أفريقيا برس – الجزائر. أكد سفير الجزائر في الولايات المتحدة الأمريكية صبري بوقادوم، أن العام 2025، سيكون فرصة لتفعيل وتعزير اتفاق التعاون العسكري بين البلدين، الأمر الذي يؤكد معلومات تحدثت عن مفاوضات جارية بين الطرفين حول حزمة من الإجراءات سيتم الإعلان عنها قريبا، لتكون بذلك أولى خطوات سياسة التنويع والانفتاح التي تنتهجها الجزائر في الآونة الأخيرة، وهو ما عبر عنه السفير بتفاؤل وارتياح خاصة فيما يتعلق بتوسيع التعاون الى قطاعات أخرى كالنفط والزراعة.
كشف السفير الجزائري في واشنطن صبري بوقادوم، أن بلاده ستواصل التعاون مع الإدارة الأمريكية الجديدة، وهو ما تجسد في الاتصالات الهاتفية التي جرت بين وزيري الخارجية ماركو روبيو وأحمد عطاف، فضلا عن المناقشات المتعددة التي جرت بينه وبين الإدارة الجديدة بشأن التعاون الحالي والمستقبلي، وقال “سنظل منفتحين ومتفائلين. ويتمثل هدفنا في تعزيز العلاقات الثنائية والمساهمة في الأمن العالمي”.
وتبدو رسائل الدبلوماسي الجزائري واضحة لرفع اللبس الذي اعترى مستقبل علاقات البلدين بعد قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب، وذلك على خلفية القلق الذي انتاب الجزائر، بعد قيام الرئيس المذكور خلال ولايته الأولى بالاعتراف بسيادة المغرب على الأراضي الصحراوية، ودفعه للتطبيع بين المغرب و”إسرائيل”.
وأفاد المحلل السياسي عمر براس، لـ”افريقيا برس”، بأن عودة الرئيس الأمريكي الجديد الى البيت الأبيض، بقدر ما هي مصدر قلق كبير لبعض الأطراف، بقدر ما يمكن أن تكون فرصة لأطراف أخرى للاستفادة من التوازنات الجديدة، على غرار التقارب بين واشنطن وموسكو، فضلا عن تراجع خيارات الحروب التي يرفضها دونالد ترامب، والجزائر يمكن أن تكون من الفئة الثانية لارساء انفتاح متعدد الوجهات والأركان، دون حرج أو الاتهام بالانحياز أو التخندق في هذا المعسكر على حساب الآخر.
ويضيف: “دونالد ترامب مهتم لغاية الآن بالوضع في غزة، والهجرة غير الشرعية، والتبادل التجاري، ومستقبل كندا وجزيرة غرينلاند وبنما وخليج المكسيك، بينما لم يبدي أي إشارة لخارج هذه الملفات الإقليمية الأخرى، كالوضع في منطقة الساحل وعموم افريقيا والعلاقات الثنائية والجهوية في المنطقة، وهو ما يوحي الى أنها لا تشكل أولوية حصرية له، وهو ما يمثل فرصة لمواكبة المشهد للجزائر ولغيرها، رغم اجراء وقف المساعدات الذي اتخذه وطال دولا افريقية كالمغرب وجنوب افريقيا”.
ويبدو أن الدبلوماسية تتجه الى توظيف المزيد من البراغماتية بحسب التصريح الذي أدلى به السفير الجزائري في واشنطن لصحيفة “توداي بيزنس فوكيس”، الأمريكية، لما أكد بالقول: “لقد وقعنا مؤخرا مذكرة تفاهم مع وزارة الدفاع الأميركية من خلال فرعها في أفريقيا، أفريكوم. وتفتح هذه الاتفاقية آفاقا جديدة للتعاون. لقد كان لدينا بالفعل تعاون قوي، وخاصة في عمليات البحث والإنقاذ وتبادل المعلومات الاستخباراتية، ولكن شراكتنا تمتد أيضا إلى الأمن في منطقة الساحل”.
وأضاف: “على الصعيد الاقتصادي، تتزايد الاستثمارات الأميركية في الجزائر، وخاصة في قطاع الطاقة. وكانت الولايات المتحدة شريكا رئيسيا في صناعة الطاقة في الجزائر لأكثر من 60 عاما، ونحن نشهد الآن تنويعا يتجاوز الطاقة إلى قطاعات مثل الزراعة والطاقة المتجددة”.
وتابع: “لدينا ارتباطات مستمرة في واشنطن العاصمة والجزائر في مختلف المجالات. جدول أعمالنا حافل بالأنشطة، ونحن ملتزمون بتحقيق أهدافنا الاستراتيجية. ونظل متفائلين بشأن المستقبل”.
ويختصر تصريح السفير الجزائري، مسار وأوجه التعاون بين بلاده والولايات المتحدة الأمريكية، عكس ما تم تأويله خلال سنوات ماضية، لما طلب السيناتور حينها ماركو روبيو، مع وزير خارجية الإدارة السابقة أنتوني بلينكن، بإصدار عقوبات على الجزائر، بسبب “ابرامها صفقة تسليح ضخمة مع الروس، تسمح لهم بتوفير سيولة مالية تمكنهم من مواجهة العقوبات التي فرضت عليهم في اطار الحرب بأوكرانيا”.
ويرى مراقبون، بأن التقارب المسجل بين واشنطن وموسكو، يسمح للجزائر برفع تبعات الاستقطاب بين الطرفين، ويسمح لها بارساء تعاون متنوع مع الحفاظ على قرارها السيادي، فتزودها بهذا السلاح أو أي تكنولوجية من هذا الطرف أو ذاك، لا يكلفها تداعيات آخرى، فمثلا اقتناء طائرات سوخوي 57 الروسية، لا يقلق الأمريكيين خاصة وأن أداءها لا يتعدى حدود طائرة أف 35.
ويسجل البلدان تعاونا وثيقا في المجال الاستخباراتي والعسكري، يعود الى مطلع الألفية، فقد كانت أحداث 11 سبتمبر 2001، محطة فارقة للبلدين في إرساء قنوات تواصل وتبادل معلومات أمنية واستخباراتية، خاصة في ظل الخبرة التي اكتسبتها الجزائرية من عشرية الحرب على الإرهاب، وتعاملها مع بؤر التوتر الديني والجماعات الإسلامية المسلحة.
كما ساهم تمدد تنظيمات داعش وقبلها القاعدة في شمال افريقيا ومنطقة الساحل الى غاية دول جنوب الصحراء، في التقريب بين البلدين لبلورة آليات الحرب على الإرهاب، وهو ما تجسد في زيارات متتابعة لمسؤولين أمنيين وعسكريين الى الجزائر، فقائد قاعدة “أفريكوم” مايكل لانجلي، أدى لوحده خمس زيارات للجزائر منذ العام 2020.
وكانت زيارته الأخيرة، محطة حاسمة في علاقات البلدين، بعدما أفضت الى توقيع مذكرة تعاون عسكري، ينتظر أن تكشف عن تفاصيلها قريبا، لاسيما وأن مفاوضات جارية بين الطرفين لوضع تفاصيل الاتفاق، الذي ينتظر أن يكون منصة لتعميق التعاون في مختلف المجالات العسكرية والأمنية واللوجيستية، خاصة في ظل توجه الجزائر الى إرساء شراكات متعددة ومتنوعة تنهي حقبة التبعية وتبقي على التعاون مع جميع الأطراف.
كما يبقى قطاع الطاقة الضلع الأبرز في تعاون البلدين، حيث تستحوذ شركات أمريكية على عدة مشاريع في قطاع النفط والغاز الجزائري، وكانت شركتي “سوناطراك” الجزائرية ونظيرتها الأمريكية “شيفرون”، قد بحثا الشهر الماضي إمكانية تعزيز وتوسيع التعاون بينهما في مجال البحث والاستكشاف، فضلا عن فرص شراكة في مجال الغاز الصخري، الذي تحوز الجزائر على مخزون ضخم منه.
لكن السفير صبري بوقادوم، يطمح الى أكثر من ذلك، عبر توسيع وتنويع التعاون بين البلدين، لما تحدث عن الفرص التي تتيحها بلاده للاستثمارات الأمريكية في مختلف القطاعات، كالزراعة والطاقات المتجددة، وهو ما يؤسس لشراكة شاملة تنطلق من منصة التعاون العسكري.
وذكّر، بأن “الجزائر تاريخيا شريكا تجاريا رئيسيا للولايات المتحدة. فقبل نحو 15 إلى 20 عاما، كانت الولايات المتحدة الشريك التجاري الأول لنا، حيث بلغ حجم التجارة السنوية بين البلدين 18 إلى 20 مليار دولار. وفي حين أدى إنتاج الطاقة المحلي في الولايات المتحدة إلى تحول في الموازين التجارية، فإن النفط الجزائري يظل ذا قيمة عالية بسبب محتواه المنخفض من الكبريت وجودته العالية، والذي يبلغ سعره 2 إلى 3 دولارات للبرميل”.
وأضاف: “بعيدا عن الوقود الأحفوري، تتوسع الجزائر في مجال الطاقة المتجددة. ومع 330 يوما مشمساً في السنة، توفر الصحراء الكبرى إمكانات كبيرة للطاقة الشمسية. كما نستثمر في الهيدروجين كوقود للمستقبل ونستكشف استخراج المعادن النادرة”.
وامتدادا لوتيرة الاتصالات المتواترة بين ديبلوماسيّ البلدين أثناء حقبة الإدارة السابقة، أوحى السفير الجزائري في واشنطن، الى أن بلاده ستواصل التشاور والتنسيق مع الأمريكيين داخل مجلس الأمن، على اعتبار أنها عضو غير دائم، ويسود الانطباع لديهما بضرورة إحلال الأمن والسلام في العالم، وانهاء الحرب في غزة.
وذكر في هذا الشأن، بأن “العمل على إنهاء العنف في غزة وتأمين وقف إطلاق النار من بين أولوياتنا الرئيسية. ولقد عملنا بشكل نشط، وخاصة مع الولايات المتحدة، فضلاً عن جميع الدول الأعضاء في مجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، لمعالجة الأزمة في غزة والضفة الغربية”.
وأضاف: “لقد ركزنا أيضاً على منطقة الساحل. ففي الشهر الماضي، تحت رئاسة الجزائر لمجلس الأمن، أعطينا الأولوية لقضية الإرهاب في منطقة الساحل، بهدف حشد المجتمع الدولي لإيجاد حلول طويلة الأجل بدلاً من الحلول المؤقتة”.
وهو ما يوحي الى أن الجزائر عازمة على تعميق التشاور والتنسيق الديبلوماسي مع الأمريكيين من أجل إضفاء ثقل على أي من المخرجات التي يتم التوصل اليها داخل مجلس الأمن، بشأن العديد من الملفات على غرار الوضع في غزة ومنطقة الساحل الافريقي.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس