أفريقيا برس – الجزائر. كرست النتائج النهائية والرسمية للانتخابات الرئاسية الجزائرية المعلن عنها من طرف المحكمة الدستورية، التضارب الذي خيّم عليها منذ إغلاق صناديق الاقتراع ومباشرة عملية الفرز إلى غاية إعلان الهيئة القضائية العليا في البلاد، الأمر الذي يبقي الشكوك تحوم حول الاستحقاق برمته، رغم ما ظهر أنه عملية ترتيب وجبر للخواطر، بما أن المرشحَين الخاسرين طعنا في النسب وليس في النتيجة بحد ذاتها.
أقرت المحكمة الدستورية الجزائرية تعديلا طفيفا على نسبة المشاركة المثيرة للجدل في الانتخابات الرئاسية التي جرت في السابع من الشهر الجاري، فأنزلتها من نحو 48 الى 46 بالمائة، لكن ذلك لا يعني شيئا بالنسبة للشكوك التي حامت حولها، لاسيما وأن المسألة حسمت في ظرف ثلاث ساعات فقط، لما قفزت من 26 إلى 46 بالمائة.
وبين أرقام اللجنة المستقلة المستحدثة منذ حقبة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، قبل أن تصبح مؤسسة مدسترة بموجب التعديل الدستوري المنتظم في العام 2020، وبين أرقام المحكمة الدستورية، يتجسد التضارب المثار حول الرئاسيات الجزائرية، خاصة فيما يتعلق بعدد الأصوات المحصل عليها من طرف المرشح الفائز عبدالمجيد تبون، حيث انتقلت من نحو 5 ملايين و300 ألف صوت، إلى قرابة 8 ملايين صوت، فضلا عن ارتفاع عدد الأصوات الملغاة إلى حوالي مليون و700 ألف صوت.
وقادت تطورات الانتخابات المذكورة، إلى وضع السلطة المستقلة للانتخابات في عين الاعصار، بعدما أصبحت المتهم الأول في حالة الغموض والتضارب المثار حول الاستحقاق، رغم الخطاب الإيجابي الذي رددته منذ الإعلان عن التنظيم المبكر للانتخابات، لاسيما بعد انضمام المرشح الفائز الى المرشحين الخاسرين في التنديد بما أسموه “فشل الهيئة في تنظيم الانتخابات”، ثم مطالبتهما بحلها نهائيا، رغم أنها مقننة بحكم الدستور.
ضعف المنافسين ساهم في فوز تبون
ويرى المحلل السياسي والإعلامي محمد لهوازي، في تصريح لـ”أفريقيا برس”، عن التفاوت الكبير بين المرشح الفائز والمرشحين الخاسرين، بأن “طبعة 2024 من الانتخابات الرئاسية في الجزائر تميزت بعدة خصوصيات منها أنه تم تنشيطها من طرف ثلاثة مترشحين فقط خلافا لكل الاستحقاقات السابقة منذ 1995، إضافة إلى دخول أقدم الأحزاب المعارضة (جبهة القوى الاشتراكية) إلى المعترك الانتخابي، فضلا إلى حداثة عهد عبد العالي حساني بالواجهة السياسية لحركة مجتمع السلم، وهو ما ينطبق أيضا على يوسف أوشيش، وتلك عوامل ساهمت في الرفع من حظوظ عبد المجيد تبون للفوز بعهدة ثانية”.
وأضاف “أعتقد أن ترسيم فوز عبد المجيد تبون بعهدة رئاسية ثانية بعد الإعلان عن النتائج الأولية، كان منتظرا ولم يشكل مفاجأة للشارع الجزائري، بل كان محسوما منذ البداية، بقدر المفاجأة التي أحدثتها الأرقام التي أوردها رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي لدى إعلانه عن النتائج الأولية، والخلط الذي وقع فيه، ما أدى بالمترشحين الثلاثة إلى رفض النتائج”.
واعتبر متابعون للشأن الجزائري، بأن رفع عدد الأصوات والنسب المحصل عليها من طرف المرشحين الخاسرين عبدالعالي حساني شريف، ويوسف أوشيش، وخفض نسبة المرشح الفائز الى 84 بالمائة، بدل من 94 بالمائة، كانت خطوة من أجل إرضاء الرجلين، وتحسين صورتهما أمام قواعدهما وأنصارهما في حركة مجتمع السلم والتحالف الإسلامي الذي أيده، وفي جبهة القوى الاشتراكية، لاسيما وأن النتائج الأولية المعلن عنها من طرف اللجنة المستقلة، أكثر من 3 بالمائة للأول وأكثر من 2 بالمائة للثاني، كانت قادرة على الرمي بهما وبحزبهما الى أتون أزمات داخلية عاصفة.
وطالب المرشح عبدالعالي حساني شريف، في تعليق له على النتائج النهائية للانتخابات، بحل اللجنة المستقلة للانتخابات، ومتابعة من أجرموا في حق الوطن والقانون والمرشحين، وهي الرؤية التي تتقاسمه معه عدة قوى سياسية وجهت انتقاداتها للهيئة دون البحث عن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء ذلك.
إنقاذ المرشحين الخاسرين من أزمات عاصفة
وقال المرشح الذي اقترب من مليون صوت، وبنسبة تفوق التسعة بالمائة، وهو ما لم تحققه حركة مجتمع السلم طيلة مشاركاتها في مختلف الاستحقاقات الانتخابية، بأن “تابعت تداعيات الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية بمسؤولية بالغة وحرص كبير على حماية الاختيارات الشعبية من العبث الانتخابي والتناقض في الأرقام وعدم كفاءة المؤسسات المكلفة بتنظيم الانتخابات، وحرص أكبر على وحدة الوطن ومصداقية الدولة التي تعرضت سمعتها إلى الاستهداف والتشويه من جراء ممارسات يكتنفها الغموض”.
وأضاف “ما حدث في الانتخابات الرئاسية من تجاوزات وعبث، يعتبر بنص القانون جريمة انتخابية تقتضي حل السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، وتحميل المسؤولية للمتسببين فيها، ومتابعة أولئك الذين أجرموا في حق الوطن، والقانون، والمرشحين”.
وذهب المحلل السياسي والإعلامي محمد لهوازي، إلى أن “حالة الغموض والتخبط والفوضى التي وقعت فيها السلطة المستقلة للانتخابات، تستدعي من صناع القرار إعادة النظر وبشكل جذري في تركيبة وطريقة عمل هذه الهيئة الحساسة التي تبقى القرارات الحاسمة بيدها، وذلك تحسبا للاستحقاقات الانتخابية القادمة”.
رمي عيوب الاستحقاق على سلطة التنظيم
وشهد الاستحقاق الرئاسي الجزائري، صعودا لافتا لعدد الأصوات الملغاة، إلى نحو مليون و700 ألف صوت، متجاوزا بذلك الذروة التي بلغت في انتخابات سابقة سقف المليون صوت، لينضم بذلك إلى وعاء الأغلبية الصامتة التي تبقى ماسكة بخيوط الأغلبية، رغم انتشاء السلطة بالنسبة المعلن عنها بصفة نهائية ورسمية.
وهو ما علق عنه المتحدث بالقول: “بقاء الكتلة الصامتة بمنأى عن العملية الانتخابية يضاف إليها المصوتون بالورقة البيضاء، حيث يمكن تفسير الامتناع عن التصويت بوجود قناعة بين الناخبين بأن الفوز كان سيؤول لا محالة إلى الرئيس المنتهية ولايته، خاصة أن منافسيه لم يكونا بالحجم السياسي الذي يسمح لهما بمنازعته”.
وفي رده على ما وصف بـ”الحراك الصامت”، في إشارة إلى مقاطعة الجزائريين للانتخابات، وهو ما قدرته صحيفة “لوبينيون” الفرنسية بنحو 10 بالمائة، ذكر رئيس حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة، الداعم للمرشح الرئيس عبدالمجيد تبون، في تدوينة له، بـ”إننا ننتظر ما سيكون تعليق البطالين والمرجفين اليوم، كيف سيبدعون من جديد في قراءة النتائج على هواهم.. كانت محطة الترشيحات ملائمة لهم ليتولوا قيادة الجزائر، ما دام لديهم الثقة في أنفسهم بأنهم أفضل من يمثل الشعب الجزائري، وأنهم أصحاب الشعبية الجارفة، وأنهم الحراك الصامت، لكنهم في الحقيقة: أبطال الفضاءات الافتراضية، نتاج نقاشات الصالونات الفاخرة”.
وأضاف “لا تبخلوا عليهم ولا تحرموهم المتعة وهم يسبحون في الخيال والأوهام، لعلها تصنع منهم أبطال أفلام الخيال الكرتوني والرسوم المتحركة، وعندما تبزغ شمس الحقيقة، تنطفئ شموع الأوهام”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس