أفريقيا برس – الجزائر. اتخذت الحكومة الجزائرية عدة قرارات اقتصادية ومالية في سبيل مراجعة خيارات ورثتها منذ عقدين، فيما يتعلق بمراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، الى جانب نصوص جديدة تستهدف رفع قيمة العملة المحلية، وكبح جماح خروج العملة الصعبة الى الخارج.
وهي الخطوة التي ثمنها خبراء اقتصاديون رغم عدم ضمان نتائجها على استقطاب السوق الموازية المقدرة بنحو 90 مليار دولار، بحسب بيانات رسمية، لكنها تبقى محاولة في الطريق الصحيح من أجل حماية المصالح الوطنية وتحقيق أكبر قدر من التوازن للاقتصاد الوطني.
ودعا الخبير الاقتصادي الجزائري جلول سلامة، في مقابلة مع “أفريقيا برس”، الى مراجعة جذرية لاتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، بشكل يؤمن المصالح الاقتصادية الوطنية، أو الخروج تماما من الاتفاق، كما استحسن قرار الحكومة القاضي بتدابير رفع المنحة السياحية ومنحة الحج وسقف خروج العملة الصعبة للمسافرين، حتى ولو كان تأثير ذلك على السوق الموازية ضئيلا ولا يمكن أن تحقيق التفاؤل المفرط بالقضاء على السوق الموازية.
الجزائر قررت رفع المنحة السياحية ومنحة الحج، برأيكم ما هو الهدف من ذلك، وهل بإمكان القرار كبح تهاوي الدينار الجزائري أمام العملات الصعبة؟
هذا قرار استحسنته كثيرا، وحتى الرقم الذي طرحته في الاعلام منذ شهور جاء موافقا لمقترحي الذي تراوح في حدود الألف دولار، واستحسنه لأنه كان مطلبا شعبيا ومحل اهتمام رئيس الجمهورية شخصيا، فقد وعد بمراجعة قيمة المنحة لأنها كانت تعطي نظرة سلبية عن السائح الجزائري الذي يخرج الى الخارج ب 95 أورو، وهو ما يعتبر إهانة لجواز السفر الجزائري، وقد تم تسقيف المبلغ الشخصي بـ 7500 أورو مرة واحدة سنويا.
وبرأينا الحكومة مدت بيد وأخذت بأخرى، يعني سقفت المبلغ المسموح الخروج به بعشرة مرات ما يمنحه البنك للمنحة السياحية، وهذا يسمح بكبح نزيف العملة الصعبة الى الخارج بالكميات الكبرى ليس للمسافرين العاديين بل بالنسبة لأصحاب التجارة العينية الذين يستعملون أموال السوق الموازية للتبضع من الأسواق الخارجية، وفيه نوع من التهرب الضريبي.
القرار في محله، رغم أن حرية نقل رؤوس الأموال صارت مقيدة خاصة بالنسبة للأفراد الذين يخرجون مبالغ كبيرة، فيكفي لأي فرد أن يخرج عشر مرات في العام، ليخرج معه مبلغ 75 ألف أورو، وعلى مؤسسات الدولة من جمارك وسجل تجاري وضرائب ومنظومة رقمية مراقبة نشاط هؤلاء الأفراد، حيث يتوجب معرفة مصدر هذه الأموال اذا كانت من نشاط تجاري أم من مصادر أخرى، ووضع الجميع في حالة تطابق مع المصالح المختصة لضبط آليات العمل، فكيف لأجير يدفع كل ما عليه من ضرائب ورسوم، بينما هناك من لا يدفع أي شيء ويخرج أموال باهظة بدون حسيب ولا رقيب.
أنا ليبيرالي ومع حرية نقل رؤوس الأموال، لكن يجب مراعاة العدالة والتكافؤ في مجال تكوين الثروة، وفي أداء الواجبات الضريبية، حيث لا يمكن إرساء نظام اقتصادي حر دون تحقيق العدل بين أجير يدفع كل شيء من المصدر، وتاجر لا يدفع شيئا.
وضع سقف لنقل المال منافي لحرية نقل رؤوس الأموال، الا أنه في ظل غياب منظومة رقمية حقيقية تستطيع أن تبسط العدل رقميا بين جميع المسافرين الى خارج الوطن، يبقى قرارا اجرائيا تحفظيا نظرا لوضعية الخزينة، فالكل يعلم أنه في العام 2025 وضعت الخزينة في وضع عجز كبير، مما يوحي الى تراجع مداخيل الدولة منذ بداية 2024، فقد قدرت بنحو 2 مليار دولار خلال الثلاثي الأول حسب بيانات البنك، وهذا يوحي الى أن الوضعية المالية للدولة ليست بالجيدة الى درجة الإبقاء على نزيف العملة الصعبة.
هل بإمكان اجراءت رفع قيمة المنحة السياحية والحج وتسقيف المبلغ الخاص التأثير على تغول السوق الموازية؟
لا أرى ذلك يؤثر على سوق العملات، لأن الميكانيزمات ليست طبيعية، بل هي ميكانيزمات يتحكم فيها عن بعد من طرف جهات ولوبيات ربما حتى غير وطنية، واذا قدرت بحوالي 200 رحلة شهريا للذين يستحقون منحة السفر بقيمتها الجديدة نكون في حدود 200 مليون أورو سنويا، وهذا لا يؤثر على الأموال الموجودة في السوق الموازية، واذا وضع في الحسبان سقف 7500 أورو زائد قيمة المنحة هذا يفضي الى 2.2 مليار أورو تغادر الى خارج البلاد، نحن لا نبخل الناس في أموالهم وفي المجمل الرقم المنتظر خروجه قد يصل الى 2.5 مليار أورو سنويا.. هل يؤثر في السوق الموازية، نعم قد يكون ذلك، لكن ليس بالمقدار الذي يتخيله الكثير، ولا اعتقد أنه يكون تأثيره أكثر من تأثير حركة الفراشة في تيارات الرياح.
خصص التعديل الحكومي الأخير، وزيران لقطاع التجارة، برأيكم ما الدواعي والأهداف، وهل بالإمكان الوصول الى نتائج عملية في ظل احتكار الحكومة للقطاع؟
تعيين وزيرين في التجارة في اعتقادي يؤشر الى مشكل حقيقي في هذا القطاع، حتى نكون واقعيين وعمليين هناك وزارة تجلب العملة الصعبة وهناك وزارة تنفق العملة الصعبة، وزارة الطاقة هي التي تجلب العملة الصعبة في حدود تترواح بين 45 و50 مليار دولار سنويا، الى جانب ما بين 4 و6 مليار دولار صادرات خارج المحروقات، لكن دعني نقول وزارة الطاقة تجلب، ووزارة التجارة تنفق، هي وزارة مهمة بالنسبة للتوازنات الكبرى للدولة، لكن لاحظنا في المدة الأخيرة تذبذبات في توزيع السلع وتموين الأسواق، وسجلنا أزمات فعلية وأخرى مفتعلة، وأزمات تسبب فيه سوء الإدارة وسوء التدبير وساهمت فيها وزارة التجارة نفسها، شأنها شأن بعض القرارات السياسية المعدة للاستهلاك الشعبي.
لقد رأى الجميع خطابات ليلة عيد الأضحى المبارك أدت الى ارتفاع كبير في أسعار المواشي، هناك سوء في تسيير قطاع التجارة وسوء في التقديرات وغياب نظرة حقيقية للتجارة الخارجية، علاوة على قرارات الاحتكار وقرارات التنظيم الأفقي والعمودي مما أدى لظهور اللوبيات ومجموعات الاحتكار، كانت نية القيادة السياسية للبلاد صادقة وإيجابية في القضاء على المستوردين الوهميين الذين يضخمون الفواتير ويستنزفون رصيد العملة الصعبة، لكن الأمر تحول الى مغالاة وسيطرة الإدارة على القرار السياسي وأخرجته من محتواه بسوء التطبيق سواء لغياب الكفاءة أو الدراية، مما أدى الى تخريب سياسة التجارة الخارجية حيث أقصي عدد كبير من المستوردين وأخضع الباقي لنظام الرخص، وتم محاصرة نصف عدد المستوردين قبل 2020، هذا الوضع أثار حالة من السخط على أداء وزارة التجارة وظهور تذبذب في التوزيع والتموين، فضلا عن قانون المضاربة الرادع للناشطين، واجمالا سوء تسيير التجارة الخارجية والداخلية دفع رئيس الجمهورية الى تقسيم القطاع الى خارجي وداخلي وتخصيصهما بحقيبتين وزاريتين.
ظهر أن ميزانية التجهيز في قانون المالية للعام القادم، أقل من المعتاد، ما جدوى المقاربة الحكومية في تغيير آليات إدارة الشأن الاقتصادي، خاصة فيما يتعلق بالاستثمارات العمومية القادرة على خلق مناصب الشغل والقيمة المضافة؟
لاحظنا ارتفاع كبير في ميزانية العام 2025، التي تصل الى 126 مليار دولار لكن هناك ارتفاع كبير في العجز، فعجز الميزانية هو أصلا مقدار ميزانية العام 2016، وهذا أثر بالسلب على رفع ميزانية التجهيز والاستثمار، في رأيي تركيبة الميزانية بالمجمل لا يمكن أن يؤدي الى منح الأهمية اللازمة للتجهيز والاستثمار، خاصة في ظل توجه الحكومة الى اقتصاد المؤسسات المصغرة للقطاع الخاص، والابتعاد عن الاستثمارات الكبرى.
تتحدث الحكومة عن 20 ألف مشروع استثماري في الأفق القريب، هل هذه هي الحزمة الاقتصادية التي تعول عليها للنهوض بالاقتصاد الجزائري، كيف تم اعداد هكذا مخطط، وما هي فرص التنفيذ وتحقيق الأهداف؟
ليست كلها شركات ناشئة، لأن هذا يعتبر في حكم المستحيل، قد يمكن الوصول الى 20 ألف مؤسسة صغيرة أو ذات حجم متوسط، وعليه يبدو لي أن تقليص ميزانية التجهيز يتماشى مع هذه النظرة، فالحكومة والسلطات العليا للبلاد عموما لا تسير نحو المصانع الكبرى والمركبات الضخمة، وهي تراهن على الصغير في الصناعة ولهذا يبدو أن السياسة الاقتصادية تخرج تدريجيا من النمط القديم ومن لعبة الاستثمارات الكبرى، الأمر الذي كرسه نزول مستوى ميزانية التجهيز، ويتم التركيز على المؤسسات الصغيرة التي تنفذها رؤوس أموال خاصة، وبرأيي ستكون الميزانية المذكورة أقل خلال السنوات القادمة.
أشّرت مؤسسات مالية واقتصادية دولية بالأخضر على مؤشرات الاقتصاد الجزائري، لكن المواطن لا يلمس أثر تلك البيانات على الحياة اليومية، برأيكم ما أسباب ذلك، وما هي ديمومة تلك المؤشرات في ظل الخوف من التقلبات الجيوسياسية المتحكمة في أسعار الطاقة؟
لا يجب أن نعيرها الكثير من الاهتمام أو أن نعتبرها معيارا مثاليا لقياس السياسة الاقتصادية، هذه المؤشرات تعطى لمن لهم علاقة ربط بهذه المؤسسات، فقد كان الصندوق النقد الدولي يقول عن المنظومة السياسية السابقة، أنها تسير الاقتصاد بأحسن نظام، ونفس صندوق النقد الدولي يقول الآن نفس الكلام والتعاليق، وبالتالي لا يمكن اعتبار تلك الشهادات معيار لنجاعة السياسة الاقتصادية، فنفس الهيئات رددت نفس الكلام خلال نظام الحكم السابق، ورأينا ما حدث، كان هناك هدر للطاقات الوطنية بينما كانت هذه الهيئات تصنف الاقتصاد أنه ناجح وباهر.
شخصيا لا أعير اهتماما لمثل هذه الشهادات، واعتبر أن المعايير الحقيقية هي التي تخرج من الداخل، بفضل المحساباتية الوطنية، والأرقام والبيانات والخبراء ومعهد الإحصاء، يكفي من الاعتماد على معايير خارجية وتسييسها كأنها جوائز نوبل في تسيير الاقتصاد.
أعرب الاتحاد الأوروبي عن استعداده لمراجعة اتفاق الشراكة مع الجزائر، لو كنت مفاوضا بماذا تطالب وعن ماذا تتنازل؟
بالنسبة للشراكة مع الاتحاد الأوروبي منذ بدأت في 2002 ودخلت حيز التنفيذ في 2005، وعلى مدار 20 سنة مع الاتحاد الأوروبي ضيعنا عشرات المليارات من الدولارات في التفكيك الجمركي فقط، لقد تجلى عدم الانصاف وعدم التوازن، نحن طالبنا بمراجعته لكي تسترجع الجزائر ما ضيعت من حقوقها.
لم يتم تحويل التكنولوجيا الأوروبية كما وعدوا به، ولم تأت الاستثمارات الأوروبية للجزائر، مقابل جمركة صفرية، هم أخذوا ما طالبوا به، ونحن لم نأخذ ما اتفقنا معهم عليه، وفي رأيي الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في صيغته الحالية خطأ من الأصل ومن غير المعقول أن تتفاوض الجزائر كدولة بـ300 مليار دولار كناتج داخلي خام، مع مجموعة اقتصادية بـ14 تريليون دولار كناتج داخلي خام، هناك شيء غير طبيعي، كان الأجدر أن تكون شراكة فردية دولة مع دولة، المراجعة يجب أن تكون جذرية تراعي مصالح الجزائر، والا الخروج تماما من هذا الاتفاق أفضل.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس