صلاحيات واسعة للجيش تُعزّز توازنات ناعمة داخل السلطة في الجزائر

16
صلاحيات واسعة للجيش تُعزّز توازنات ناعمة داخل السلطة في الجزائر
صلاحيات واسعة للجيش تُعزّز توازنات ناعمة داخل السلطة في الجزائر

أفريقيا برس – الجزائر. حازت قيادة الجيش الجزائري، وعلى رأسها الوزير المنتدب للدفاع الوطني وقائد الأركان الجنرال سعيد شنقريحة، مهام وصلاحيات واسعة في مجال الرقابة والمساءلة على أموال المؤسسة العسكرية، والدور المنوط به بتفويض من وزير الدفاع (رئيس الجمهورية)، الأمر الذي يعزز حالة من التناغم والتوازنات الناعمة داخل السلطة، لاسيما رئاسة الجمهورية والمؤسسة العسكرية، التي لفها التجاذب وحتى الصراع في العديد من المراحل.

ضبط المرسوم الرئاسي الصادر في العدد الأخير من الجريدة الرسمية الجزائرية، العلاقة بين وزير الدفاع وبين الوزير المنتدب للدفاع الوطني، ورسم معالم هامش واسع لصالح الجنرال سعيد شنقريحة، وهو ما يعتبر ترتيبا للأوراق والأدوار بين أكبر مؤسستين في جسد الدولة وهما رئاسة الجمهورية والجيش، الأمر الذي يقطع الطريق أمام الاستثمار السياسي في علاقة الطرفين، كونها ظلت مادة دسمة بسبب التجاذبات وحتى الصراعات التي لفتها في عدة محطات.

وفي خطوة تستهدف رفع اللبس المحتمل في علاقة رئيس الجمهورية ووزير الدفاع الوطني، مع الوزير المنتدب للدفاع المستحدث في التعديل الحكومي الذي أجراه الرئيس تبون على حكومته خلال شهر نوفمبر الماضي، تم تضمين المرسوم الرئاسي مهام وصلاحيات الرجل القوي في المؤسسة العسكرية، بشكل يكرس تناغما بين الطرفين، وتفنيد ما قد يتردد حول علاقة طبعها التذبذب في حقبات سابقة.

وذكر المرسوم، بأن “الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني رئيس أركان الجيش وزير الدفاع، ويمارس عن طريق التفويض، وتحت رقابة وزير الدفاع وسلطته الصلاحيات التي يسندها إليه ويعرض عليه نتائج نشاطاته”، الأمر الذي يبقيه تحت سلطة ورقابة وزير الدفاع ورئيس الجمهورية، مهما توسعت مهامه وصلاحياته داخل المؤسسة العسكرية.

وصار بموجب المرسوم المذكور، الوزير المنتدب للدفاع يقوم، بـ”جمع ومعالجة، لحساب وزير الدفاع، المسائل الاقتصادية والمالية وكذا المسائل المتصلة بالميزانية، وينسق أشغال تحضير مخطط تطوير وزارة الدفاع الوطني وميزانيتها التي يكون الآمر بالصرف الرئيسي لها، ويتولى الوزير المنتدب، لحساب وزير الدفاع، اللجنة القطاعية للصفقات، وكذا رئاسة المجلس الوطني لأمن الأنظمة المعلوماتية مع تنظيم الاحتياطات الوزارية وتسييرها”.

وتابع: “يشرف الوزير المنتدب على متابعة الاتفاقيات والمعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف حول الأسلحة النووية والبيولوجية والكيمياوية والأسلحة التقليدية والألغام وحول الفضاء والاتصالات السلكية واللاسلكية ومنظومات الطائرات بدون طيار على المتن والتجهيزات الحساسة والدراسات الخاصة بها وينسّق ذلك ويضمن تمثيل الوزارة في هذا المجال، فضلا عن تحديد محاور سياسة التعاون العسكري والعلاقات الخارجية وينشطها ويسهر على تنفيذها، بعد موافقة وزير الدفاع”.

كما يضطلع بضمان علاقات وزارة الدفاع مع مؤسسات الدولة ومع كل هيئة وطنية أخرى خارجة عن الجيش، ويجمع ويعالج لحساب وزير الدفاع، المسائل الاقتصادية والمالية والمسائل المتصلة بالميزانية، وينسق أشغال تحضير مخطط تطوير وزارة الدفاع الوطني وميزانيتها التي يكون الآمر بالصرف الرئيسي لها، فضلا عن تولي اللجنة القطاعية للصفقات، ورئاسة المجلس الوطني لأمن الأنظمة المعلوماتية مع تنظيم الاحتياطات الوزارية وتسييرها.

وأوكلت له أيضا مهمة الإشراف على تحديد محاور سياسية البحث العلمي والتقني، في مجال التكنولوجيا والصناعة العسكرية والتسليح وينشطها ويسهر على تنفيذها، بعد موافقة وزير الدفاع، الى جانب متابعة الاتفاقيات والمعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف حول الأسلحة النووية والبيولوجية والكيمياوية والأسلحة التقليدية والألغام وحول الفضاء والاتصالات السلكية واللاسلكية ومنظومات الطائرات بدون طيار والتجهيزات الحساسة والدراسات الخاصة بها وينسق ذلك ويضمن تمثيل الوزارة في هذا المجال.

كما يسهر على تحديد وتنشيط وتنفيذ محاور سياسة التعاون العسكري والعلاقات الخارجية، واعداد وتنفيذ سياسة تسيير المستخدمين وترقيتهم، ويجمع ويعالج اقتراحات مخططات تنقيل وحركة المستخدمين الضباط والإطارات الشبيهين، فضلا عن التعيين في الوظائف والمناصب العليا التي تقدمها جميع الأجهزة والهياكل في وزارة الدفاع الوطني، ويعرضها على وزير الدفاع الوطني ليوافق عليها.

ويبدو أن قائد أركان الجيش الجزائري، الذي حاز على الغطاء السياسي بعد استحداث منصب الوزير المنتدب للدفاع الوطني، وتعيينه فيه بعد التعديل الحكومي الأخير، بات بموجب المرسوم الرئاسي المذكور، شخصية ذات نفوذ قوي ومشرعن، يقيه الانتقادات والتأويلات التي طالت مسيرته المهنية منذ العام 2020، لاسيما مع ظهور لافت لتمدد دور المؤسسة العسكرية داخل مفاصل الدولة.

وقال الناشط السياسي علي آيت جودي، لـ”أفريقيا برس”، بأن “المراسيم التي خصها الرئيس ووزير الدفاع عبدالمجيد تبون، للوزير المنتدب لشؤون الدفاع، هي تقنين للمهام والصلاحيات التي كان يمارسها الرجل حتى وهو قائد لأركان الجيش فقط، والفارق الآن أن الجنرال سعيد شنقريحة، بات صاحب دور سياسي في المشهد العام لأنه عضو من أعضاء الحكومة، فضلا على توسع أدواره ومهامه، بشكل لم يحدث مع المناصب المماثلة خلال المراحل السابقة”.

وأضاف: “لكن رغم ذلك، فان الرجل الآن أصبح أكثر ارتباطا بسلطته الأولى الممثلة في وزير الدفاع، وهي مسألة في غاية الأهمية، لأن ذلك يضمن للرئيس تبون ولاء الرجل القوي في المؤسسة العسكرية، ويجعل مصيره مربوطا بمصيره، عكس الرؤساء السابقين الذين ظلوا على شكوك وتجاذبات مع قادة المؤسسة العسكرية”.

وتابع: ” الرئيس ووزير الدفاع تبون، أغرى الجنرال سعيد شنقريحة، بصلاحيات ونفوذ غير مسبوق لأسلافه، لكنه أبقى عليه سلطته الهرمية، وهو ما يضع الرجل أمام مسؤوليات ضخمة يتحمل تبعاتها ومخاطرها، مما يجعل حركته محسوبة بدقة لأن الصلاحية الأولى للحساب والمساءلة تبقى بحوزة وزير الدفاع، وبناء عليها يتحدد الثناء أو الجزاء”.

ويبدو أن الرئيس الجزائري، الذي أعفى المؤسسات التقليدية على غرار البرلمان من مساءلة الجهاز الديبلوماسي والمؤسسة العسكرية، قد دفع بآلية جديدة تتيح له رفع الحرج عن البلاد، فيما يتعلق بتقارير الشفافية ومحاربة الفساد الصادرة عن الهيئات الدولية، وحتى ما تردده المعارضة السياسية والرأي العام حول سطوة الجيش على مقدرات مالية ضخمة للدولة دون رقابة أو مساءلة.

وفي سياق متصل وضع المرسوم الرئاسي، مهام المراقبة العامة للجيش، ضمن صلاحيات واسعة لمتابعة الرقابة والتفتيش على مستوى مختلف هيئات وهياكل وزارة الدفاع والمؤسسات التابعة لها، وهو ما يوفر للدولة آليات مراقبة ومساءلة داخلية، بعدما نزعت تلك الصلاحيات من المؤسسات المدنية.

وباتت المخصصات المالية الضخمة التي تحوزها وزارة الدفاع سنويا، مثارا للجدل والشكوك في الأوساط السياسية المعارضة، وحتى منظمات الشفافية ومحاربة الفساد الدولية، لاسيما بعد تصنيف مجموعة العمل المالي التابعة لمجموعة السبعة الكبار في أكتوبر الماضي، الجزائر وبعض الدول في اللائحة الرمادية التي تتطلب شفافية وتدقيقا خاصا في تسيير وحركة رؤوس الأموال.

وخصت الحكومة الجزائرية في قانون الموازنة العامة للعام الجديد، غلافا ماليا يقدر بـ 25 مليار دولار، بزيادة تقدر بثلاثة مليارات دولار عن موازنة العام الجاري، الأمر الذي طرح استفهامات لدى الدوائر المختصة وحتى الشارع الجزائري، حول دواعي ومبررات كل تلك الموازنة في ظل خطاب الاستقرار والقضاء على الإرهاب الذي تردده السلطة، والتي لا زالت تضع المخاطر الإقليمية والتوازن الاستراتيجي في المنطقة والصراعات الجيوسياسية في صدارة ذرائع الانفاق العسكري.

ومنح المرسوم الرئاسي صلاحية المراقبة العامة للجيش، صلاحية الرقابة والتفتيش التي تمارسها الإدارات والمؤسسات والهيئات المتخصصة، وذلك على مستوى مختلف هيئات وهياكل وزارة الدفاع الوطني والمؤسسات التابعة لها، وذلك بغرض “توحيد مهام الرقابة والتفتيش ضمن هيئة مركزية تابعة لوزارة الدفاع الوطني، لضمان الكفاءة والشفافية في التسيير الإداري والمالي”.

وأبرز ما جاء فيه، قوله: “تكلف المراقبة العامة للجيش، بصفتها هيئة مركزية للرقابة البعدية موضوعة تحت سلطة وزير الدفاع الوطني، لا سيما بالرقابة والتدقيق والتفتيش والتحليل والدراسة والتقييم على مستوى مختلف هيئات وهياكل وزارة الدفاع الوطني والمؤسسات التابعة لها”.

ولفت الى “تكليف المراقبة العامة للجيش، بالتنسيق مع مجلس المحاسبة طبقا للتشريع والتنظيم الساري المفعول، بمراقبة الحسابات ومراقبة تسيير مختلف هيئات وهياكل وزارة الدفاع الوطني والمؤسسات التابعة لها، مهما كانت طبيعتها القانونية، فضلا على تركيز المراقبة العامة للجيش على ضمان الالتزام الصارم بالتشريعات والتنظيمات السارية، خصوصا في مجالات المحافظة على الأموال العمومية، وحماية ممتلكات الدولة المخصصة لوزارة الدفاع الوطني، والتسيير الناجع للموارد البشرية، الحفاظ على حقوق المستخدمين، والقواعد المطبقة في مجال الوقاية الصحية والأمن وطب العمل والحماية الاجتماعية، والقواعد المتعلقة بالأمن الصناعي وحماية البيئة، وحماية الممتلكات الثقافية الواقعة ضمن النطاقات العسكرية”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here