وضمان تحقيق أرباح.

تحدٍ آخر واجهه أنبوب الغاز العابر للصحراء وهو الجانب الأمني، فظهور حركة “بوكو حرام في شمال شرقي نيجيريا، في 2002، وتمددها في المنطقة، ثم مبايعتها تنظيم “داعش” الإرهابي في 2015، وتمدد تنظيم “داعش الصحراء الكبرى” في غرب النيجر التي يعبر منها خط الغاز غير بعيد عنها. وبسبب كل ما سبق تم تأجيل الانطلاقة رغم توقيع نيجيريا والجزائر والنيجر في 2009، اتفاقاً لتنفيذ المشروع، وبعدها بأربعة أعوام أعلن رئيس نيجيريا السابق جوناثان غودلاك قرب بداية العمل بالمشروع.

المغرب يحارب الجزائر

دخلت المملكة المغربية على خط أنوب الغاز وشرعت في التفاوض مع نيجيريا، من أجل مد خط غاز يربط أبوجا بالرباط، وربطه بمصنع مشترك لإنتاج الأسمدة في نيجيريا، حتى يمر أنبوب الغاز عبر أراضيها. وكان هدف المغرب هو سد الطلب المحلي للغاز، مع إمكان تصدير الفائض إلى أوروبا عبر خط أنابيب المغرب العربي الذي تصدّر من خلاله الجزائر الغاز إلى أوروبا.

وخلال السنوات الماضية كان الحديث يدور عن أنبوب الغاز العابر للصحراء، بعد أن أطلق المغرب ونيجيريا مشروع إنجاز الخط الإقليمي لأنابيب الغاز، في ديسمبر 2016، ويمتد أنبوب الغاز المغربي على طول 5660 كيلومتراً، ومن المنتظر تشييده على عدّة مراحل ليستجيب للحاجة المتزايدة للبلدان التي سيعبر منها وأوروبا، خلال الـ25 سنة القادمة.

ويعتبر العديد من المحللين أن التحرك المغربي جاء بعد بروز رغبة الجزائر في عدم تجديد العقد معه الذي ينتهي بعد أيام أي في 31 اكتوبر 2021، حيث ستعتمد على أنبوب الغاز “ميدغاز” الذي يعبر البحر المتوسط، ويربط الجزائر بإسبانيا مباشرة. وكانت الجزائر قررت رفع القدرات التصديرية إلى 10.6 مليار متر مكعب مع نهاية السنة الحالية، خاصة بعد قطع الجزائر علاقتها الدبلوماسية مع المغرب، بسبب الأعمال العدائية عليها.

11 دول تصنع الفرق

بمقارنة صغيرة بين مسار الأنبوب عبر خط الجزائر من جهة وعبر خط الرباط من جهة أخرى، نجد أن الفرق هو 1532 كيلومتر، وهي مسافة كبيرة جداً ومكلفة، فطول الأنبوب عبر الجزائر هو 4128 كيلومتراً، في حين لو يمر عبر المغرب سيكون طوله 5660 كيلومتراً. والاختلاف يقارب ربع المسافة، أي زيادة بربع الكلفة، التي تصل إلى 25 مليار دولار، أي بزيادة 5 مليار دولار لنفس كمية الإنتاج.

يمر أنبوب الغاز نحو الرباط عبر 11 دولة إفريقية مقارنة بأنبوب الجزائر، الطي يمر على دولة واحدة في النيجر ما سيطيل المفاوضات ويرفع الامتيازات التي تمنح لكل دولة. ومن المفترض أن يمر الأنبوب بكل من بينين وتوغو وغانا وكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنيغال وموريتانيا، وبكلفة تفوق 25 مليار دولار.

هذه المعطيات التقنية والاقتصادية دفعت نيجيريا لاختيار الخط العابر للصحراء، لعدم دفعها لرسوم العبور سوى لدولتين فقط -النيجر والجزائر-، كما أن الجزائر لا تحتاج لغاز نيجيريا ما يرفع الكمية المصدرة. فضلاً عن امتلاك الجزائر شبكة من أنابيب الغاز نحو أوروبا ما سيقلص كلفة ومدة التنفيذ، ناهيك عن البنية التحتية التي تمتلكها الجزائر، سواء من حيث محطات ضخ الغاز، أو مصانع تسييله، وموانئ تصديره، وكذلك ناقلات الغاز البحرية التي يمكنها أن تنقل الغاز النيجيري إلى الأسواق البعيدة في أقصى آسيا بعد تسييله.

الصحراء الغربية أزمة كبيرة

إضافة إلى عبوره عبر 11 دولة أفريقية، سيمر أنبوب الغاز نحو المغرب عبر تراب الجمهورية العربية الصحراوية، وهو الأمر الذي لن توافق عليه السلطات الصحراوية، التي تعتبر المغرب قوة محتلة ومغتصبة للأراضي الصحراوية، ولا يمكن التفاوض حول المشروع.

وشهد الصراع بين الجمهورية الصحراوية والمملكة المغربية منعرجا كبيرا، مع قرار محكمة العدل الأوروبية قبل أيام بإلغاء اتفاقيتين بين الاتحاد الأوروبي والمغرب حول استغلال الثروة السمكية و المنتجات الفلاحية لأنها اتفاقيات غير شرعية. هذا القرار سيجعل جميع المستثمرين يتخوفون من الدخول في متاهات وحسابات سياسية، تجعلهم يخسرون أموالهم.

الجانب الأمني يرجح كفة الجزائر

تشهد الجزائر وضعية أمينة مستقرة داخليا، ما يعني أن قرابة 80 بالمائة من الأنبوب سيكون آمنا و بعيداً عن الهجمات الإرهابية، والباقي، ستتكفل بتأمينه الدولتان، الأخريين. وتفضل الجزائر أن تتولى كل دولة تأمين الأنبوب داخل حدودها مع تنسيق العمل الأمني والاستخباراتي، ما يرجح إمكانية تشكيل تحالف أمني ثلاثي على محور “أبوجا- نيامي- الجزائر”.

ويبقى التحدي الأكبر في نيجيريا، لأن الأنبوب يمر في المنطقة الأكثر أمنا في النيجر وهي ولاية زيندر، وسط البلاد، بعيدا عن بوكو حرام في الجنوب الشرقي، وداعش الصحراء الكبرى من الغرب.

مسار الخط في نيجريا يعبر من عدة نقاط ساخنة أمنيا، بداية من دلتا نهر النيجر جنوبي نيجيريا، الذي تنشط به عدة مجموعات مسلحة بينها “منتقمو دلتا النيجر”، والتي تستهدف أنابيب نقل الغاز والنفط بالمنطقة. وفي شمالي البلاد، تخوض نيجيريا حرباً صعبة ضد جماعة بوكو حرام، وتنظيم داعش في غرب إفريقيا.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here