أفريقيا برس – الجزائر. يشهد قطاع النفط في الجزائر، منذ بداية عام 2022، تحركات نحو العمل على اكتشاف حقولٍ جديدة، بهدف زيادة الإنتاج والتصدير للاستفادة من أسعار الطاقة المرتفعة، والعمل على اقتناص الفرص المتاحة في السوق الدولية. وتتصاعد الآمال مع أربعة اكتشافات ضخمة جديدة تعوّل عليها البلاد لزيادة إيراداتها. يأتي ذلك مع توجه الأسواق الغربية، خصوصًا الأوروبية، نحو البحث عن بدائل عن الإمدادات الروسية، في خضم غزو موسكو لأوكرانيا. فيما يبقى تمويل المشاريع وارتفاع الاستهلاك الداخلي هاجسان يؤرقان الحكومة الجزائرية وشركة “سوناطراك” النفطية. ونجحت الجزائر في اكتشاف احتياطات ضخمة من الغاز في حقل “حاسي الرمل” العملاق جنوب شرق البلاد.
وأعلنت شركة النفط “سوناطراك” أنها تمكّنت من تحديد إمكانات مهمة جديدة من المحروقات في مكمن “لياس الكربوناتي” على مستوى رقعة استغلال “حقل حاسي الرمل”. وقد أظهر التقييم الأوليّ وجود ما بين 100 و340 مليار متر مكعب من الغاز المكثف، ما يشكّل واحدة من أكبر عمليات إعادة تقييم الاحتياطات خلال العشرين سنة الماضية. وتسابق “سوناطراك” الزمن لتأكيد الأحجام التقديرية والعمل على إنتاج مستعجل يُقدَّر بنحو 10 ملايين متر مكعب يوميًا من الغاز، بدءًا من نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
وأكد عزالدين روابح، مدير مركزي في سوناطراك، أن “حقل الغاز الجديد هو ثمرة عمليات إعادة التقييم التي أنجزتها الشركة في السنوات الأخيرة بسواعد أبنائها من المهندسين وبالاستعانة بأحدث التكنولوجيات المتوفرة في هذا المجال، وسيسمح الحقل الغازي الضخم الجديد للشركة برفع طاقتها الإنتاجية والتصديرية بما يعادل 10 مليارات متر مكعب سنويا من الغاز، بدءاً من 2023، على أن ترتفع التوقعات ما بعد 2023 إلى 15 مليار متر عند بلوغ درجة الاستغلال الذروة”. وأكد أن “إنتاج سوناطراك من الغاز بلغ 103 مليارات متر مكعب في 2021 وهو رقم قياسي، كما بلغ تصدير الغاز في سنة 2021 حوالي 54 مليار متر مكعب، على أن يرتفع إلى ما بين 57 و60 مليار متر مكعب نهاية 2022”.
واستطاع قطاع النفط في الجزائر خلال النصف الأول من العام الحالي، تحقيق ثلاثة اكتشافات نفطية تضاف إلى اكتشاف حقل “حاسي الرمل”، تشجع البلاد على التوجه إلى مناطق جديدة للبحث والاستكشاف مستقبلا. وكان الكشف النفطي الأول لقطاع المحروقات في الجزائر خلال العام الجاري، في 20 مارس/آذار 2022، في منطقة “زملة العربي” الواقعة في “حوض بركين” جنوب شرق البلاد، بتقديرات أولية تصل إلى 140 مليون برميل من النفط، وذلك بالتعاون مع شركة “إيني” الإيطالية.
وأنتجت البئر المكتشفة في حوض بركين خلال مرحلة الاختبارات نحو 7 آلاف برميل من النفط يوميًا، مع 140 ألف متر مكعب من الغاز المصاحب يوميًا، وفقًا لبيانات شركة سوناطراك الجزائرية. بينما تحقق الاكتشاف الثاني يوم 22 مارس/آذار 2022 في “بئر ترسيم” الواقع شمال حقل حاسي مسعود، وهو ما أسهم في رفع إجمالي احتياطات الخام في الحقل إلى 961 مليون برميل من النفط، إذ قدر احتياطي البئر الجديدة بنحو 415 مليون برميل. وتشير الاختبارات إلى أن البئر الجديدة أنتجت 5.094 آلاف برميل يوميًا من النفط، و186 ألف متر مكعب من الغاز الطبيعي.
وفي الجهة المقابلة، أي جنوب غرب الجزائر، في منطقة “العوابد” بولاية البيض، توصلت ” ” أواخر شهر مارس/آذار الماضي إلى الاكتشاف الثالث، وهو بئر “أولاد سيدي الشيخ” بمعدل تدفق وصل إلى 925 برميلًا يوميًا من النفط، و6 آلاف و456 مترًا مكعبًا يوميًا من الغاز.
وقال مدير الاستكشافات السابق في شركة سوناطراك، سعيد بغول، إن “الجزائر لم تحقق اكتشافات مماثلة منذ نحو 15 سنة بهذا الحجم”، وأضاف أن “الاحتياطات المعلنة تجعل الاكتشافات الأربع بمثابة هبة إلهية ستغير المشهد النفطي الجزائري عقب فترة طويلة من الركود في هذا المجال”. وأكد مدير الاستكشافات السابق في شركة سوناطراك أنّه “من السابق لأوانه الجزم بالحجم الحقيقي للاحتياطات، إذ لا بد من ترك المزيد من الوقت للتقنيين والمهندسين لتقدير المخزون الحقيقي، والمخزونات المسترجعة”.
وتحمل الأخبار السارة التي زفّتها حقول النفط في الجنوب الجزائري، صداعاً للحكومة الجزائرية و”سوناطراك”، تتعلق بتمويل عمليات الاستكشاف واستغلال الحقول الجديدة. ففي وقتٍ رصدت فيه “سوناطراك” مبلغ 8 مليارات دولار لعملية إعادة تقييم الحقول النفطية واكتشاف أخرى جديدة، يبدو أن الرقم غير كافٍ لتحويل ما تم اكتشافه تحت الأرض إلى عملة صعبة، في وقتٍ يرتفع فيه الطلب العالمي، خاصة الأوروبي، على الغاز والنفط بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية.
وشهد النصف الأول من العام الجاري، توقيع الجزائر اتفاقيات مع شركات دولية، تضمنت تسريع إنتاج قطاع المحروقات، بعد اكتشاف حقول جديدة وتطوير أخرى قديمة. ففي إبريل/نيسان الماضي، وقّعت سوناطراك اتفاقية مع أحد أهم عملائها، وهي شركة إيني الإيطالية، تهدف من خلالها إلى تسريع وتيرة تطوير مشروعات إنتاج الغاز الطبيعي. وتضمنت الاتفاقية كذلك زيادة صادرات قطاع المحروقات في الجزائر من الغاز، عبر الاعتماد على القدرات التي يتيحها خط أنبوب الغاز “ترانسمد”، وهو الخط الرابط بين الجزائر مرورًا بتونس وصقلية، والأراضي الإيطالية.
وفي إطار استهداف البلاد تقليل استيرادها من المنتجات النفطية والتصدير للخارج، وقّعت “سوناطراك” مع المجمع الصيني للنفط اتفاقًا لتنفيذ مشروع إنتاج مادة ميثيل ثلاثي بوتيل الإيثر، والمستخدمة لتصنيع البنزين الخالي من الرصاص.
ومن شأن نجاح قطاع المحروقات في الجزائر في تصنيع هذه المادة محليًا، أن يسهم في استغناء البلاد عن استيراد تلك المادة بالإضافة إلى التحول نحو تصديرها، إذ بلغ إجمالي تكلفة استيرادها نحو 170 مليون دولار خلال العام الماضي.
وشهدت بدايات العام الحالي كذلك، توقيع “سوناطراك” الجزائرية اتفاقية مع “إيني” الإيطالية تتضمن تسريع تطوير حقول الغاز المكتشفة في البلاد، مع العمل على الحد من البصمة الكربونية، من خلال استخدام الهيدروجين الأخضر.
كما شهد هذا العام، توقيع الجزائر اتفاقية مع شركة “سينوباك” الصينية، تستهدف تحديث آبار قديمة، بالإضافة إلى حفر أخرى جديدة. وبموجب الاتفاقية، من المقرر العمل على تجديد 6 آبار قديمة، والقيام بحفر 12 بئرًا جديدة، مع صيانة المنشآت القائمة، وكذلك استعادة الغازات المحروقة.
وحسب وزير الطاقة السابق عبد المجيد عطار، فإن “سوناطراك والحكومة عموما ملزمان بإيجاد تمويل سريع لاستغلال الحقول النفطية الجديدة، وحسب المعلومات الأولية فإن “ايني” الإيطالية حازت أحد الحقول الأربعة الجديدة، فيما تقترب شركة أميركية من الظفر بأحد الحقول المتبقية”.
وأكد عطار أنه “لا يهم جنسية الشركة بقدر القيمة المضافة التي تحملها في المعادلة الإنتاجية، إذ أن الحكومة الجزائرية عدلت قانون المحروقات أخيراً لإغراء الشركات النفطية الكبرى على ولوج السوق الجزائرية، من خلال تخفيض الضرائب ورسوم الاستغلال والجمارك، ورفع حجم الأرباح المحولة إلى الخارج”. وأضاف أن “الحكومة عليها أن تنظر إلى ما ستحمله هذه الحقول الجديدة من عملة صعبة للجزائر، وكم منصب شغلٍ ستخلقه مستقبلا، وبالتالي أظن أن حتى التوجه نحو الاستدانة الخارجية لتمويل المشاريع مقبول حاليا، خاصة أن موازنة 2021 فتحت الباب أمام الشركات للبحث عن التمويلات الخارجية للمشاريع الكبرى”.
وتوقع وزير المالية الجزائري عبد الرحمن راوية، مطلع يونيو/حزيران، نمو اقتصاد بلاده بنسبة 3.4 في المائة خلال العام الجاري، مدفوعاً بتحسن مداخيل مصادر الطاقة التقليدية من النفط والغاز. ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن راوية قوله إن بلاده تمكنت من تجاوز آثار الأزمة الصحية الناتجة عن جائحة كورونا، “وبدأت مؤشراتها الاقتصادية الكبرى في التحسن بداية من النصف الثاني من سنة 2021”. وذكر أن هذه “المؤشرات الإيجابية.. تسمح بتوقع نسبة نمو لسنة 2022 تقدر بـ3.4 بالمائة، بالتزامن مع إجراءات اتخذتها الجزائر لتقليل الأضرار الناجمة عن الجائحة”.
وفي نهاية الشهر الماضي، صادق البرلمان الجزائري على مسودة قانون جديد للاستثمار قدمته الحكومة، بهدف تشجيع الاستثمارات الأجنبية وتقديم حوافز جدية للمواطنين والأجانب، ورفع العراقيل البيروقراطية التي تعيق تنفيذ المشاريع الاستثمارية، خاصة في بعض القطاعات الحيوية.
ويتضمن القانون الجديد حرية اختيار البرنامج الاستثماري، وإمكانية الاستفادة من العقار التابع للدولة، وضمان تحويل رأس المال والعائدات الناجمة عنه من طرف المستثمرين الأجانب، شرط أن تكون قيمتها تساوي أو تفوق الأسقف الدنيا للرأسمال المساهم به، إضافة إلى الإعفاء من إجراءات التجارة الخارجية والتوطين البنكي بالنسبة للمساهمات العينية الخارجية في شكل سلع جديدة، وضمان حق المستثمر في اللجوء إلى اللجنة العليا الوطنية للطعون المختصة في مجال الاستثمار.
وكذلك ضمان حق المستثمر في تحويل أو التنازل عن الاستثمار، واستثناء المشاريع الاستثمارية من أي تسخير لصالح الحكومة، واستحداث نظام الشبابيك الموحدة للتعامل مع المستثمرين، وإنشاء الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، ومنح مزايا خاصة وإضافية للمستثمرين في بعض القطاعات الحيوية وفي بعض المناطق في الجنوب والصحراء.
وعلى الرغم من الاعتراضات التي شابت القانون، من حيث عدم إعطائه المساحة اللازمة للنقاش في البرلمان، إلا أنه يُنظر إلى هذا القانون على أنه سيكون دافعاً لزيادة إقبال المستثمرين نحو السوق الجزائرية، وأنه سيحقق توازناً بين المشاريع النفطية من جهة، وتلك التي تستهدف الاستثمارات في القطاع التكنولوجي والرقمي والمشاريع التي تستقطب المزيد من اليد العاملة المحلية من جهة أخرى.
يمثل النفط والغاز 94 في المائة من إجمالي صادرات الجزائر، و60 في المائة من ميزانية الدولة. ويعاني اقتصاد الجزائر من تبعية مفرطة لإيرادات المحروقات التي تمثل نحو 90 في المائة من مداخيل البلاد من النقد الأجنبي، وفق بيانات حكومية رسمية، وسط انتشار كبير للقطاع الموازي الذي يتداول كتلة نقدية تفوق 75 مليار دولار، بحسب رئيس البلاد عبد المجيد تبون.
وتحتاج البلاد هذا العام تحديداً إلى زيادة تدفق النقد الأجنبي مع تزايد الصعوبات الاقتصادية، حيث تعاني موازنة الجزائر عجزاً منذ سنوات، فاق 30 مليار دولار خلال السنة الحالية، وهو الأعلى في تاريخ البلاد.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس