أفريقيا برس – الجزائر. شكّل التوقيع على محضر اتفاق بين الجزائر والهند حول التعاون العسكري، نقلة نوعية في مسار علاقات البلدين، وفي بنية المؤسسة العسكرية الجزائرية، التي تبين أنها تتوجه لتنويع مصادر تسليحها وتموينها، فبعد ستة عقود من هيمنة الروس، وتردد بعض الدول، تدفع القيادة العسكرية الى الانفتاح على واحدة من القوى الكبرى في انتاج السلاح.
ويبدو أن إخلال روسيا ببعض بنود اتفاقيات التعاون العسكري مع الجزائر بسبب الحرب الأوكرانية، دفع الجزائر الى البحث عن بدائل نوعية تضمن وفرة الطلبات وتواكب الحاجيات المحلية، خاصة في ظل صراع التفوق الاستراتيجي بالمنطقة، لاسيما بعد دخول اتفاق التعاون العسكري والأمني بين المغرب والكيان الإسرائيلي حيز الخدمة، فضلا عن التهديدات المتصاعدة في أقصى الجنوب، بعد وصول قوات الجيش المالي المدعوم بأفراد مجموعة “فاغنر” الروسية، الى ما يعرف بـ”المسافة صفر”.
وكان انشغال روسيا بالحرب الأوكرانية قد أثر على إمدادات قطع الغيار والصيانة والوفاء بالتزامات التموين المتفق عليها، مما جعل قيادة الجيش الجزائري تبحث عن بدائل لتنويع مصادر تسليحه، واكتساب تجارب عسكرية متنوعة، خاصة في ظل وفرة الإمكانيات المالية لإبرام صفقات جديدة، حيث استحوذت وزارة الدفاع على غلاف مالي يقدر بـ 25 مليار دولار، من مجموع 126 مليار دولار المخصصة للسنة المالية القادمة.
ووقعت وزارة الدفاع الجزائرية ونظيرتها الهندية بالجزائر العاصمة، على محضر اتفاق تعاون عسكري، وقعه عن الجانب الجزائري رئيس أركان الجيش الفريق أول سعيد شنقريحة، ونظيره الهندي أنيل شوهان، ليكون بذلك فاتحة عهد جديد في التعاون العسكري بين البلدين، وتجسيدا لرغبة القياديتين السياسيتين بعد الزيارة التي أدتها رئيسة الهند مورمو دروبادي، الى الجزائر منتصف شهر أكتوبر الماضي.
ويرى العقيد المتقاعد أحمد خلفاوي، بأن “محضر الاتفاق المبرم بين البلدين، هو مؤشر لافت على تحول في استراتجية الجيش الجزائري، بتنويع مصادر تسليحه، واكتساب خبرات متنوعة من مختلف المدارس العسكرية، من أجل مواكبة التطورات العسكرية في المنطقة”.
وأضاف في تصريحه لـ”أفريقيا برس”، بأن “البحث عن تكنولوجيات جديدة في مجال التسليح، على غرار الطائرات المسيرة والصناعات الفضائية والنووية، يتطلب انفتاحا وبناء شراكات مع قوى متنوعة، لاخراج أي جيش من التبعية لأي مدرسة، خاصة في ظل الإمكانيات المالية المتاحة”.
ولفت المتحدث، الى أن “الحرب الروسية – الأوكرانية أفرزت العديد من الدروس والعبر، بات من الواجب الاستلهام منها في ضرورة تطوير القدرات الدفاعية وتنويع المصادر، فرغم القدرات الكبيرة للروس في هذا المجال، إلا أنهم لم يستطيعوا حسم المعركة في توقيتها المبرمج، بسبب ثراء ونوعية أسلحة الأوكرانيين، بل أثبتوا ضعفهم في بعض المجالات كالطائرات المسيرة وبعض الذخيرة”.
وأفاد بيان لوزارة الدفاع الجزائرية، بأن “وفدا عسكريا هنديا رفيع المستوى يؤدي زيارة للجزائر، وأن قائد الأركان استقبل نظيره أنيل شاهين في مقر قيادة الأركان، واستعرض الطرفان مجالات التعاون العسكري الثنائي، وكذا سبل تطوير وتعزيز التنسيق الأمني في المسائل ذات الاهتمام المشترك”.
وأضاف: “تبادل الوفدان وجهات النظر حول القضايا الراهنة، والتحديات الأمنية التي يشهدها العالم وسبل التعاون العسكري الثنائي بين الجزائر والهند، وتطويره في مجالات جديدة”.
واستطرد: “الفريق أول سعيد شنقريحة، أكد على أن الزيارة الرسمية الأخيرة لرئيسة الهند إلى الجزائر، أكبر دليل على الإرادة القوية لقيادتي البلدين لإعطاء نفس جديد للعلاقات الثنائية وتطوير آفاق التعاون المشترك، وأنها تكرس متانة العلاقات والروابط التاريخية التي تجمع الجزائر والهند”.
وكان قائد أركان الجيش الهندي، واحدا من الشخصيات الدولية التي حضرت، لاحتفالات سبعينية ثورة التحرير، مما يعكس اهتمام الجزائر بالشراكة والتعاون مع الهند، التي تمثل احدى القوى الدولية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
ويبدو أن عودة الحرارة الى خط الجزائر – موسكو خلال الأسابيع الأخيرة، بعد شهور من الفتور، لم يمنع من تسريع خطوات التقارب الجزائري – الهندي، فالنشاط الديبلوماسي للقيادات البرلمانية والعسكرية في البلدين، توازى مع تسارع وتيرة الانفتاح الجزائري على الهند.
وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، قد تلقى رسالة تهنئة من رئيسة جمهورية الهند مورمو دروبادي، بمناسبة الذكرى السبعين لاندلاع الثورة التحريرية، أكدت له فيها على “التاريخ المشترك الذي يجمع البلدين في نضالهما ضد الاستعمار، وإلى العزم على تعزيز العلاقات العريقة بين الجزائر والهند”.
وأعربت رئيسة الهند، عن “تطلعها لتعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات، وحرص بلادها على توسيع العلاقات المتعددة الجوانب بما يخدم مصالح البلدين في المستقبل”.
وكانت الجزائر التي قبلت عضويتها في بنك “بريكس” خلال الأسابيع الماضية، قد أكدت على لسان الرئيس عبدالمجيد تبون، ووزير الخارجية أحمد عطاف، على أن تعاونها سيستمر مع أعضاء المجموعة بشكل فردي، رغم ما وصف بـ”الخذلان” الذي منيت به بعد رفض طلب انخراطها العام الماضي.
وأدت رئيسة الهند زيارة للجزائر وصفت بـ “النادرة” منتصف الشهر الماضي دامت أربعة أيام، فكانت هي الأولى من نوعها منذ تأسيس العلاقات الديبلوماسية بين البلدين في مطلع ستينيات القرن الماضي، مما أضفى عليها أهمية استراتجية تعكس نوايا الهند في الدخول على خط صراع النفوذ في القارة الافريقية مرورا بالجزائر، فضلا عن محاولة اقتناص فرصة شراكة وتعاون مكثف في ظل الموازنة الضخمة التي أعدتها الحكومة الجزائرية للعام القادم، واستغلال مساعيها لتنويع شراكاتها الإقليمية والدولية.
ويرتبط البلدان بعلاقات صداقة تاريخية، تأسست منذ استقلال الجزائر في صائفة العام 1962، وعلاوة على ماضيهما في التحرر من الاستعمار، يعدان من مؤسسي حركة عدم الانحياز، الا أن الفتور خيم عليها في السنوات الأخيرة، فحتى الرئيس الجزائري لم يكن يراهن على الهند في دعم ملف بلاده للانضمام الى مجموعة البريكس، قبل أن يتم خذلانه من طرف من كان يصفهم بـ”الشركاء الموثوقين”، في إشارة لروسيا والصين.
ويفتح محضر الاتفاق الباب أمام ابرام صفقات عسكرية بين البلدين، تكون بداية لتنويع مصادر تسليح الجيش الجزائري، بعد عقود من حصرية السوق الروسية، الأمر الذي يمثل انعطافة جديدة في مسار الجيش الجزائري.
وينتظر أن تساهم فرص التعاون العسكري في رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين الذي بلغ خلال السنوات الماضية ملياري دولار، وشمل قطاعات البنى التحتية والصناعات الثقيلة والصناعة الميكانيكية والمحروقات والكهرباء والمناجم والسكك الحديدية، والصناعة الصيدلانية والنسيج والزراعة والبتروكيمياء وإنتاج الأسمدة وتحويل الفوسفات والحديد، وكذا تحلية مياه البحر وتكنولوجيات الإعلام والاتصال.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس