حكيم مسعودي: الخلاف الجزائري الروسي لا يرقى إلى أزمة صامتة

حكيم مسعودي: الخلاف الجزائري الروسي لا يرقى إلى أزمة صامتة
حكيم مسعودي: الخلاف الجزائري الروسي لا يرقى إلى أزمة صامتة

أفريقيا برس – الجزائر. ينحاز الباحث والإعلامي الجزائري حكيم مسعودي إلى الحياد في تحليل وقراءة الوضع السياسي والاستراتيجي، سواء كان داخليًا أو إقليميًا. ولذلك يطرح في تدخلاته رؤى وتصورات هادئة، بعيدة عن الشحن الانفعالي، فيقدّم الشأن الجزائري بعيدًا عن الأحكام النمطية أو الخلفيات التي تصنّف التطورات وفق أمزجة ضيقة.

واستبعد المحلل السياسي، في حديثه لـ”أفريقيا برس”، تأثير محتوى التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على علاقات بلاده مع الجزائر أو انحدارها إلى مستوى الأزمة الصامتة، وذلك خلال رده على سؤال لقناة جزائرية حكومية أثناء ندوة صحفية عقدها مع الصحافة العربية في موسكو.

وشدد على أن ما يربط موسكو والجزائر، من علاقات تاريخية واستراتيجية، يفوق بكثير الملفات الخلافية الظرفية. وقبل النظر في مسائل الوضع في منطقة الساحل وليبيا، لا بد من الالتفات إلى الشراكة العسكرية والعالم المتوازن، وفلسطين، وإيران، والشرق الأوسط عمومًا، رغم أنه لا يمكن تجاهل حركة المصالح والتوازنات الاستراتيجية.

بعد تصريح وزير الخارجية الروسي ردًا على سؤال القناة الجزائرية، يبرز التساؤل: هل يمكن الحديث عن أزمة صامتة بين موسكو والجزائر؟

هناك خلاف واضح بين موسكو والجزائر على عدة أصعدة، لكن هذا الخلاف لم يصل بعد إلى مستوى الأزمة، بحكم أن العلاقة الاستراتيجية التقليدية لا تزال قائمة حتى اللحظة، ولا تزال تربط البلدين مواقف ومصالح متعددة الأبعاد، لاسيما فيما يتعلق بالشراكة العسكرية والطاقوية، والمواقف المتقاربة تجاه العديد من القضايا، بدءًا بالعمل على الانتقال إلى عالم متوازن متعدد الأقطاب، مرورًا بالقضية الفلسطينية، وملف إيران النووي، والشرق الأوسط عمومًا. في كل هذه الملفات التقليدية تتطابق رؤية البلدين، غير أن الخلاف بدأ مع التوجهات الجديدة لموسكو في سعيها لبسط نفوذها في كل من ليبيا ومنطقة الساحل الإفريقي، إضافة إلى الحرب الأوكرانية وقضية تزويد أوروبا بالغاز الطبيعي، وتبنّيها سياسة ملء الفراغ في الجوار الجزائري.

وهنا برز نزوع الجزائر إلى الاستقلال بقرارها خارج حسابات موسكو، التي لم تهضم ذلك بعد، فتحوّل الخلاف بشكل طبيعي إلى صدام فعلي في البؤرة المالية تحديدًا. في هذا السياق جاء تصريح الناطق باسم الدبلوماسية الروسية على سبيل المكاشفة الدبلوماسية والتعبير عن موقف في شكل رد فعل عنيف، مع إنكار الجرائم التي ارتكبها الروس ضد المدنيين في مالي. ومن جهة أخرى، تضمّن كلامه الكثير من الإشارات التي تفيد بأن الاتهام وُجه إلى فرنسا تحديدًا من خلال حديثه عن إثارة النعرات من قبل المستعمر.

ما الرسائل التي يمكن استنتاجها من تصريح لافروف في الندوة الصحفية؟

أولى الرسائل التي يمكن استنتاجها من تصريح لافروف أن موسكو تعتبر الجزائر وراء فشلها في بسط نفوذها على شمال مالي بدعمها للأزواد (الطوارق). أما الرسالة الثانية، فهي أن موسكو تعتبر هذا الخلاف قابلًا للتطور، وهو نوع من التهديد بإثارة مطالب حدودية، ما قد يفتح المجال أمام أزمة حقيقية بين البلدين قبل موعد اجتماع مجلس الأمن.

يبدو أن روسيا غيّرت موقفها من الصحراء الغربية، فهل تكون القضية قربانًا تقدّمه موسكو لواشنطن من أجل تقارب بينهما في شمال إفريقيا؟

لا أعتقد أن موسكو ستغيّر موقفها من قضية الصحراء الغربية، وقد أعلنت عن ذلك بوضوح على لسان لافروف نفسه، عندما قال إن موقف بلاده يستند إلى قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، التي تنص على ضرورة تسوية القضية عبر مبدأ تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية، من خلال الاستفتاء الذي لم يُحدَّد شكله بعد.

موسكو والجزائر ترتبطان باتفاقية شراكة استراتيجية معمّقة، أيّ سيناريو ينتظرهما في ظل هذا الفتور؟

لا أعتقد أن شراكتهما الاستراتيجية ستهتزّ بهذه الخلافات الظرفية، وهذا واضح من خلال تصريحات الطرفين، وكذلك من خلال تنامي حجم المبادلات بينهما في السنوات الخمس الأخيرة، والأرقام لا تكذب. سيكون المعتمد بينهما هو الفصل بين ملفات الخلاف والشراكة الاستراتيجية، كما هو الحال مع الولايات المتحدة الأمريكية.

أثار لافروف مسألة محسومة بين الجزائر ومالي وهي الحدود المرسَّمة بموجب اتفاق عام 1983، برأيكم ما الموقف اللازم من الجزائر للجم الأصوات المشككة في واحدة من مقومات الدولة؟

مسائل الحدود محسومة قبل ذلك من قِبَل منظمة الوحدة الإفريقية، التي اعتمدت مبدأ قانونيًا مفاده أن “الحدود الرسمية بين الدول هي الحدود الموروثة عن الاستعمار”. هذا المبدأ لا يزال ساري المفعول في الاتحاد الإفريقي، وما الاتفاقات الموقعة إلا تجسيد لذلك المبدأ وترسيم عملي لهذه الحدود. وعليه، فإن تصريح لافروف لا يستند إلى أساس قانوني، والمصرِّح ليس له الأهلية القانونية ولا التاريخية للبت في هذا الموضوع. لذلك فالجزائر غير ملزمة بالرد إلا في حدود الرد السياسي والتنبيه والتذكير.

نوايا روسيا في تعزيز نفوذها في منطقة الساحل وليبيا باتت واضحة، برأيكم هل تغيّرت رؤية الروس لتوازنات المنطقة بشكل يُرسي تحالفات جديدة بعيدًا عن الشريك التقليدي في المنطقة؟

في حروب النفوذ هناك “دوائر عمل” ومجالات عمل مستقلة عن بعضها البعض، قد تضع بلدين في خندق واحد في ملف ما، وربما في تصادم في ملف آخر. واعتماد الروس سياسة التدخلات وملء الفراغ (سياسة استعمارية) في الساحل بعد انسحاب فرنسا يضعهم وجهًا لوجه مع الجزائر التي ترفض أي تواجد عسكري أجنبي في المنطقة، وتدافع عن تحرّر الدول الإفريقية من كل أشكال النفوذ الأجنبي. وهذا قد يضع البلدين في خلاف وربما في أزمة، لكن هذا الخلاف، أو حتى في حالة الأزمة، لن يصل إلى حد انقلاب موسكو على مصالحها الاستراتيجية، لأنه كما قلت باستثناء الملفات المذكورة، فإن مجالات التوافق والتطابق لا تزال واسعة بما يكفي للحفاظ على الشراكة التاريخية والاستراتيجية بين البلدين، التي تبلغ حدّ المصيرية في أعلى مستوياتها.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here