القطيعة الاقتصادية مع إسبانيا وفرنسا تظلل مراجعة اتفاق الجزائر والاتحاد الأوروبي

12
القطيعة الاقتصادية مع إسبانيا وفرنسا تظلل مراجعة اتفاق الجزائر والاتحاد الأوروبي
القطيعة الاقتصادية مع إسبانيا وفرنسا تظلل مراجعة اتفاق الجزائر والاتحاد الأوروبي

أفريقيا برس – الجزائر. تشكل القطيعة الاقتصادية والتجارية غير المعلنة التي قررتها الجزائر مع فرنسا وقبلها مع اسبانيا، كنتيجة آلية للخلافات السياسية القائمة معهما، أولى العوائق التي تعترض مسار المفاوضات الجديدة بينها وبين الاتحاد الأوروبي لمراجعة اتفاق الشراكة المبرم بينهما العام 2005، فالجزائر الباحثة عن توازن المصالح والنتائج والندية، يقابلها إصرار أوروبي على الالتزام واحترام البنود المتفق عليها، خاصة فيما يتعلق بالطاقة والهجرة السرية والانفتاح وحرية التبادل.

تراهن الدوائر اليمينية في فرنسا على أذرعها السياسية والإعلامية، لاقناع البرلمان الأوروبي، بإصدار لائحة سياسية تدين الجزائر على خلفية توقيفها للكاتب بوعلام صنصال، وتدعو الى إطلاق سراحه الفوري، فضلا عن محاولة التأثير على مسار المفاوضات المفتوحة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي من أجل مراجعة اتفاق الشراكة المبرم بينهما العام 2005، وذلك من خلال تمديد الخلافات السياسية بين البلدين إلى توتر أمني واقتصادي سيلقي بظلاله حتما على المفاوضات المذكورة.

ويرى متابعون للشأن الجزائري، بأن مفاوضات مراجعة اتفاق الشراكة الاستراتجية ستعتريها صعوبات وتعقيدات، قياسا بالعلاقات المتوترة التي تربطها ببعض أعضائه، على غرار فرنسا وقبلها اسبانيا، أين رفعت الجزائر ورقة تقييد التبادل التجاري بينها وبين مدريد وباريس، الأمر الذي جعل المسؤولين الاسبان، ولا يستبعد أن يحذو حذوهم المسؤولين الفرنسيين، اللجوء الى هيئات الاتحاد من أجل الضغط على الجزائر لاحترام بنود الاتفاق.

وتعكف دوائر فرنسية على تحويل الخلاف السياسي بين البلدين، الى تهديد أمني وتجاري تمارسه الجزائر على باريس، من خلال استغلال قضية المؤثرين الجزائريين الموقوفين في التحذير من تهديد الأمن الداخلي، وصفقات استيراد القمح في اقصاء للمنتوج الفرنسي، وهي ذرائع تحاول من خلالها الضغط على المفاوض الأوروبي، لفرض المزيد من الشروط والقيود على الجزائر في الاتفاق المنتظر.

ووجه القضاء الفرنسي تهم التحريض على العنف والإرهاب وترديد خطاب الكراهية، لأربعة مؤثرين جزائريين تم توقيفهم خلال الأيام الأخيرة، الأمر الذي أثار حفيظة وزيري الداخلية والعدل برونو روتايو وجيرالد ديرمانان، اللذان دعا حكومتهما الى اتخاذ حزمة إجراءات ضد الجزائر ردا على رفضها استلام المؤثر بوعلام نعمان، الذي طردته فرنسا، تتمحور حول وقف العمل باتفاقية الهجرة المبرمة العام 1968 واتفاقية التأشيرة الديبلوماسية المبرمة أيضا العام 2013، وحجز ممتلكات وعقارات، كما وجه مسؤولون في قطاع الزراعة الفرنسية، تهما للجزائر تقضي باقصاء منتوج بلادهم من مناقصات التوريد المعلنة في الأشهر الأخيرة.

ورغم الخطاب الهادئ الذي يردده في المقابل وزير الخارجية جون نويل بارو، لحل أزمة بلاده مع الجزائر، الا أن متابعين للملف، يرون بأن باريس تمارس تبادل الأدوار في سياسة العصا والجزرة، ولا تتوانى في التأثير على قرار الهيئات الأوروبية كالاتحاد والبرلمان، الذين تعول عليهما لتأطير هامش المناورة على الجزائر.

وفي هذا الشأن كشف رئيس المجلس الفرنسي للمحاصيل الكبرى “فرانس أغري مار”، في تصريح لموقع “أغريغول”، بأن “الجزائر قد أغلقت بصفة شبه كلية باب استيراد القمح من بلاده في ظل العلاقات الدبلوماسية المتوترة بشدة، وأن صادرات الحبوب الفرنسية لا سيما منها القمح، ستتعرض لضربة موجعة في هذا الموسم، بسبب تدهور العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر”.

ولفت المتحدث الى أن “القمح الفرنسي والحبوب بصفة عامة تواجه ضربات متتالية من خلال إغلاق الجزائر الباب أمام الصادرات القادمة من فرنسا، يضاف لها تباطؤ المشتريات الصينية واستمرار تدفق القمح الأوكراني إلى دول الاتحاد الأوربي”.

وكان ديوان الحبوب الجزائري، قد أعلن في وقت سابق، عدم اقصاء عروض القمح الفرنسي من مناقصات التوريد، وذلك ردا على معلومات ترددت حول وضع الديوان معايير جديدة لاسقاط تلك العروض من المناقصات المعلنة، وكل ما وضعه هو شروط عامة تشمل الجميع، وأن كل المتعاملين سواسية ويخضعون لشروط شفافة وعادلة.

وعادت منذ أسابيع قليلة فقط، العلاقات التجارية بين الجزائر واسبانيا بعد عامين من التعليق، بسبب قطيعة أعلنتها الجزائر لاسبانيا، شملت كل المبادلات التجارية باستثناء التزويد بالغاز، الأمر الذي كبد المتعاملين الاقتصاديين في البلدين خسائر معتبرة، اضطر معها الاسبان الاستنجاد بالاتحاد الأوروبي من أجل الضغط على الجزائر.

وترى الجزائر بأن الاتفاق المبرم مع الاتحاد الأوروبي، لم يكن عادلا ولم يراع المصالح المشتركة للطرفين، حيث لم يستقدم الأوروبيون لا التكنولوجيا ولا الاستثمارات الموعودة، وأن خسائر الجزائر قدرت بنحو 30 مليار دولار نتيجة التفكيك الجمركي على البضائع الأوروبية.

ويرى الخبير الاقتصادي الجزائري جلول سلامة، بأن “الظروف التي أبرم فيها اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي العام 2005، وليست هي الظروف ذاتها في 2025، فهناك الكثير من المتغيرات والافرازات طفت الى السطح، ولابد من مراجعة الاتفاق ليكون أكثر عدلا وندية”.

وقال لـ”افريقيا برس”، بأن “المعادلة مختلة من البداية، لأن الأمر يتعلق بمفاوضات بين مجموعة ناتجها الخام يفوق 18 ترليون دولار، وبين بلد وحيد ناتجه الخام حوالي 280 مليار دولار، كما أن تجربة العقدين الماضيين أثبتت أنه غير عادل ولا متوازن، ولذلك كبد الجزائر 30 مليار دولار، كخسائر ناجمة عن التفكيك الجمركي”.

واستقبل رئيس الوزراء الجزائري نذير العرباوي، سفير الاتحاد الأوروبي بالجزائر دييغو ميادو باسكوا، في خطة تمهد بدء مشاورات مراجعة اتفاق الشراكة الاستراتجية المبرم بين الطرفين العام 2005، والتي يخيم عليها أجواء من التوتر السياسي بين الجزائر وبعض أعضاء الاتحاد كفرنسا وقبلها اسبانيا، على خلفية موقفيهما من قضية النزاع الصحراوي.

واكتفى بيان رئاسة الوزراء، بمفردات تشريفية يحاول البناء عليها لارساء شراكة جديدة مع الأوروبيين تكرس المصالح المشتركة والندية، وقال بأن اللقاء استعرض سبل تعزيز التعاون الثنائي وتقييم العلاقات بين الجزائر والاتحاد الأوروبي في إطار اتفاق الشراكة بين الجانبين.

وذكر: “شدد الطرفان على الطابع الاستراتيجي للعلاقات الجزائرية الأوروبية، معربين عن التزامهما المشترك بالعمل على إرساء شراكة شاملة ومتنوعة تستند إلى ديناميكيات جديدة ومقاربة متوازنة تضمن مصالح الجانبين، كما رحب الجانبان بانعقاد الاجتماع المرتقب للجنة الفنية الثنائية المخصصة للتشاور بشأن العلاقات التجارية، معتبرين إياه خطوة مهمة لتعميق التعاون الاقتصادي”.

ولفت الى أن أهمية اجتماع مجلس الشراكة الجزائري الأوروبي المنتظر، سيكون فرصة لاستعراض التعاون الثنائي، وتحديد آفاق تطويره بما يواكب التحولات التنموية التي تشهدها الجزائر، وهو ما أكد عليه رئيس الوزراء والسفير الأوروبي، لاسيما أهمية تعزيز روح الصداقة والتفاهم المتبادل بين الجانبين، من أجل تحقيق أهداف الشراكة الاستراتيجية ودعم جهود التنمية الشاملة، بما يحقق تطلعات الشعبين الجزائري والأوروبي.

وأكد الخبير المالي ناصر سليمان، لـ”افريقيا برس”، على أن “المفاوضات لن تكون سهلة بين الطرفين، خاصة في ظل الشكوك التي يرفعها الأوروبيون حول عدم التزام الجزائر ببنود الاتفاق السابق، بعدما فرضت قيودا على التجارة الخارجية، بغرض إعادة التوازنات للحسابات الكبرى للدولة”.

ولم ينف إمكانية تأثير اللوبي الفرنسي والاسباني، لاسيما وأنهما عضوان بالاتحاد، في المفاوض الأوروبي، خاصة بعد التجربة التي مرت بها العلاقات التجارية بين الجزائر واسبانيا خلال العامين الماضيين، والمحاولات الفرنسية التي تستهدف تحويل الأزمة السياسية الى تهديدات أمنية وقطيعة تجارية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here