أفريقيا برس – الجزائر. أدرج المحلل السياسي الجزائري عمار سيغة، دعوة اليد الممدودة التي وجهها الملك المغربي الى الجزائر، ضمن مناورات نظام متناقض في خطاباته السياسية والاعلامية، وبين أعماله الميدانية التي ازدادت خطورة على الجزائر، في ظل التطبيع مع اسرائيل وحملات التشويه والاغراق بالمخدرات التي تديرها دوائره الخفية.
وأكد المتحدث، في مقابلة مع “أفريقيا برس”، على المراحل الايجابية التي بلغتها الجزائر في السنوات الأخيرة، مكنتها من طرح أوراقها بكل سيادية، خاصة في ادارة الخلافات أو الأزمات، كما هو الشأن مع الاتحاد الأوروبي وفرنسا.
كما شدد على أن قانون التعبئة العامة، الصادر مؤخرا في الجريدة الرسمية، هو آلية تنظيمية وتشريعية تحسبا للطوارئ والمخاطر المحيطة بالبلاد، خاصة في الساحل والشرق، وأن وضع القانون حيز التنفيذ، لا يتصل بمواجهات أو صدامات عسكرية مباشرة، كما قرأه البعض في تحليلات وتأويلات مختلفة.
مرة أخرى يد ممدودة من الملك المغربي للجزائر، برأيكم ما هي حدود نوايا التطبيع وما هي حدود المناورة في الخطوة، وماهو الموقف المتوقع من الطرف الجزائري؟
اليد الممدودة من الملك المغربي الى الجزائر، نعتقد أنها تفسير للعزلة الدبلوماسية والجغرافية التي يعرفها نظام النظام المغربي في الآونة الأخيرة، خاصة أنه يعني دلالات واضحة على أن ما تعيشه المنطقة من عدم استقرار، يندرج ضمن خلفيات تواطؤ النظام المغربي، بسبب دخوله في علاقات مشبوهة، خاصة مع الكيان الصهيوني، وانخراطه في مناورات عسكريه واستراتيجية، كحرب الأنفاق التي تدخل ضمن أولويات الجيش الصهيوني ضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
وباعتبار آخر تعيش المملكة على وقع ضغط داخلي، على الصعيد السياسي والشعبي، خاصة من خلال ضغط الشارع، فضلا عن تراجع مستويات التنمية والظروف الاقتصادية التي ترهن مستقبل الشعب المغربي، وكذلك تصاعد مطالب رفع الأجور وتحسين القدرة الشرائية، بالاضافة الى ذلك ربما العزلة المضروبة على النظام المخزني، خاصة في ظل التعنت وعدم اعترافه بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
كل ذلك يدفع نظام الملك المغربي الى المناورة بخطاب اليد الممدودة، والذي يبدو مناقضا للسياسات الممنهجة والمنتهجة ضد الجزائر، من خلال ربط تحالفات مع عدو استراتيجي بالنسبة للجزائر، وممارسة بعض الأنشطة الاجرامية التي انخرطت فيها جهات رسمية مغربية، بغية اغراق الجزائر بشحنات من المخدرات والمهلوسات عبر الحدود الغربية، مما دفع الجزائر الى اتخاذ قرار غلق الحدود وقطع العلاقات مع المملكة المغربية.
قانون المناجم حرك قوى حزبية وطنية، هل ترون أن تفرد السلطة بالمشهد العام، ساهم في ركود المشهد السياسي، أم المسؤولية تقع على عاتق الطبقة الحزبية؟
تحرك مجموعة الاحزاب السياسية ضد قانون المناجم الجديد، اعتقد مسعى للفت انتباه السلطة الى هذا الجانب الاستراتيجي، لاسيما وأنه يدخل ضمن سياقات الأمن القومي، خاصة بالنسبة للمقدرات الطبيعيه في البلاد، وهو ما يندرج ضمن أولويات الأمن القومي الاقتصادي.
وأعتقد أن تحرك الأحزاب جاء في وقت جد حساس، خاصة وأن ذلك يرتبط بالنشاط النشاط السياسي في مختلف المحطات الانتخابية، غير أن هذه هذا الموقف الذي اتخذته الأحزاب السياسية من خلال رفع مذكرة وبيان مشترك ينبه السلطة والجهات الرسمية والمختصة، وأقول الجهات المختصة في مجال استغلال المناجم ووضع الجانب التشريعي، وذلك من خلال دق ناقوس الخطر حيال تقويض المقدرات الطبيعية للشعب الجزائري، الأمر الذي يدخل ضمن مسارات وسياقات وأطر الأمن القومي، الذي يتوجب على السلطه في الجزائر مراجعه مثل هكذا قرارات وتشريعات لضمان حق الأجيال القادمة، خاصة وأن استغلال الشركات الأجنبية للثروات الباطنية يهدد المصالح العليا للبلاد ويعتبر أحد المخاطر التي وجب تفاديها في الوقت الحالي.
حمل قانون التعبئة العامة الذي دخل حيز الخدمة العديد من التأويلات، فماهي القراءة القريبة لفهم دواعي ودلالات صدور القانون، وماهي امكانية تفعيله؟
قانون التعبئة أثار الكثير من الجدل ومن اللغط، وأسال كثيرا من الحبر، من خلال تناول القرار بشيء من التأويلات والتحليلات، خاصة وأن ذلك يرتبط بمجموع الرهانات والتحديات التي تعيشها الجزائر في بعديها الأمني والاستراتيجي على وجه الخصوص، وذلك من خلال تراجع مستويات الاستقرار السياسي والأمني في دول الجوار، لاسيما منها منطقة الساحل الافريقي وفي الجهة الشرقي خاصة ليبيا، التي تعرف حالة عدم استقرار سياسي وأمني خطير.
وربما ذلك ما دفع قادة صنع قرار في البلاد، الى توضيح وتقنين المسألة تحسبا لأي طارئ، خاصة وأن حالة التعبئة العامة لا تندرج فقط في سياقات حربية أو مواجهات عسكرية معينة، بل هي كذلك ضمن الآليات التي تمكن الجيش الوطني برصد والاستعداد لكل التهديدات في شقها الامني والاستراتيجي، فضلا على أنه المؤسسة العسكرية الجزائرية تعرف تطورا في العقيدة وتقاطعا مع الأبعاد الاقتصادية والاستراتجية والحيوية، ترجمه صدور قانون جديد يمكن ضباط سامين من المؤسسه من شغل مناصب مدنية سامية في المؤسسات المدنية.
وهو ما يمثل عقدا اجتماعيا بين المؤسسة المدنية والمؤسسة العسكرية، في خطوة تستهدف استغلال قدرات وكفاءات المؤسسة في مختلف القطاعات، وهو أمر مثير بالاشادة والثناء، لاسيما من خلال ولوج وتيرة التكوين المتنوع وفي مختلف المجالات الأكاديمية والصناعية والحيوية التي تعرفها مختلف النظم العسكرية في دول مختلف دول العالم، والتي نعتقد أنه بات حري بالجزائر الآن استغلال كل مقدراتها ليس في الجانب المدني فقط، بل حتى في الجانب العسكري للنهوض التكنولوجي والتطور الصناعي في كل المجالات الحيوية والاستراتجية.
أقفلت الأزمة الجزائرية- الفرنسية عامها الأول، دون أفق لحلحلتها، كيف تقرأون تطورات فصولها، وهل ما زالت امكانية تطويقها ثنائيا، أم اقترابها من نقطة القطيعة يجعلها رهينة دور الوساطة؟
الأزمه الجزائرية- الفرنسية تعرف الآن تطورات خطيرة، ونحن نتابع عن كثب التصريحات المثيرة للجدل داخل المؤسسات السياسية في فرنسا، خاصة ما يصدر على وجه الخصوص من طرف وزارة الداخلية وعلى رأسها الوزير برونو روتايو، الذي لا يتوانى في توجيه الاتهامات كل السهام نحو الجزائر.
وما تحققه الجزائر الآن من تحالفات وشراكات واتفاقيات في كل المجالات العسكرية والاستراتجية والاقتصادية، وتسابق دول أوروبية بات يزعج الفرنسيين كثيرا، وهو ما ظهر خلال زيارة الرئيس تبون مؤخرا الى ايطاليا، فضلا على أن الزخم القائم حاليا في مختلف المحاور، بعد تحقيقها الأمن والاستقرار السياسي والأمني، حولها الى محطة ووجهة استثمار، لا يروق للدوائر الفرنسية المعادية، ولا يريحها صعود أرقام مهمه في مجال تصدير الغاز، جعل من الجزائر بديلا حقيقيا للطاقة الروسية أمام استمرار الحرب الروسية- الأوكرانية.
هذا الى جانب تمسك الجزائر بملفات هامة تربطها مع فرنسا، على الذاكرة والتاريخ، والاصرار على استرجاع جماجم شهداء المقاومة الجزائرية، وبمطلب تجريم الاستعمار، والضغط لاعتراف فرنسا بجرائمها الوحشية، بالاضافة الى التمسك باستعادة التراث المنهوب والأرشيف والوثائق وهو ما بات يحرج فرنسا كثيرا.
كما أن الصعود الاقتصادي والتنمية في البلاد، شكل رسالة قوية للفرنسيين، مفادها فك الارتباط وانهاء حقبة التبعية والوصاية الاقتصادية والتجارية التي ظلت ضمن حصرياتها طيلة العقود الماضية، وهو ما يتجلى في تقلص حضور الشركات الفرنسية بالجزائر، بما يشي الى نهاية حقبة النفوذ والوصاية التقليديتين على مختلف القطاعات كالطاقة والصناعة والبنى التحتية والبناء والتعمير والخدمات.
استجد خلاف جوهري بين الاتحاد الأوروبي والجزائر، على خلفية اللجوء الى التحكيم الدولي والتصنيف في القائمة الرمادية، برأيكم الى أي مدى حمل تحرك الاتحاد الروح التضامنية مع عضوين من أعضائه (فرنسا واسبانيا)، أم أن المسألة تتعلق بخلافات أخرى.
بالنسبه للجوء أو التهديد باللجوء الى التحكيم الدولي من طرف الاتحاد الأوروبي ردا على قرار الجزائر بمراجعه الاتفاقيات التي تربطها مع الاتحاد المذكور، تحتم العودة الى السياقات الزمنية التي وجدت فيها، وارتداداتها على الاقتصاد الجزائري الضعيف حينها، ولذلك لم تتحقق الأهداف ولا الأرقام المرجوة، لكن تغير المعطيات والوضعيات التي ترجمها تقليص الاستيراد في ظل طفرة المنتوجات الوطنية، التي صارت أكثر قدرة على التنافسية في الأسواق الدولية، والكثير من الشركات الجزائريه باتت تصدر بضائعها الزراعية والصناعية.. وغيرها، فضلا عن استتباب الأوضاع الأمنية والتحكم في مظاهر الجريمة المنظمة والارهاب والاتجار غير المشرع، مكن الجزائر من أوراق جديدة لم تكن متاحة في وقت سابق، ولذلك صار من حقها المطالبة بمراجعة تلك الاتفاقيات في ظروف ومناخ مختلف، عن تلك التي ربطتها مع الاتحاد الأوروبي، خاصة فيما يتعلق بفرض السيادة الوطنية وفرض القرار واستقلاليته.
تحدث الرئيس عبدالمجيد تبون، في آخر ظهور اعلامي له، عن صداقة مفتوحة مع جميع الشركاء، وعن مسافة متساوية مع القوى الكبرى، الى أي مدى يمكن للجزائر التوفيق في ذلك، وهل لها من الامكانيات التي تؤمّن لها الموقف المحايد بين قوى تتصارع على قيادة العالم (أمريكا، روسيا والصين).
تصريح الرئيس الجزائري يعني تمكن الجزائر من عقد العديد من اتفاقيات وكذلك الصداقات مع كل الفاعلين الدوليين، يأتي في ظل استراتيجية تسعى من خلالها إلى تنويع وتوسيع محاورها الاستراتجية، في ظل عالم يعيش على وقع تعدد الأقطاب والقوى الفاعلة سواء منها التقليدية أو الصاعدة.
ووفق هذا المنظور تتجه الجزائر الى التنوع والتوسع في كل الاتجاهات والمجالات، طبقا لعقيدتها في مجال الحياد وعدم الانخراط في أي أجندات تتعلق بصراع تلك القوى حول مناطق نفوذ ومصالح استراتجية كبرى، خاصة في الشرق الأوسط والمناطق الحيوية الأخرى، أين تبرز أوروبا والصين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
وهذه الدوافع والمعطيات جعلت الجزائر تتجه الى تنويع شراكاتها وتضبط عقارب ساعة الاحترام مع كل الشركاء والفاعلين الدولين، سواء كانوا قوى تقليدية أو قوى صاعدة، لأن المحفزات تكمن في تحق أرقام نمو وأرقام اقتصاد يشكل بالنسبة للجزائر يعني نموذجا يحتذى به، فضلا عن أن تغير المنتظم الدولي من خلال تفكك الأحادية القطبية وبروز أقطاب تقليدية وصاعدة، بات يحتم على الجزائر رسم استراتجية للتكيف مع التطورات الدولية.
أدى مسعد بولس، مستشار الرئيس ترامب زيارة لمنطقة شمال أفريقيا، ومنها الجزائر، وتحدث عن ملفات الاقتصاد والطاقة والأمن والساحل.. وغيرها، لكنه تفادى التطرق لاشارات سابقة له، تتعلق بقضية الصحراء الغربية والعلاقات الجزائرية- المغربية، فهل ترون أن أولويات ادارة ترامب قد تغيرت، أم هناك ما يقال وما لا يقال في مهمة بولس.
مهمة المستشار الأمريكي مسعد بولس، الذي زار منطقة شمال أفريقيا في الآونة الأخيره ومعها الجزائر، وتفاديه عدم التصريح أو عدم الحديث عن ملف الصحراء الغربية، هو مؤشر حقيقي على أن الادارة الأمريكية باتت تراجع الآن أوراقها فيما يتعلق بمختلف القضايا، لا سيما قضية الصحراء الغربية، لاسيما وأن الملف الذي هو محل اهتمام ونقاش في الأمم المتحده يندرج ضمن ملفات تصفية الاستعمار في القاره الافريقيه، وربما أدركت الولايات المتحدة الأمريكيه بأن الجزائر على ما تحققه من مستويات نمو وتطور هي شريك هام لها.
وذلك ربما يفسر الاهتمام الاستراتيجي بالجزائر، والزيارات المتتالية لقادة قوات الأفريكوم المتتالية، ولقاءاتهم مع نظرائهم في الجيش الجزائري ومع الرئيس عبدالمجيد تبون، الذي صرح في الكثير من المرات والمناسبات على أن الولايات المتحدة الأمريكية تندرج ضمن الدول الصديقة، والتي لديها موثوقية بالجزائر، التي كانت لها تجربة سابقة ورائدة في مكافحة الارهاب، وفي حوزتها اشادة أممية بكونها شريك موثوق استراتيجي وبامكانها المساعدة على حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة، خاصة في الساحل وشمال أفريقيا، وهو ما يعتبر صمام أمان للاقتصاد الأمريكي والدولي.
وتعتبر الجزائر الآن في ظل تصاعد وتيرة الصراع سواء في الجبهة الأوروبية أو الاقليمية شريكا قويا لاسيما وأن الشركات الأمريكية لديها تجربة وخبرة رائدة في الشراكة مع القطب الطاقي الجزائري سوناطراك، التي تمتلك العديد من الاتفاقيات وعقود استغلال حقول الغاز والنفط في الصحراء الجزائرية، وهو ما يندرج ضمن الأولويات التي تراهن عليها الولايات المتحدة الأمريكية.
كما تشكل الجزائر حليفا استراتيجيا وعسكريا وأمنيا، الى جانب المجالات الاقتصادية الدبلوماسية، وذلك من خلال وقوف الجزائر في مسافة الأمان ضمن كل النزاعات التي عرفتها المنظومة الدولية، كالصراع بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وثبات موقفها من خلال دعواتها المتكررة خاصة في مجلس الأمن إلى ضرورة تحكيم العقل وعدم الانسياق وراء كل أشكال المواجهة العسكرية التي يمكنها أن تقوض الأمن والسلم الدولي.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس