فريدة شراد
أفريقيا برس – الجزائر. يطرح الغزو الروسي لأوكرانيا أبواب الكثير من التساؤلات، حول مدى انعكاس الوضع على الجزائر، وهي التي تعتبر الزبون الوفي لروسيا من حيث الأسلحة والقمح. أصدرت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية ثلاثة بيانات منذ بادية العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، وأكدت في أخر بيان أنه لحدّ الساعة لم يتم تسجيل أية حالة وفاة بين أفراد الجالية الجزائرية المقيمة في هذا البلد.
وجاء البيان الجزائري بعد يوم عاش فيه الجزائريين على وقع الإشاعة؛ مقتل طالبة جزائرية بعد قصف روسي لإحدى المدن الأوكرانية، موضحة أنها تحرص على جمع المعلومات المتعلقة بالمواطنين الجزائريين في أوكرانيا ولحد الساعة لم يتم تسجيل أية حالة وفاة بين أفراد الجالية المقيمة في هذا البلد. وأكدت الخارجية الجزائرية على مواطنيها في أوكرانيا على ضرورة التواصل المستمر مع سفارة الجزائر في كييف للتعامل مع تطورات الأوضاع التي تستدعي أقصى درجات الحيطة والحذر.
وأزمة الجزائر في الحرب الدائرة لم تقتصر على رعاياها المتواجدين في أوكرانيا بل تتعداه إلى أزمة الغذاء، كون الجزائر كانت قد تحول خلال أزمتها مع فرنسا إلى استيراد القمح الروسي.
حياد الجزائر

خلافا لعدد كبير من الدول العربية، لم تؤيد الجزائر أو ترفض الحرب الروسية على أوكرانيا ولم تندد ولم تطلب حتى التعقل بل التزمت الحياد، في هذا الشأن يرى المحلل والناشط السياسي سفيان صخري في تصريح خص به “أفريقيا برس”؛ أن اندلاع القتال في أوكرانيا سيعيد الترتيبات الجيوسياسية للعالم بعد كورونا، قائلا: “كنا ننتظر أن تكون فيه ترتيبات جديدة في النظام العالمي، ما بعد كورونا، والحرب اليوم في أوكرانيا هي أولى هذه المحطات، وبالتالي الجزائر عليها إن تتأقلم مع الوضع الجديد والواقع الدولي دون أن تتورط مع جانب دون جانب آخر لأن هذه الحرب سيكون لها تداعيات وخيمة من الناحية النفطية”.
وأوضح صخري أن إحدى آثار الحرب تتمثل في ارتفاع أسعار النفط بسبب زيادة الطلب العالمي، وهذا يخدم الجزائر، مضيفا: “لكن هناك جانب اقتصادي وهاجس أمني آخر مرتبط بالقمح، لأن الجزائر دولة مستوردة للقمح وهناك تهديد كبير لأمنها الغذائي، بحكم أن أوكرانيا وروسيا تمثل قوى إنتاجية كبيرة للقمح”.
وشدد المحلل السياسي على ضرورة التزام الجزائر الحذر في اتخاذ المواقف، قائلا: “ربما نتشبث بمواقف براغماتية اتخذتها الجزائر من قبل أثناء الحرب الباردة، وهي مواقف لا شرقية ولا غربية، ويعني إن نحافظ على علاقات في مجال الشراكات الاقتصادية مع الدول الغربية وكذلك نحافظ على العلاقة الإستراتيجية مع الشريك والحليف التاريخي، الصديق الروسي دون أن نميل إلى طرف على طرف آخر”.
وطالب صخري في حال وجود ترتيبات جيوسياسية جديدة يمكن أن “تغتنم فرصة وجود الجزائر كبوابة لأفريقيا والموقع الاستراتيجي للبلاد، والمقدرات الجزائرية لاستعمالها كورقة للتفاوض مع كل القوى، دون الميل لكفة معينة، حتى ضمان حلفاء إستراتيجيين يضمنون للجزائر التحول من دولة شبه مركزية إلى دولة متقدمة المراكز في النظام العالمي الجديد، على اعتبار أن هذه الأزمة هي محطة أولية للنظام العالمي الجديد والترتيبات الجيوساسية الجديدة، لمرحلة ما بعد كورونا”.
العلاقات الجزائرية الروسية

وفي النظام الدولي الجديد والحرب الدائرة هل ستؤثر سلبا على علاقات الجزائر مع روسيا أم إن حياد الجزائر المتعودون عليه سيحميها من خسارة حليفها الاستراتيجي، يجيب سفيان صخري: “إن حياد الجزائر حافظت عليه حتى إبان الحرب الباردة، وكانت هناك عدة أزمات بين الغرب والشرق والجزائر كانت كدولة غير منحازة ولديها علاقاتها مع دول غربية في الميدان الاقتصادي، إضافة إلى علاقات أمنية واستخباراتية، وعسكرية مع روسيا، وهذا لم يؤثر بتاتا، وآنذاك الجزائر كان لها مواقف ثورية تصنف عند الغرب بالمواقف الراديكالية”.
ويري مُحدث “إفريقيا برس”؛ أن “الحياد لن يؤثر لأن الجزائر لديها كل الإمكانيات لتتعامل مع المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي، وعليها فقط أن تكون جديرة بتحديد القطاعات التي تتعامل معها وتحديد الدول التي تتعامل معها، مع التحديد الجيد للأولويات والأهداف”.
وفي صدد ذاته أضاف صخري: “أظن أن هذا الوضع وهذا الواقع فرصة ليسود فيه الصراع والتنافس في إطار نظام جديد متعدد الأقطاب هو أفضل لدولة مثل الجزائر من نظام أحادي القطب، فيه فقط قطب واحد مسيطر ويحكم العلاقات الدولية، إذن في حال استطاعت الجزائر أن تتبنى مقاربة براغماتية في إطار المصلحة دون التموقع مع طرف دون الطرف الأخر، فهذا سيعود بالخير على الجزائر”.
عودة البحبوحة للجزائر

ويعتقد الخبير الاقتصادي أحمد سواهلية، في تصريح خص به “أفريقيا برس” أن ما يجري من حرب بين روسيا و أوكرانيا أو بين الشرق والغرب بقطبيه الشرقي والغربي، عموما سيكون لها آثار مختلفة أو سلاح ذو حدين، الأثر الأبرز؛ من ناحية ارتفاع أسعار النفط وبالتالي ستستفيد الجزائر من المداخل وتعاظم إيراداتها من ارتفاع الأسعار، بسبب هذه الحرب الواقعة. معتبرا إن هذه السلعة حتى وإن كانت غالية وهي المحروقات بكل أنواعها، تسعى الكثير من الدول إلى امتلاكها، وتكوين مخزون كبير منها، إلا أنها تتأثر بآثار إستراتيجية وأحيانا أمنية وسياسية، ولعل التاريخ اثبت ذلك من خلال الحرب التي اندلعت اليوم أو أمس مثل تأثير جائحة كورونا على أسعار النفط أو قبل ذلك الانتخابات الأمريكية أو غيرها من كل إجراء سياسي أو اجتماعي يؤثر على الأسعار سواء بارتفاع السعر أو حتى انخفاضه. ودعا سواهلية القيادة الجزائرية إلى استغلال أوضاع البحبوحة المالية، وأوقات ارتفاع الأسعار من أجل توجيه الإيرادات إلى القطاعات الإنتاجية.
من الناحية الأخرى، أكد المتحدث ذاته أن ارتفاع سعر برميل النفط سيؤدي حتما إلى ارتفاع بعض المواد المتعلقة بالنفط أو الغاز، مثلا الحبوب، مرجعا السبب في ذلك كون دولة أوكرانيا لديها مشاكل مع الجانب الروسي، وهي أكبر دولة مصدرة للنفط واليوم فقط شهدت أسعار القمح ارتفاعا كبيرا، ما يؤثر على الجزائر وعلى الطلب العالمي الذي لم يعد متوازنا. وأكد سواهلية أن التوتر بين روسيا وأوكرانيا سيؤثر سلبا على كثير من المواد التي ينتجها البلدان، وبالتالي فهو توتر عالمي ليس فقط في النفط وإنما أيضا في القمح ومواد أخرى.
وخلص أستاذ العلوم الاقتصادية إلى القول: “هناك إيرادات مالية ستتعاظم للجزائر لكن في المقابل يوجد ارتفاع أسعار النفط وهناك نفقات إضافية، بسبب ندرة بعض المواد”.
هل سيجوع الجزائريون؟
وفي سؤال بخصوص القمح وهل سيجوع الجزائريون في حال طالت الحرب، خاصة أن الجزائر استغنت عن القمح الفرنسي ولجأت إلى القمح الروسي، أجاب سواهلية: “سيكون هناك خلل في الطلب العالمي، وبالتالي سيكون هناك شح في الموارد ما يجعل مادة القمح صعبة المنال، وقد تعتمد على الوساطات ومحاباة لدولة على حساب دولة بالتالي تبقى العلاقات الإستراتيجية والسياسية بين الدول تطغى على المشهد الذي سيتأثر بسبب هذا الوضع”.
وبالعودة إلى العلاقات بين الجزائر وروسيا يقول سواهلية: “لا أعتقد أن الجزائر ستتأثر، لأنه لو تم توقيف 40 بالمائة من الطلب العالمي الذي توفره أوكرانيا، سيختل الطلب العالمي فقط، بسبب نقص الإمدادات الأوكرانية وبسبب زيادة الطلب العالمي في الأسواق والجزائر ليست زبون عندها”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس