أفريقيا برس – الجزائر. أثار الإعلان عن تنظيم ندوتين أدبيتين للروائية الجزائرية هيديا بن ساحلي، لعرض عملها الجديد وهو “الجزائر اليهودية”، لغطاً حاداً في الأوساط الأدبية والثقافية في الجزائر، خاصة من المثقفين المحسوبين على التيار القومي والمحافظ، الذين اعتبروه محاولة لاختراق جدار الموقف الشعبي والرسمي المحسوم في مسألة التطبيع مع إسرائيل، الى جانب كونه تزويرا للتاريخ والهوية الوطنية، بما أن العمل تحدث عن مزاعم الوجود اليهودي في البلاد منذ ألفين سنة، وأن توقيته انطوى على رسائل سياسية تتزامن مع العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان.
ألغت جهات نافذة في الجزائر ندوتين أدبيتين، برمجتا في الجزائر العاصمة وتيزي وزو، لعرض الرواية الجديدة للأديبة هيديا بن ساحلي، والموسومة بـ “الجزائر اليهودية.. رسالة إلى نفسي الأخرى التي أعرفها قليلا”، وذلك في أعقاب الجدل الذي تفجر في الأوساط الأدبية والثقافية، حول المنجز المتهم بتمهيد الطريق لتطبيع ثقافي بين الجزائر والكيان الإسرائيلي، على غرار أعمال أدبية سابقة أسست لهذا الاتجاه لكنها سرعان ما اختفت تحت ضغط الغضب الشعبي.
وحسب ملخص الرواية، فإنه يتناول الوجود “اليهودي في الجزائر على امتداد 2000 عام”، غير أن صياغة العنوان أثارت حالة من الغضب النخبوي والشعبي، كونه تجاوز الوجود اليهودي كحالة إنسانية، إلى هوية تتنافى مع الحقيقة التاريخية، فالجزائر منذ الأزل عرفت وجودا بشريا متنوعا خاصة تحت يافطة الاستعمار بداية من الرومان إلى الفرنسيين، لكنها ظلت متمسكة بهويتها الأمازيغية والعربية والإسلامية، ولم تحمل أبدا هوية أخرى، مما يجعل العمل الأدبي المذكور منجزا لتمرير رسائل سياسية وأيديولوجية تصب في وعاء التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.
وتعد هيديا بن ساحلي، واحدة من الأسماء الأدبية المنتجة لعدة أعمال باللغة الفرنسية، بما فيها “الجزائر اليهودية” الصادرة خلال العام الماضي عن دار النشر “التافا”، وبحوزتها عدة أعمال متوجة بجوائز أدبية، على غرار “العواصف” الفائزة بجائزة يمينة مشاكرة العام 2019، ورواية “التباطؤ” المقتبسة عن أحد أعمال الرسام النمساوي إيغون شيله.
حلقة جديدة من مسلسل مثير
وفيما نفت الهيئة المسيرة لمكتبة “أقوال الشجرة” في العاصمة الجزائرية، والتي كانت ستحتضن اللقاء الأدبي لبن ساحلي تعرضها لأية ضغوطات من السلطات، وأن قرار الإلغاء داخلي من طرف المكتبة، وليس بطلب أو أمر من السلطات، فان الأوامر الفوقية واردة جدا في الموضوع رغم عدم صدور أي بيان رسمي من الجهات الوصية.
ويعد هذا العمل الروائي، واحدا من الأعمال النادرة لكتاب وأدباء جزائريين، تناولوا المسألة اليهودية في البلاد، مع اختلاف في الأبعاد والدلالات، على غرار “اليهودي الأخير لتمنطيط”، لأمين الزاوي، الذي قدم يهود منطقة تمنطيط بمحافظة بشار في الجنوب الغربي للجزائر، على أنهم ضحايا حرب مقدسة خاضها ضدهم في القرن الحادي عشر ميلادي، الزعيم الإسلامي عبد الكريم المغيلي.
كما تناول الروائي الحبيب السايح، رواية “أنا وحاييم”، عملا استعرض فيه إمكانية التعايش بين القوميتين بعيدا عن الحرب، ليضاف بذلك الى مؤلفين مهاجرين على غرار بوعلام صنصال وكمال داود، الذين يصنفان المقاومة في خانة الإرهاب.
وفي تصريح لـ “أفريقيا برس”، أكد المفكر والباحث المستقل حمزة بلحاج صالح “إن الكتاب الموسوم “الجزائر اليهودية ” للكاتبة هادية بن ساحلي، منشورات فرانتز فانون بالجزائر، تم التقديم له من طرف فاليري زناتي فرنكو-إسرائيلية والتي غادرت عائلتها الجزائر قبيل استقلال الجزائر واسترجاع سيادتها الوطنية.. من يقرأ المقدمة يشعر كأن متلة حرجة مخفية قام الكتاب بإظهارها وجعلها منظورة ونقلها من الخفاء إلى التجلي (الحضور اليهودي في الجزائر)”.
وأضاف: “أرى أن بعض الإشارات والتلميحات تظهر في سياق مريب وحساس وسلبي للغاية وهو مطالبة اليهود المغاربة (يهود دولة المغرب) بما يعتبرونها أراضيهم التي تركوها زمن الاستقلال، في حين البربرية الصهيونية في حالة هيجان وتكالب شرس منذ 1948.
ولفت المتحدث الى إن مقدمة الكتاب يبدو أنه تمت دعوتها وبرمجتها من غير حذر وانتباه ويقظة، حيث دعيت من طرف الناشر عمار إنغراشن فساهمت سواء من حيث لا تدري أو تدري وتعمل في تأزيم حالة القلق المحتقنة التي أثارها عنوان الكتاب المستفز، كان يمكن الرجوع إلى بعض المؤرخين المعتدلين والوطنيين اليقظين النبهاء لتقديم الكتاب مع إظهار ما يحب إظهاره و نقد ما ويجب نقده والوقوف عند السياق وتداعيات الكتاب في الوقت الراهن، ثم لماذا الآن؟
واستطرد: “نختلف أو نتفق مع السلطة الحاكمة في الجزائر لكن من منطلق الإنصاف والموضوعية في ظروف حساسة للغاية أن تقول للذي أحسن أحسنت وللذي أساء أسأت، لقد وقفت الجزائر حكومة وشعبا وجيشا موقفا واحدا متأهبا مناصرا لكل خطوط المقاومة والوحدة الاسلامية والممانعة. أنظر مثلا لا حصرا موقف الجزائر ودورها في الأمم المتحدة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والعدوان على فلسطين وغزة و الإبادة البربرية الصهيونية على شعب أعزل ومقاومة تدافع عن أرضها و حريتها، كيف يمكن بهذه المواقف التي تستحق التنويه مهما اختلفنا مع السلطة أو اتفقنا أن تنظر الجزائر والجزائريين كلا متماسكا إلى التطبيع إلا باعتباره قمة الهوان والتخاذل، لا مكان للتطبيع في الجزائر سلطة وجيشا وشعبا كما أعتقد”.
ويرى النائب البرلماني والوزير السابق الهاشمي جعبوب، بأنه من الواجب البحث عن مسار هذه الكاتبة لتقصي مسارها المدعوم من طرف اللوبيات المتنفذة في أوصال مؤسسات الدولة والمدعومة سياسيا واعلاميا وماليا من طرف خصومنا التقليديين بالخارج.
ويذكر بأنها كانت أستاذة بمعهد اللغات الأجنبية بجامعة الصومعة حيث شغلت منصب مديرة البحث العلمي ثم لجأت العام 2000 إلى فرنسا لإتمام دراستها العليا بجامعة نيس أين التقت وتعرفت على مؤطرتها الاكاديمية والكاتبة الفرنسية الإسرائيلية فيلاري زيناتي، وهي من تكون سهلت لها الالتحاق بهذه الجامعة وخططت لاستدراجها وإلحاقها ببرنامجها التطبيعي.
تحصيل حاصل لمسار متعاطف مع اليهودية
والأستاذة الجامعية فيلاري زيناتي، مولودة بنيس الفرنسية من أبوين يهوديين من أصول جزائرية، وقد قضت ثمان سنوات من طفولتها بالكيان الإسرائيلي، وهي أستاذة للغات وبالأخص العبرية والفرنسية واشتهرت بترجمة عدة مؤلفات لكتاب يهود.
ولقد أشرفت فاليري زناتي، على تأطير الطالبة هيديا بن سحلى، وتوطدت علاقتهما لذلك تولت كتابة مقدمة كتابها “الجزائر اليهودية” كتزكية لها وترويجا لمؤلفها، خاصة وأنها معروفة هي الأخرى ككاتبة ألفت قصصا عديدة تتمحور كلها حول تمجيد اليهود و الكيان الإسرائيلي مثل “زجاجة في بحر غزة”، و “عندما كنت جندية” قدمت فيها ذكرياتها لما كانت مجندة ضمن صفوف الجيش الإسرائيلي.
كما تعرفت الكاتبة بن ساحلي على فرانسين سيكورال، أستاذة الأنثروبولوجيا بجامعة السربون، والتي أشرفت على أطروحتها لنيل الدكتوراه وبفكرها تأثرت خاصة فيما يتعلق بقضية اليهود التي كانت فرانسين تولي لها عناية خاصة بإصدار مقالات دورية حولها، ثم أفردت لها كتابا بعنوان “مقتطفات من الديانة اليهودية -3000 سنة من الثقافة اليهودية”.
وقال المؤلف والأكاديمي عبدالسلام فيلالي في منشور له على صفحته الرسمية في الفيسبوك: ” الجزائر اليهودية، جملة مثيرة وصادمة تطرح تساؤلات بخصوص اختيارها عنوانا من قبل كاتبة جزائرية مقيمة في فرنسا، سوف يتحدد اختياره ودواعيه بالنسبة لمن كتب مقدمته ويتعلق الأمر بـ فاليري زناتي صاحبة كتاب “كنت جندية”، الصادر سنة 2002، والتي أعطت عامين من حياتها للدفاع عن الكيان وبقائه”.
وأضاف: “هي تعلمت كيفية استخدام الأسلحة، تاريخ وجغرافيا الدول المجاورة والعدو”، ضمن قوات الاحتلال الصهيونية المنتجة لآلة التدمير والإبادة التي نعاين جرائمها الوحشية والبشعة بشكل يومي ومنذ سنة ضد أهلنا في غزة. تسيل دماء أشقائنا الفلسطينيين أنهارا”.
قانون “كريميو” فصل اليهود عن الجزائر
وتابع: “أمر سيء ومقرف أن نقرأ لصهيوني يمجد هذه المنظمة الإجرامية الفريدة في تاريخ البشرية، من حيث طبيعة الوسائل العسكرية المستخدمة في قطاع عزة، كما هو معاين هذه الأيام في جباليا، وبمباركة غربية وكل المتصهينين”.
ويرى الكاتب أن “تاريخ اليهود في بلادنا معروف جيدا، وليس فيه أي جانب من الإثارة والبروز، فلم يعش بيننا “موسى بن ميمون”، ومن عرفوا من اليهود الأهلين كانوا بالنسبة لعملهم كمقربين من الحاكم “جامعو ضرائب، صانعو مجوهرات…ألخ” أو الشخصيات المشهورة من التجار الأوربيين وخصوصا من يهود ليفورنو ويتعلق الأمر بـ: “بوشناق وبكري”.
وأضاف: “لقد كان وضعهم في جزائر الحكم العثماني يتحدد سياسيا كرعايا للداي، ودينيا من خلال حرية العبادة بدليل السماح لهم ببناء كنيس في الأحياء التي يقطنون فيها ضمن مناخ معاملة تحدد بالنسبة للتعاليم والتقاليد الإسلامية التي برزت مآثرها في الأندلس التي يصفها ويل ديورانت قائلا: أنهم منذ فتح الأندلس ظلوا يعيشون إلى القرن الثاني عشر مع المسلمين الفاتحين في أمن ووئام، وأثروا وبرعوا في العلوم والمعارف، وارتقوا في بعض الأحيان إلى مناصب عالية في الحكومة”.
واستطرد: “حضور يهودي لم يثر أي اشكال منذ سمح لهم خير الدين بالاستقرار مقابل دفع الجزية. ثم ما استقر عليه تعدادهم في نهاية هذا الحكم في عشرينات القرن التاسع عشر، حيث قدر اليهود في مدينة الجزائر بحوالي ألفي نسمة حسب الباحث المنور مروش، وأن التغير الجذري الذي حدث لطبيعة هذا الحضور مع الاحتلال الفرنسي للجزائر وبالتحديد بعد اصدار مرسوم كريميو العام 1870 الذي قضى بمنح الجنسية الفرنسية تلقائيا إلى 35000 يهودي. بمعنى انفصالهم عن تاريخهم الأهلي والانتقال إلى معسكر المحتلين ومشروعهم الاستيطاني الإحتلالي”.
ولفت الى أن الانتصار إلى منظومة الجزائر الفرنسية التي دافعوا عنها – باستثناء بعض الحالات – حتى الرمق الأخير، ومن ثم اختيار الهجرة بعد استقلال الجزائر باعتبارهم فرنسيين أوفياء ومغادرة الجزائر نهائيا، وفي هذا الصدد لم نقرأ أبدا عن أي نوع من المطاردة لهم حينذاك، وما حدث لاحقا كان تفاعلا مع نكسة 1967.
وقال مدون على منصة الفيسبوك، “شخصيا ليس لدي مشكل مع الديانة اليهودية فهي ديانة سماوية، وجدت في الجزائر منذ القديم، واستقبلت الجزائر اليهود المطرودين من الاندلس، لكن الأسئلة التي يجب طرحها لماذا عنوان الكتاب الجزائر اليهودية وليس يهود الجزائر؟ فالفرق كبير بين الأمرين ولماذا الآن بالضبط اللقاء الآن؟ وغزة تعيش منذ عام حربا شعواء يشنها الصهاينة وامتدت الى لبنان، هل هو تطبيع ثقافي في بلد غير مطبع مع الكيان الإسرائيلي سياسيا ودبلوماسيا؟
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس