آمنة جبران
أفريقيا برس – الجزائر. استبعد عبد الرزاق غراف الباحث الجزائري في حواره مع “أفريقيا برس” أن “يساهم القرار الأممي الأخير القاضي بالاعتراف بمبادرة الحكم الذاتي المغربية في تسوية العلاقات الجزائرية –المغربية حيث أن هذه الخطوة مرهونة بمعالجة أسباب الأزمة بالأساس، وهو ما لم يتحقق إلى حد الآن”. وفق تقديره.
و رغم الزخم الذي صاحب القرار الأممي والترويج على أنه قادر على حل النزاع من جذوره، رأى أن “الحل الدائم مرهون في أحد أهم أبعاده بموافقة أطراف النزاع المباشرين على الحل، وهو الأمر غير المتاح حاليا في ظل رفض جبهة البوليساريو للرؤية الأممية.”
في المقابل أشار إلى أن”تسوية النزاع الصحراوي هو رهان قوي نحو إعادة بث الحياة في الاتحاد المغاربي شريطة أن يكون الحل مستداما وينال رضى الجميع وليس عبر الاستقواء بالخارج لفرض رؤية معينة للحل دون غيرها.”
ولفت إلى أن “التحالف الثلاثي الجزائري التونسي الليبي الراغب في بناء إستراتيجية موحدة لمواجهة التحديات، يشهد مستوى متقدم من التوافق السياسي بما يعزز المنطق الاستراتيجي الجامع بين هذه الدول، كما من شأنه التصدي بنجاعة للتحديات الأمنية والتهديدات المحيطة بالمنطقة”.
د. عبد الرزاق غراف هو باحث ومحلل سياسي جزائري، وهو باحث أول بمركز الخليج للأبحاث بالعاصمة السعودية الرياض.
كيف تقيم أداء الدبلوماسية الجزائرية خلال الولاية الثانية للرئيس تبون؟
في الجزائر هناك عقيدة دبلوماسية راسخة قائمة على ثوابت يصعب الخروج عنها. والدبلوماسية الجزائرية خلال عهدتي الرئيس عبد المجيد تبون ليست بالاستثناء عن هذا المنطق؛ السنوات الأخيرة قبل مجيء الرئيس عبد المجيد تبون شهدت الدبلوماسية الجزائرية حالة من تراجع الأداء قياسا على الإرث التاريخي الضخم الذي لطالما عُرف عن الدبلوماسية الجزائرية في الوساطات وحل النزاعات المعروفة لدى الجميع. وعليه كانت من ضمن أولويات الرئيس تبون هو إعادة احياء الدبلوماسية الجزائرية وارجاعها لوضعها الطبيعي المعتاد. وهي مهمة لم تكن سهلة في ظل تغيرات المعطيات الدولية قياسا على ما كانت عليه سابقا لما كانت الدبلوماسية الجزائرية تعيش أزهى أوقاتها، فلا النظام الإقليمي المتأزم في كثير من ثناياه بقي بذات المعطيات السابقة، وهو الذي يشهد حالة غير مسبوقة من الهشاشة الأمنية في ظل ما يكتنف منطق الدولة المركزية فيه من أزمات على غرار مالي وليبيا ومعظم دول الساحل. ولا النظام الدولي هو ذات النظام الدولي الذي كان سائدا سابقا بالنظر للتحولات المتسارعة التي يشهدها هذا النظام. ووسط هذا الوضع راهنت الجزائر بكل ما أوتيت من روافد قوة على حماية مبادئها التي أدارت دفة سياستها الخارجية على مرّ عقود، وحصيلة قرابة سنتين من عضوية مجلس الأمن غير الدائمة، والتي من خلالها رافعت الجزائر على كل ما يرمز لثوابتها الدبلوماسية.
كيف يمكن للجزائر ودول المغرب العربي مواجهة التحديات الأمنية الناجمة تحديدا من التوترات في مالي ودول الساحل؟
منطقة الساحل هي خاصرة الأمن القومي للجزائر ومعظم دول المغرب العربي؛ وفي ظل ما يشوب هذه المنطقة من تحديات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية ونتيجة للامتداد الجغرافي فمن البديهي أن هذا الوضع سيحمل تداعيات خطيرة على المنطقة المغاربية، وما زاد من الأمر خطورة هو حالة الاستقطاب الإقليمي والدولي الجارية في منطقة الساحل كنتيجة حتمية لتراجع النفوذ الفرنسي الكولنيالي التاريخي وصراع ملأ الفراغ الذي شجعته توجهات النخب العسكرية الصاعدة للسلطة في هذه الدول، والتي دخلت في دائرة ضيقة من تبادل الأدوار على النحو الذي خرجت فيه من دائرة النفوذ الفرنسي لتسقط في دوائر نفوذ لفواعل إقليمية ودولية أخرى، وكل هذا على حساب أواصر التاريخ والجغرافيا ومصالح دول الجوار المغاربي والجزائر في مقدمة ذلك، في ظل هذه المعطيات أصبح جلّيا مدى حاجة دول المغرب العربي لتفعيل العمل المشترك وتنسيق الجهود لمواجهة تداعيات هذا الوضع التي تطال الكل دون استثناء. في حين تفرض حالة الجمود التي يعاني منها اتحاد المغرب العربي اللجوء الى خيارات بديلة تكون أكثر واقعية وقابلية للتطبيق وفي مقدمتها التحالفات البينية، على غرار التحالف الثلاثي الجزائري التونسي الليبي الراغب في بناء إستراتيجية موحدة لمواجهة التحديات، والذي يشهد مستوى متقدم من التوافق السياسي وتعزيز الشراكة الاقتصادية بما يعزز المنطق الاستراتيجي الجامع بين هذه الدول.
هل تعتقد وساطة دول الجوار مثل تونس والجزائر قادرة على حل الأزمة الليبية، واي تداعيات لهذا الملف على أمن واستقرار المغرب العربي؟
خمسة عشر سنة من الأزمة في ليبيا خلّفت تداعيات كبرى على كافة المستويات محليا وإقليميا، وقد آن الأوان لوقف هذا المسار، الذي دفع بليبيا نحو الوقوف على حافة الدول الفاشلة بما قد يرهن مستقبل ليبيا ككيان ضمن نطاقه الجغرافي الراهن، ودول الجوار المغاربي لليبيا تتحمل تكاليف باهظة لاستمرار الأزمة وهي بحاجة في الوقت الراهن لبذل المزيد من الجهود للتوفيق بين كل الفواعل المحلية للازمة عبر آليات جديدة خارج تلك المقاربات التي أودت بفشل جل جهود الوساطة التي قامت بها الجزائر وتونس سابقا، تزامنا مع ضرورة التنسيق الإقليمي في هذا الشأن ولقاء وزراء خارجية دول الجوار الليبي في الجزائر قبل أيام جزء من ذلك، على النحو الذي يكبح نسبيا اعتماد الفواعل المحلية للأزمة على الرعاة الخارجيين خارج نطاق الطوق المجاور والذي لم يزد الأزمة ومعها جهود الحل والتسوية إلا تعقيدا، ليبقى في الأخير الحل بيد الليبيين أنفسهم ومدى جديتهم في سلوك هذا المسار.
هل بوسع مبادرة الحكم الذاتي التي حظيت بموافقة أممية مؤخرا أن تنهي النزاع الطويل مع الجزائر، هل من شأنها تخفيف التوتر السياسي والعسكري بين البلدين؟
ملف الصحراء الغربية ليس الملف الوحيد الذي يقض مضجع العلاقات الجزائرية المغربية، وحله لا يعني حل الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، كما أن عدم حله لا يعني عدم تجاوز الأزمة بينهما، وفي كل الأحول فإن الجزائر تدعم حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره استنادا لمبدأ يرقى لمصاف القداسة في سياستها الخارجية وعقيدتها الدبلوماسية، وهو ذات المبدأ الذي دفع الجزائر لدعم الشعب الفيتنامي في مواجهة الامبريالية الأمريكية وعديد الشعوب الأفريقية والآسيوية للتحرر من الاستعمار الذي اكتوت الجزائر بنيرانه لقرن و32 سنة؛ ومنه فإن الشعب الصحراوي ليس بالاستثناء عن هذا المنطق إنما حساسيته المفرطة منبثقة عن جواره الملامس للأمن القومي الجزائري. فضلا على ذلك فإن الجزائر لم تكن يوما ضمن أطراف النزاع المباشرين رغم كل محاولات جر الجزائر نحو هذه المعادلة انطلاقا من التسويق لمطامع جزائرية في هذه الرقعة الجغرافية وهي في الحقيقة ادعاءات لا علاقة لها بواقع الاحداث.
أما عن قرار مجلس الأمن الأخير والذي أعطى ميزة تفضيلية لمبادرة الحكم الذاتي فهو لم يُسقط باقي الخيارات التي رسختها الشرعية الدولية، ولا يمكن إسقاطها بالتقادم مهما كان حجم القوة الدافعة نحو ذلك، وفي كل الأحوال فإن هذا القرار غير متعلق بالأزمة والقطيعة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب الممتدة من أغسطس 2021 والتي لها أسبابها المعروفة سلفا، وذكرها بيان وزارة الخارجية الجزائرية يومها بشكل مفصل، لتبقى بالتالي العلاقات بين البلدين مرهونة بمعالجة أسباب الأزمة، وهو الأمر الذي لم تتوفر الحدود الدنيا من معالمه في الوقت الراهن. فالأسباب التي دفعت الجزائر هي ذاتها. ورد الفعل المغربي هو ذاته. ورهان الحل لن يتم إلا بمعالجة كل هذا، ورغم كل ما يدور مؤخرا عن تسوية محتملة فهي لن تكون إلا عبر تحقيق هذه الشرطية.
هل بوسع قضية الصحراء أن تفتح الطريق لولادة جديدة للاتحاد المغاربي بعد التوصل لحل لهذا النزاع؟
منذ تأسيسه في 17 فيفري 1989 لعبت أزمة الصحراء الغربية دورا محوريا في فرملة ما هو مأمول من اتحاد المغرب العربي ورهاناته. ومن جانب آخر فإنه من اليقين عدم قدرة القرار الأممي الأخير رغم كل الزخم الذي صاحبه على حل النزاع من جذوره، لأن الحل الدائم مرهون في أحد أهم أبعاده بموافقة أطراف النزاع المباشرين على الحل، وهو الأمر غير المتاح حاليا في ظل رفض جبهة البوليساريو للرؤية، التي بُنيت عليها صيغة القرار الأممي وعي “الحكم الذاتي”. ليبقى الثابت أن تسوية النزاع الصحراوي هو رهان قوي نحو إعادة بث الحياة في الاتحاد المغاربي شريطة أن يكون الحل مستداما وينال رضى الجميع وليس عبر الاستقواء بالخارج لفرض رؤية معينة للحل دون غيرها.
كيف يمكن لشعوب المنطقة المغاربية فتح باب التعاون وتبادل المصالح في ظل التحديات الأمنية والتدخلات الخارجية؟
حلم الشعوب المغاربية في التكامل مستمد من الروح المشتركة لهذه الشعوب في الاستقلال وقد صيغ هذا المنطق في أطر حزب نجم شمال أفريقيا في النصف الأول من القرن العشرين، وما أحوج شعوبنا اليوم الى العودة الى هذا الإلهام التاريخي الذي حملته عقيدة هذا الحزب، فرغم ما يكتنف علاقات دول المنطقة من أزمات تبقى روابط الشعوب أقوى، وهي التي تستند الى ثوابت تاريخية لا يمكن الاستغناء عنها وفي مقدمتها مقومات الهوية كالدين واللغة والمصير المشترك، لتبقى الإرادة السياسية هي الفاصل في ترجمة ذلك على الواقع.





